"الكنبوري":أشد ما يحير المرء في المغرب هو بقاء المسؤولين في أماكنهم سنوات طويلة

"الكنبوري":أشد ما يحير المرء في المغرب هو بقاء المسؤولين في أماكنهم سنوات طويلة
سياسة / الجمعة 01 نوفمبر 2024 12:29:03 / لا توجد تعليقات:

بقلم:ادريس الكنبوري أشد ما يحير المرء في المغرب هو بقاء المسؤولين في أماكنهم سنوات طويلة حتى إن بعضهم يموت على كرسيه. لو لم يكن هذا هو مدخل الفساد لكفى به مدخلا. عندما يتجاوز الشخص أربع سنوات في المؤسسة يتحول من مسؤول إلى مالك شرعي؛ وعندنا من تجاوزت مدة مكوثه في المسؤولية عشرة أو عشرين سنة؛ وفي هذه المدة تتحول المؤسسة إلى ضيعة خاصة وتصبح مقاولة عائلية. عندما يتجاوز الإنسان أربع سنوات في المسؤولية يصبح أكثر خبرة بالمؤسسة وأكثر دراية بأساليب التحكم المالي والإداري؛ وأكثر قدرة على التعامل مع الأوراق والوثائق والتزوير فيها بحيث يصبح التزوير جزءا من الوثائق الرسمية. يصبح من الصعب التمييز بين الرسمي والشخصي لأن المسؤول يجعل لكل شيء تبريرا قانونيا من خلال الأختام؛ ويصنع تحالفا مع المسؤول المالي الذي يتقن فن التبرير. مع الوقت تصبح ميزانية المؤسسة ميزانية خاصة؛ ولا يعود المسؤول يفرق بين الأجر الذي يتلقاه وبين الميزانية؛ فهو يفطر ويتغذى ويتعشى من ميزانية المؤسسة لا من جيبه؛ ويتحول سائق المؤسسة إلى سائق خاص بالعائلة؛ وسيارة الخدمة إلى سيارة عائلية؛ ويبدأ في خلق حاشية داخل المؤسسة عبر نظام التعويضات المالية التي تتحول إلى رشوة. طول الإقامة في المسؤوليات هو رأس الفساد؛ وهو سبب خلق فئات من الانتهازيين وقتل الروح المعنوية لدى الموظفين والقضاء على المحفزات؛ ذلك أن هؤلاء عندما يدركون بأن الشخص باق في مكانه تصبح لديهم قناعات بأنه محمي من أعلى؛ وأنه لن يغادر أبدا؛ فيضطرون إلى الانحناء لأن هامش الحرية والاختيار يصبح محدودا لديهم بل مفقودا؛ بل تتحول العلاقة بينهم وبين المسؤول إلى علاقة خوف. تحديد مدة المسؤولية في فترة محدودة تعقبها محاسبة ليست مبدأ ديمقراطيا فحسب بل مبدأ شرعي في دولة مسلمة؛ فقد ورد في القرآن الكريم قوله تعالى "ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى وابن السبيل كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم". الفيء في هذه الآية هو المال العام؛ بالمعنى العام؛ وقد جعله الله بين جميع المواطنين ذوي الكفاءة لخدمته لا بين الأغنياء؛ والمقصود بهم ذوو الوجاهة والقرابة وأهل المحسوبية. إن الاستمرار في المسؤولية ليس له أي مبرر إطلاقا؛ بل هو إهانة للمواطن لأنه يعتبر تشكيكا في الكفاءات وضربا لأسس الديمقراطية والقيم الدينية؛ وتشجيعا على الفساد؛ وليس أدل على هذا من أن الذين استمروا في المسؤوليات جلهم انتهى بالفضائح؛ لأن الاستمرار في المسؤولية يورث الثقة بالنفس لدى المسؤول فيتصرف وكأنه المالك الشرعي بسبب طول العادة التي تصبح عبادة. محاربة الفساد تبدأ من هنا؛ فالماء الذي لا يتحرك يصبح ساما؛ وقد يقتل الشاربين؛ ولو عملنا بنظام التولية المحددة لفتحنا بابا صغيرا نحو الإصلاح.

لا توجد تعليقات:

للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.

أضف تعليقك