أنتلجنسيا المغرب:فهـــد الباهـــي/م.إيطاليا
كان للأجواء الاحتفالية بعيد الأضحى طابع خاص، حيث تمتد الاحتفالات عدة أيام قبل العيد.
الرجل، كل يوم، يخرج ساطوره الهندي الصنع من "الربيعة" الخشبية، ويقوم بسنّه جيدًا ثم يعيده إلى نفس "الربيعة" بعدما يمسحها بخرقة نظيفة.
أكثر من عشرين يومًا وهو على هذا الحال "تقول يذبح فيل" إلى أن يأتي يوم العيد.
ليلة الحناء، أي ليلة قبل العيد، يذهب الناس للحمام، حيث ذكريات الحمام مع "شد النوبة على السطل" تعدّ قصة وحدها، بعضهم لم يستحم منذ شهر أو أكثر، و"التقاتيل في الحمام" لا تنتهي القصة هنا، بل عند المساء، تجتمع الفتيات العذراوات بنات الجيران في أحد المنازل، أغلبها كانت من القصدير والطين والاعمدة وقشاش الارض قصب وبلاستيك.
يخلطن الحناء في صحن قصديري كبير مصبوغ بالأبيض، أزرق الجوانب.
وتبدأ عملية النقش باستخدام عود ممقر "خبشة الدجاجة – منقار الفروج – ودنين الكلب – رجل العتوكة – كريصة – دوارات – وريدة"، وأشكال هندسية من وحي الخيال أخرى للحناء.
تشتعل المجامر من أجل تجفيف الحناء سريعًا في الأيادي والأرجل، فالوقت ضيق والأخريات ينتظرن دورهن، الأمهات مشغولات يتبادلن أطراف الحديث ويفكرن في كيفية تلحيم العذراوات بالشباب العازبين: "شوفي بنت يطو نعطيوها لحموا ولد الصالحة..."، دون أن يستشار أي أحد من المعنيين "الزواج بالنية والحرث بالنية والخير فايض".
وأيديهُن مشغولة بالعجينة المرقدة بالزيوت والسمن البلدي لصناعة شطائر "الرغايف والرزيزة" وحلويات أغلبها سكر وطحين، مثل "غريبة، الفقاص..."، تعدّها الأمهات للإفطار صباح يوم العيد.
وفي هذا اليوم تحديدًا، كانت الأمهات في صراع مع الأطفال تسمع "حط الحرامي من فعلك خليها غتبرد" يهرب الطفل ولا يتنازل عن كعكته الطازجة "حامية تقول من ولاد بويا رحال" .
في الجوار، كان الجيران يتجسسون على بعضهم البعض، مستمعين إلى أصوات الخرفان والنعجات، حيث كان الصوت يحدد نسبيًا حجم الأضحية وثمنها.
صباح العيد، يستيقظ الآباء والأمهات لأداء صلاة الفجر، بعد أن كانت الأمهات قد نمن قليلاً أو استفدن من فترة راحة قصيرة من تعب العجين، تتسلل خيوط الشمس عبر شق النوافذ والأبواب، ويبدأ الجميع في التناغز: "نوض نوض راه العيد جا" ...
يخرج الناس ليصافحوا بعضهم البعض، ويتصالح المتخاصمون، وتُفتح أبواب المنازل، وتسمع "مرحبة مرحبة"، بينما يلعب الصغار.
نذهب للترحم على موتانا وسابقينا إلى دار البقاء، الرجال يحملون سواطيرهم ويتوجهون إلى المصلى لأداء صلاة العيد، وأغلبهم يحمل سكينًا كبيرًا (ساطور)، في مشهد يزرع الخوف والهلع في النفوس، ولكن فرحة العيد، التي تغمر قلوبنا منذ الصباح، تزيل كل شيء.
بين الجيران، تبدأ الأسئلة بأصوات وصحييات من بعيد: "وووااااا فاطنة، واش الملك ذبح ولا مزال؟".
لأن فاطنة كانت الوحيدة التي تمتلك جهاز مدياع تركه لها الاستعماريون الذين كانت تعمل في منزلهم، وبعده بدأ التلفاز " الباتري" يتطاول على بيوتنا ، وعندما يأتي الخبر، الجميع ينتظر "مونطاج" الإذاعة ليشاهدوا البث أسود أبيض بأم أعينهم الملك يذبح خروف العيد، حتى .
في وقت لاحق، علمنا أن نفس شريط البث كان يُعاد كل سنة، إلى أن جاء زمن "الديجيطال والبرابول"، أما الإنترنت، فعلينا الصمت، وأصبح البث مباشرًا.
اليوم أصبح بعض الناس يذبحون أضحيتهم دون أداء صلاة عيد الأضحى، وآخرون يعتمدون على مهارات الجزار، وآخرون يذبحون في الساعة السابعة صباحًا، بينما آخرون يقاطعون ذلك تضامنًا مع فقراء لا يجدون ثمن خروف العيد لإدخال الفرحة إلى قلوب أطفالهم.
ويبقى عيد الأضحى في الذاكرة، حيث كان يحمل معه طعم خاص من الحلاوة رغم كل التحديات.
عيد الأضحى كان يمثل "الفرحة الكبيرة" رغم كل التحديات، العيد كان فرصة للتجمع، للمرح، وللتضامن بين الناس، وكانت العائلات تتعاون في تحضير الأطعمة والحناء، وكل واحد كان عنده دور في الاحتفال.
مع مرور
الزمن، تغيّرت طريقة الاحتفال، ولكن "العيد يبقى عيد" سواء كانت القنوات
التلفزيونية بالأبيض والأسود أو حتى البث المباشر عبر الإنترنت، "الفرحة
مشتركة" في كل الأحوال، والعيد يبقى فرصة للمصالحة بين المتخاصمين وتوطيد
الروابط الاجتماعية .
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك