أنتلجنسيا المغرب:ب.ع الاله
تطورات المشهد السياسي المغربي تثير تساؤلات حول مستقبل التحالفات الحزبية، خاصة بعد التصريحات الأخيرة لنزار بركة، الأمين العام لحزب الاستقلال.
الانتقادات التي وجهها للحكومة بشأن غلاء الأسعار والسياسات الاقتصادية توحي بوجود تباين في المواقف داخل التحالف الحكومي، مما يعيد إلى الأذهان سيناريو 2013 عندما قرر حميد شباط الانسحاب من الحكومة والاصطفاف في المعارضة.
فهل يتجه بركة نحو نفس المسار؟ وهل ذلك جزء من استراتيجية مدروسة أم مجرد رد فعل على الضغوط الشعبية؟
انتقادات نزار بركة الأخيرة، خاصة خلال إطلاق برنامج "2025 سنة التطوع" في إقليم الجديدة، لم تمر مرور الكرام.
مهاجمته لارتفاع الأسعار واتهامه الفاعلين الاقتصاديين بعدم مراعاة القدرة الشرائية للمغاربة، مع استخدامه لعبارات قوية مثل: "اتقوا الله في المغاربة، باركا من أكل أموالهم"، تعكس توجهاً جديداً في خطاب حزب الاستقلال.
هذه التصريحات ليست مجرد اختلاف في الرؤى، بل تحمل دلالات سياسية تتجاوز النقاش الاقتصادي إلى التساؤل عن مدى انسجام الحزب مع توجهات الحكومة التي هو جزء منها.
الاستحقاقات الانتخابية القادمة تجعل كل الأحزاب تفكر في موقعها المستقبلي.
حزب الاستقلال أمام تحدٍّ مزدوج:
تعزيز حضوره في المشهد السياسي من خلال لعب دور المدافع عن الطبقات الشعبية المتضررة من السياسات الحكومية الحالية.
الحفاظ على موقعه داخل الحكومة عبر الضغط على شركائه، خاصة التجمع الوطني للأحرار، للحصول على تنازلات سياسية أو وزارية تحسن موقعه في الانتخابات المقبلة.
تحولات المزاج الشعبي وتراجع الثقة في الأداء الحكومي تدفع بعض الأحزاب إلى مراجعة حساباتها.
انتقاد الحكومة من الداخل قد يكون تكتيكاً للتموقع الانتخابي أكثر من كونه نيةً للقطيعة النهائية.
حميد شباط، الأمين العام السابق لحزب الاستقلال، اختار في 2013 سحب الحزب من حكومة عبد الإله بنكيران بعد خلافات سياسية واقتصادية حادة.
القرار كان بمثابة زلزال سياسي، لكنه لم يكن مجدياً على المستوى الانتخابي للحزب، حيث دخل الاستقلال بعدها في مرحلة اضطراب داخلي أثرت على أدائه السياسي.
اليوم، يواجه نزار بركة وضعاً مشابهاً، لكنه أكثر تعقيداً:
السياق الاقتصادي أكثر صعوبة مع ارتفاع الأسعار والتضخم الذي يضغط على المواطنين، مما يجعل أي موقف سياسي يجب أن يكون محسوباً بعناية.
التحالفات الحكومية أكثر تماسكاً حيث أن حزب الاستقلال جزء من حكومة ثلاثية يقودها عزيز أخنوش، مما يجعل الانسحاب قراراً له تداعيات أكبر من مجرد معارضة فردية.
تجربة شباط لا تزال حاضرة في أذهان قيادات الحزب، وقد يكون هناك تخوف من تكرار سيناريو أدى إلى فقدان الحزب جزءاً من شعبيته في الماضي.
بركة ليس شباط، وهو يعتمد خطاباً أكثر هدوءاً لكنه لا يخفي إشارات التحفظ على بعض السياسات الحكومية.
الفرق الأساسي أن بركة لم يصل بعد إلى نقطة القطيعة النهائية مع التحالف، لكنه يترك الباب مفتوحاً لكل الإحتمالات.
الأسابيع القادمة قد تحمل مؤشرات على المسار الذي سيختاره حزب الاستقلال في ظل التوترات السياسية والاقتصادية الحالية.
الاحتمالات تبقى مفتوحة على ثلاثة سيناريوهات رئيسية:
السيناريو الأول: التصعيد والانضمام إلى المعارضة
إذا استمر الضغط الشعبي على الأوضاع الاقتصادية، قد يجد حزب الاستقلال أن مصلحته تقتضي الخروج من الحكومة وتقديم نفسه كبديل سياسي قادر على استعادة التوازن الاقتصادي والاجتماعي.
هذا الخيار سيمنح الحزب فرصة لإعادة تموضعه في المشهد السياسي، لكنه يحمل مخاطر فقدان تأثيره داخل دوائر القرار.
السيناريو الثاني: البقاء مع ممارسة الضغط من الداخل
هذا السيناريو يبدو الأكثر ترجيحاً، حيث سيواصل نزار بركة انتقاداته للحكومة، لكن دون القفز إلى المعارضة.
البقاء داخل التحالف سيمكنه من تحقيق بعض الإصلاحات وتقديمها كإنجازات للحزب، في حين أن الضغط الإعلامي والسياسي قد يساعده في كسب شعبية دون الحاجة إلى مغادرة الحكومة.
السيناريو الثالث: توافق سياسي داخلي يبقي التحالف قائماً
إذا تمكنت الحكومة من تقديم حلول حقيقية للمشاكل الاقتصادية، فقد يتم امتصاص التوتر داخل التحالف، مما يسمح لحزب الاستقلال بالحفاظ على دوره في الحكومة دون الحاجة إلى التصعيد السياسي.
5. التحديات: هل يمكن لحزب الاستقلال تحمل كلفة القطيعة؟
أي قرار سيتخذه حزب الاستقلال لن يكون بلا تكلفة سياسية.
الخروج من الحكومة قد يمنحه فرصة لإعادة بناء شعبيته، لكنه أيضاً قد يدفعه إلى عزلة سياسية في حال فشلت المعارضة في تقديم بدائل حقيقية.
في المقابل، البقاء داخل التحالف قد يحافظ على استقرار الحزب لكنه قد يفقده ثقة بعض الناخبين الذين ينتظرون منه مواقف أكثر وضوحاً تجاه الأزمة الاقتصادية والاجتماعية.
أحد أكبر التحديات التي تواجه بركة هو الحفاظ على توازن دقيق بين النقد السياسي والمشاركة في السلطة.
التصعيد الزائد قد يضع الحزب في مواجهة مباشرة مع الأحرار، مما قد يؤدي إلى تهميشه داخل التحالف، بينما التراخي قد يجعله يفقد جاذبيته كحزب لديه رؤية مستقلة.
حزب الاستقلال أمام مفترق طرق سياسي المرحلة القادمة ستكون حاسمة في تحديد ملامح المشهد السياسي المغربي.
حزب الاستقلال، بقيادة نزار بركة، يقف اليوم أمام خيارات معقدة تتراوح بين مواصلة الضغط من داخل الحكومة أو الانتقال إلى المعارضة في حال استمرت الأوضاع الاقتصادية في التدهور.
التاريخ قد لا يعيد نفسه بنفس التفاصيل، لكن الدروس المستخلصة من تجربة شباط تظل ماثلة أمام قيادة الحزب.
القرارات التي سيتخذها بركة خلال الأشهر المقبلة ستحدد ليس فقط مستقبل الحزب، بل أيضاً مدى تماسك التحالف الحكومي واستقرار المشهد السياسي برمته.
هل سيكرر بركة تجربة شباط، أم أنه سيبتكر طريقاً ثالثاً يجمع بين المعارضة الداخلية والبقاء في الحكومة؟
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك