أنتلجنسيا المغرب:لبنى مطرفي
في مشهد سياسي يثير الكثير من التساؤلات
حول واقع التسيير المحلي في المغرب، أعلن "مصطفى لخصم"، البطل العالمي السابق في
رياضة "الكيك بوكسينغ" ورئيس جماعة إيموزار الكندر، عن قراره بوضع استقالته، بعد
صراع طويل مع الأحزاب والسلطات المحلية التي وصفها بأنها تعمل على عرقلة أي مشروع
تنموي يهدف إلى دفع المدينة نحو التقدم.
هذا القرار الصادم، الذي جاء بعد شهور من
الشد والجذب، يفتح الباب أمام نقاش أوسع حول طبيعة التدبير الجماعي، والعوائق التي
تحول دون تحقيق التنمية المحلية، ومدى تأثير الصراعات السياسية على مصالح المواطنين.
"مصطفى لخصم"، الذي دخل عالم السياسة بدافع
تغيير واقع مدينته وتحقيق مشاريع طموحة لفائدة الساكنة، وجد نفسه أمام جدار من
العراقيل الإدارية والسياسية، حيث كشف في تصريحات نارية أن بعض الأحزاب تعمدت
تعطيل المشاريع التنموية المقترحة فقط لأنها لم تكن جزءًا من مخططاتها السياسية،
مما جعل العمل داخل المجلس الجماعي أشبه بحقل ألغام مليء بالتحالفات الضيقة
والمصالح الشخصية. والأمر لم يتوقف عند هذا الحد، بل اتهم السلطة الإدارية بمحاولة
التحكم في دواليب التسيير بطريقة تخدم أجندات معينة، وهو ما اعتبره استهدافًا مباشرًا
لإرادة التغيير، ليس لشخصه فقط، بل لكل من يسعى إلى الخروج عن منطق المحسوبية
والولاءات الحزبية.
قرار الاستقالة لم يكن وليد اللحظة، بل كان نتيجة تراكمات وصراعات مستمرة منذ توليه المسؤولية، حيث أكد لخصم أن العراقيل لم تكن تقنية أو قانونية، بل سياسية بامتياز، حيث واجه تكتلًا من الأحزاب داخل المجلس هدفه الوحيد عرقلة كل مقترح يهدف إلى تحسين وضعية المدينة.
هذا
"البلوكاج" السياسي لم يكن فقط ضربًا لاستقلالية العمل الجماعي، بل كان
عائقًا مباشرًا أمام استفادة الساكنة من مشاريع حيوية في مجالات البنية التحتية،
التشغيل، والصحة، مما جعله في النهاية يقرر الانسحاب بعدما أدرك أن الاستمرار في
هذه المعركة لم يعد يجدي نفعًا.
لكن السؤال المطروح اليوم هو: هل يمكن أن تكون استقالة لخصم اعترافًا بفشل التجربة أم أنها مجرد ضحية لمنظومة ترفض التغيير؟ فالرجل الذي دخل السياسة بروح رياضية وقتالية، وجد نفسه محاصرًا بين مطرقة الأحزاب التي ترى في نجاحه تهديدًا لمصالحها، وسندان السلطة التي يبدو أنها لا تريد تسييرًا خارج عن سيطرتها.
وهو ما يجعلنا نتساءل: هل نحن أمام استقالة عادية، أم
أمام حالة تُجسد واقعًا عامًا في العديد من الجماعات الترابية حيث تعرقل الحسابات
الحزبية والمصالح الفئوية كل محاولة جادة للإصلاح؟
المثير في القضية أن لخصم لم يكن سياسيًا
تقليديًا، بل كان نموذجًا لرئيس جماعة قادم من خلفية رياضية بعيدة عن دهاليز
السياسة المعقدة، وهو ما قد يكون سببًا في العداء الذي واجهه من طرف بعض الجهات
التي لم تستسغ فكرة أن يصل شخص من خارج "المنظومة" إلى موقع القرار، بل
ويصر على الاشتغال بمنطق مختلف يقوم على الإنجاز بدل الولاء السياسي. هذه المعركة
لم تكن بين أحزاب سياسية فقط، بل كانت بين عقلية جديدة تريد كسر الجمود الذي تعرفه
العديد من الجماعات الترابية، وبين عقلية قديمة ترى في الجماعة مجرد مساحة لتوزيع
المصالح والنفوذ.
إعلان الاستقالة لا يعني فقط مغادرة رئيس جماعة لمنصبه، بل يطرح إشكالًا عميقًا حول مستقبل التدبير المحلي في المغرب، وحول مدى قدرة المنتخبين على العمل بحرية في ظل وجود توازنات معقدة بين الأحزاب والسلطة.
فهل كان مصطفى لخصم حالة معزولة أم أن هناك رؤساء جماعات آخرين يعيشون
نفس المعاناة لكنهم يفضلون الصمت خوفًا من الاصطدام بمنظومة لا ترحم من يخرج عن
خطها؟ وهل سيؤدي هذا الوضع إلى نفور الكفاءات من العمل السياسي المحلي، بعدما بات
واضحًا أن النجاح في الانتخابات لا يعني بالضرورة النجاح في تحقيق التغيير؟
في النهاية، إذا كانت تجربة مصطفى لخصم قد
انتهت باستقالة، فإن السؤال الأهم هو: من المستفيد من استمرار سياسة
"البلوكاج"؟ هل الأحزاب التي تعطل التنمية من أجل حسابات انتخابية؟ أم
السلطة التي تريد أن تبقى المتحكم الأول في كل شيء؟ أم أن الضحية الحقيقية هم
المواطنون الذين يبقى مستقبلهم رهن مزاج الصراعات السياسية؟ استقالة لخصم ليست
مجرد حدث عابر، بل هي ناقوس خطر حول واقع التسيير المحلي في المغرب، حيث يبدو أن
من يريد التغيير عليه أن يكون مستعدًا للمواجهة، حتى لو كانت النتيجة هي الخروج من
الباب الضيق.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك