أنتلجنسيا المغرب: فهد الباهي/م.إيطاليا
كان يا ما كان، في سالف الأزمان، سنين
"الخير والبساطة"، حين لم يكن في الأسواق آلاف أنواع
"الشامبو" والمستحضرات المغرية، ولم تكن التلفزيونات تُغرقنا بالإعلانات
التي تعد بشعر ناعم، طويل، وقوي مثل أبطال المسلسلات التركية.
في ذلك الزمن، لم تكن الأمهات تعرفن
شيئًا عن "الكيراتين" أو "البوتوكس" للوجه والشعر والأرداف،
بل كان هناك سر بسيط وطبيعي يجعل الشعر لامعًا وصحيًا بلا تساقط: "الغاسول،
الحناء، القرنفل، وزيت الزيتون...".
في تلك الأيام، كانت الجدات يغسلن
شعرهن وشعر بناتهن بمواد طبيعية، فلا سلفات، ولا "سيليكون"، ولا رغوة
زائدة عن الحاجة، كان الشعر يمتد طويلاً، يلامس الأكتاف والخصر وأحيانًا الظهر،
وكان السُّوَالِفْ حضورها بقوة، بقوة ولمعان طبيعيين.
لم تكن هناك صبغات تقصف الأطراف، ولا
أدوات حرارية تحرقه، فقط مشط خشبي وبعده بلاستيكي يسمى "مشطة القرن"،
وكانت عدة ضفائر تمنح الشعر جمالًا وترتيبًا وأناقة.
أما اليوم، فالأرفف تعج بمئات
العلامات التجارية، كل واحدة منها تتحدث عن "الترطيب العميق"
و"الحماية من التساقط"، لكن رغم ذلك، الشعر بات أضعف، وأكثر تقصفًا،
والصلع أصبح ظاهرة حتى عند الشباب.
تغير الزمن، وأصبحنا نغرق في عالم
المستحضرات الكيميائية التي لا نعرف حتى أسماء مكوناتها، لكننا نصدق الدعايات،
ونشتري دون تردد.
كان الشعر طويلًا وناعمًا، رَاهْ حتى
القمل عَنْدُو نصيب ودخل، نعم، في تلك السنين، كان الشعر الطويل والجيد يعني أيضًا
انتشار القمل، والظاهرة لا تعني العنف أو شيئًا كان رغم الغسل، حيث كانت الأمهات
يخضن حربًا ضروسًا ضد هذه الحشرات الصغيرة التي تعشق الاختباء بين الخصلات
الكثيفة، نْهَارْ المْشِيطْ عَذَابْ البْنَاتْ مِنْ قْبَلْ الأُمَّهَاتْ.
كان المشط الخشبي أو البلاستيكي، ما
يعرف بمشط "القرن"، أداة التعذيب اليومية للفتيات، وبمجرد تمريره على
الشعر، كانت تتساقط أعداد مهولة من القمل السمين، ربما 200 إلى 400 غرام في الجرّة
الواحدة، كن يبكين من الألم، لكن الأمهات يواصلن المهمة بكل جدية وبدون تساهل مع
القمل.
أما اليوم، فالقمل لم يختفِ، لكنه
أصبح مُودْرْنْ، يقاوم المبيدات والصبغات، ويتجول في المدارس بين رؤوس الأطفال،
وكأنه يرفض مغادرة التاريخ.
الفرق أن الفتيات لم يعدن يملكن ذلك
الشعر الطويل المميز، إذ أصبح تقصفه يتطلب قصه باستمرار، وصبغه لإخفاء التلف وموضة
تغيير الألوان، طُولُورِي، والنتيجة أن لِّي كَانَتْ الصحة، كما تقول جداتنا، ضاعت
في زحمة المواد الكيماوية.
في الماضي، كانت الضفائر الطويلة
رمزًا للجمال، وكانت النساء يفتخرن بشعرهن دون الحاجة إلى وصلات أو باروكات، مَا
كَايْنْ غِيرْ السُّوَالِفْ، شعر طويل مَاشِي بالصباغة، لكن بالتغذية الطبيعية،
كانت الأمهات يرددن هذا الكلام بحكمة.
اليوم، النساء تبحثن عن الجمال في
العلب البلاستيكية، وفي الصالونات التي تقدم وعودًا زائفة، لكن في النهاية، يظل
الشعر مجرد ضحية أخرى لعصر السرعة والاستهلاك.
اليوم، إحدى الجدات وهي تراقب حفيدتها
الصغيرة تحمل زجاجة شَامْبُو كتب عليها "يحتوي على زيت الأرغان"،
تسألها: "بكم اشتريتها يا ابنتي؟"، تجيب الحفيدة: "1500
درهم"، الجدة تعلم أن الزيت الحقيقي لم يلامس هذا المنتج أبدًا، تضحك وتقول: "ثْلَاثِينْ أَلْفْ رْيَالْ هِيَّ لِّي
لْقَاوْ عَنْدَكْ الهْبِيلَة! أَنَا كُولِي تْجُوَّجْتْ بْسِتَّةْ آلَافْ رْيَالْ"، وتضحك من تغيير
الزمان والعصر.
قد نكون تقدمنا في التكنولوجيا، وأصبح
لدينا حلول لكل شيء، لكن بعض الأشياء لا تعوضها الكيمياء. شعر الجدات كان عنوان
الصحة والجمال، لأنه كان يتغذى من الطبيعة، وليس من قوارير بلاستيكية تحمل وعودًا
زائفة.
ربما حان الوقت لنعود إلى البساطة،
إلى "الحناء، إلى الغاسول..."، وإلى العناية التي لا تعتمد على المواد
المصنعة، بل على ما وهبته لنا الأرض.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك