بقلم:المصطفى كرين
لم يتبقى سوى شهران على حرب يوليو الكبرى ، فبينما يترقب الجميع هجوما روسيا كاسحا وواسع النطاق على أوكرانيا لحسم النزاع وبالتالي إنهاء الحرب بهزيمة عسكرية للحلف الأطلسي يكون بعدها هذا الأخير مضطرا للتفاوض حول خريطة جديدة للأمن في أوروبا والعالم ، فإن الحلف الأطلسي من جهته ، واستباقا لهذا السيناريو ، يعقد لقاءه مع أوكرانيا نصف الشهر المقبل ، لإعداد صيغة دخول الحلف المباشر في الحرب الروسية الأوكرانية بعدما اقتنع باستحالة انتصار كييف في هذه المعركة ، وتمهيدا لهذه الأحداث أي ما أسميه حرب يوليو الكبرى ، أعلنت وزارة الدفاع الألمانية أمس الإثنين عن توافق بين تسعة دول لتزويد أوكرانيا بالصواريخ بعيدة المدى ، بناءً على ما سمي ب "مبادرة الدفاع الجوي الألمانية" ، حيث ستقدم بلجيكا والدنمارك وهولندا والنرويج وكندا المساعدة المالية، فيما ستقدم الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وإسبانيا ورومانيا وبلجيكا وليتوانيا بالإضافة إلى لاتفيا المعدات والصواريخ ، هذا هو الظاهر من الأمر لحد الساعة ، أما استنطاق هذه المعطيات فيجعلنا نعتقد أنه وقبل كل هذا بل وتمهيدا له ستعمل الدول الغربية على عزل موسكو ، وهذه الأخيرة ، إدراكًا منها لما يحدث، بدأت بدورها بتجريب ترسانتها النووية في منطقة العملية الخاصة .
عزل موسكو سيتطلب من واشنطن وحلفاؤها تحييد مجموعة من الدول التي من شأنها تقديم المساعدة لروسيا ، بدءًا بإيران التي ستدخل في حالة من الهلوسة السياسية وعدم الاستقرار بعد وفاة رئيسها ووزير خارجيتها في ظروف غامضة ، ورغم ما يتداوله ويدعيه الإعلام الإيراني فيما يتعلق بالخطوات الدستورية " التي يفترض أنها واضحة " وأنها تضمن انتقالا سلسا للسلطة في طهران ، فإن الحقيقة هي أن مقتل الرئيس الإيراني ووزير خارجيته بالإضافة لأحداث سابقة تؤكد أن إيران مخترقة أمنيًا بشكل لا يصدق ، وأن الفترة القادمة في البلاد ستتميز فعلا بحالة من عدم الاستقرار وستحدث صراعات طاحنة في مربع السلطة قد تنتهي بسقوط النظام الإيراني برمته في ظل سعي غربي لتغييره ، ويكفي قراءة الإشارات الواردة في التصريحات الأمريكية عقب سقوط مروحية الرئيس الإيراني والتي جاء فيها على الخصوص أن " أمريكا لن تغير موقفها من النظام الإيراني وأنها ستدعم كفاح الشعب الإيراني من أجل التحرر والديمقراطية " …ما معنى دعم " كفاح الشعب الإيراني في لغة الخطاب الدبلوماسي الأمريكي ؟ وأي شعب ذاك الذي تتكلم عنه واشنطن إذا كان الشعب برمته تقريبا قد خرج في جنازة وداع لكل من رئيسي وعبد اللهيان ورفقائهما ؟ وحدها واشنطن تعرف الجواب عن هذا السؤال وأسماء أفراد " الشعب الإيراني " الذي ستدعم كفاحه .
من جهة أخرى أتوقع أن يتم استعمال ملف تايوان بشكل مكثف وخطير في هذه الطرفية بالذات لشغل الصين وإبعادها عن مساندة روسيا بشكل ما ؟ وفي هذا الصدد لا بد من الإشارة إلى تصريحات رئيس تايوان المنتخب حديثا حول العلاقة مع الصين ، ولا أستبعد أن ينخرط الرئيس التايواني الجديد في مناورات سياسية على شكل خطوات استفزازية في اتجاه التمهيد لإعلان استقلال تايوان ، وهو ما يفترض أن يثير رد فعل صيني قد يتخذ شكل حصار عسكري في أدنى الحالات إن لم يكن أكبر ، وبالتالي ستصبح الصين غير قادرة على مساندة موسكو ، لا عسكريا ولا دبلوماسيا .
بإلإضافة إلى ذلك يبدو أن سلسلة الاغتيالات السياسية لمسؤولي الصف الأول لن تتوقف ، وأكبر المرشحين هم فيكتور أوربان رئيس وزراء هنغاريا والرئيس البيلاروسي لوكاشينكو ولولا داسيلفا الرئيس البرازيلي والرئيس التشيكي بيتر بافيل .
وفي إطار التوزيع العادل للمآسي فإن إفريقيا سيكون لها نصيبها المفروض منها ، حيث تعتبر شمال إفريقيا مرشحة فوق العادة لنزاع مسلح ربما تكون الجزائر والمغرب أحد أطرافه ، ولن تنجو جنوب إفريقيا من سيناريو قد يكون ذا أبعاد اقتصادية أكثر منها سياسية أو عسكرية ، مثلها في ذلك مثل تركيا .
أما بالنسبة للخليج فإن السيناريوهات المحتملة ستتركز على السعودية ، وقد تكون على شكل ثورة ملونة أو انتقال مبكر للسلطة ، وليس بالضرورة طبقا لل" دستور" والقانون والأعراف ، وهو ما سيدشن فترة كافية من عدم الاستقرار في كل الخليج ، على اعتبار وزن السعودية وتأثيرها على محيطها الإقليمي ، بما يكرس عملية عزل روسيا مدة النزاع الذي يَفترض العقل الغربي أنه لن يكون طويلا ، وهذا أمر فيه نظر بطبيعة الحال ، لأن أوروبا لن تحتمل نزاعا طويل الأمد ، لأسباب سياسية واقتصادية واضحة
خلاصة القول أننا معنيون بشكل أو آخر بما سيحدث خلال هذا الصيف ولذلك اعتبرت في مقال قبل بضعة أيام أن الإشارات الواردة في " الأمر اليومي " للقوات المسلحة الملكية تعتبر مقلقة للغاية في ظل طبقة سياسية في غيبوبة أو مخدّرة للغاية ، ولذلك أظن أن مراقبة ما يحدث شرق وجنوب المملكة أمر بالغ الجدية …
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك