من قاع الخابية: " الكُفْتَةُ بالْعَرَقِ والدُّبَّانِ ".

من قاع الخابية: " الكُفْتَةُ بالْعَرَقِ والدُّبَّانِ ".
قصة قصيرة / الجمعة 28 مارس 2025 - 22:00 / لا توجد تعليقات:

أنتلجنسيا المغرب: فهد الباهي/م.إيطاليا

الكفتة بالعرق والدبان، حقيقة لا يمكن إنكارها، كانت "بَنِينَةٌ". نذهب إلى السوق الأسبوعي كل يوم ثلاثاء، حيث تجد خيامًا ممزقة وحبالًا ممتدة في كل الاتجاهات، وأعمدة متسخة تشكل ركائز لتلك الخيام.

يملأ المكان دخان أسود ممزوج بغبار ناتج عن خطوات أقدام المتجولين في السوق.

من بعيد، يتراءى لك وكأنه دخان نيران مشتعلة تطلق عنانها نحو السماء لتلامس القبة الزرقاء، لا شيء سوى أنها  "رَحْبَةُ الكَفَايَتِيَّةِ".

عند المدخل، يستقبلك ما يُسمون "بِالْحَيَّاحَةِ"، الذين نصّبوا "القَيَّاطِينِ"  في ساعات مبكرة قبل أذان الفجر.

تجدهم يمدون أيديهم الملطخة بقطرات الشحمة الدائبة إليك ويتخاطفونك في ما بينهم، غير مبالين تسمع عبارة "وغير دخل دُوقٌ ومتخلصش" .

 ويُعد هذا أول عروض الإغراء التي يقدموها، ثم، يأتي العرض الآخر:  "الخبز فَابُورُ على حسابي، خلص غير الكفة والشواية وأتاي" .

في الوقت نفسه، يعد كل واحد منهم بعروضه الخاصة، حسب ما يُقدمه نادل الخيمة الذي يرتدي ثيابًا سوداء محمومة مطلية بالشحمة والدخان، يحمل في يده "مِيدُونَةٌ" يهش بها بين الفينة والاخرى على الجمر أمامه، بينما أنت تتلوى بين "القَيَّاطِينِ" والأوتاد في حذر شديد، متجنبًا أن تنطبق عليك الأغنية الشعبية "مشيت نتسارى في القَيَّاطِينِ ساعة عكلني وتد".

المهم هو أنك في الأخير، تجد نفسك ضحية بطنك من شدة العياء "والتَّحْوِيحِيطِ"، عقلك "كِيلْتَفَ" من كثرة العروض المتتالية، وأنت تحتار فيما تقدمه وما تأخره، وأكثر العروض سخاءً كان عندما يسلمك الجزار سكينه الكبير "سَاطُورٌ" ويقول لك:  "هاك قطع بيدك منين بغيتي" ، تحس بالأمان وأنك تقرر بنفسك وحسب ما تشتهي.

لكن عملية طحن الكفتة يتكفل بها العاملون معه، وهم ذوو بنية جسمانية قوية، يجلس العاملان العملاقان متقابلين على حصيرة منسوجة من السمار، تفصل بينهما قطعة خشب دائرية كبيرة تسمى "قُرْطَةٌ"، هذه القطعة الخشبية، التي تكون عالية في البداية، تبدأ في الانحدار شيئًا فشيئًا. وفي نهاية السنة، تجد أنها تسللت إلى بطوننا شيئا فشيئا وقد أكلنا نصفها مشويًا دون أن نشعر.

العاملان، كل واحد منهما يحمل في يده آلة دق كبيرة تسمى " مِقْدَةٌ "، ويبدآن في ضرب اللحم بقوة فوق " قُرْطَةٍ " لأجل فرمه، مما ينتج عنه طحن اللحم وتحويله إلى كفتة، مع إيقاعات موسيقية رائعة تطرب لها الأذان على نغمة "الْهَيْتِ" الغرباوي الجميل.

 العرق يتصبب من العاملين، وهما يواصلان ضرب قطع اللحم دون توقف "طَاحَتْ دَبَّانَةٌ دازت مَشِي مَشْكِلٌ"،  وتستمر العملية، "طَاحَ لْعَرَقِ" مَشِي مَشْكِلٌ"، كل شيء يختلط مع الكفتة، وأحيانًا بعض الأمور الأخرى منها أن العامل يتوقع أن "يمَسَحَ نِيفُو وأكمل العمل دون غسل هَانِيَةٌ" .

 وحتى "قَطَّعْتُ البَصَلَ وأَعْرَاشَ القَزْبَرِ " بعض الأحيان بدون غسيل ليس لديهم وقت أو الماء قليل في " البوطة" .

ورغم كل هذا، كانت الكفتة "بَنِينَةٌ"، لماذا؟.

أنتم تعلمون، أنا لا أعلم...

وفي حال لم يعجبك مذاق "الكفتة بالذبان والعرق والبصلة وأعراش القزبر والقرطة"، يمكنك أن تحتج على الجزار الماكر.

فيرد عليك بذكاء: أنت لم تسَمِعْ كلامي "قلت ليك خود الكتف وانت مشيتي للفخذ" .

 وفي الأسبوع التالي، تأتي لتقطع من الكتف بناءً على نصيحة الأسبوع الفائت، لكن المذاق نفسه لم يتغير وقد لا يتغير.

وفي المرة التالية، يمسحها فيك مرة أخرى ويقول لك:  "لا غير نسيتي قلت ليك للفخذ ونتا مشيتي للكتف " . 

هكذا مضت أيامنا الجميلة بين الفخذ والكتف، إلى أن جاءت الآلة الكهربائية سريعة الطحن.

أي المذاقين ألذ بالنسبة لكم؟ .

 

لا توجد تعليقات:

للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.

أضف تعليقك