من قاع الخابية : "الجْرَانَةَ مُعَلَّقَةً فِي جْرَةِ وْلَادْ الحْرَامْ" .

من قاع الخابية : "الجْرَانَةَ مُعَلَّقَةً فِي جْرَةِ وْلَادْ الحْرَامْ" .
قصة قصيرة / الأربعاء 26 مارس 2025 - 22:00 / لا توجد تعليقات:

أنتلجنسيا المغرب: فهد الباهي/م.إيطاليا

لا بأس أن نحرك عقولنا الموضوعة في جماجمنا الصلبة قليلاً ونأخذ العبرة من الحكايات الشعبية التي سمعناها عن جداتنا وأمهاتنا ونحن صغارًا، أو من الحكواتيين في الحَلْقَةِ بالأسواق وساحات الفرجة الشعبية.

والتي غالبًا ما كانت قصصًا وحكايات تحمل في طياتها معاني ومفاهيم كبيرة وعميقة، وربما قصصًا خرافية وأساطير كانت بدلالات تترجم الواقع الذي نعيشه اليوم، أو قد نعيشه في المستقبل، أو سيعيشه جيل قادم غيرنا.

للفأر، أو الجِرْد، قصة مع الضفدعة التي تسمى بالدارجة "الجْرَانَةُ"، تقول القصة إن الفأر ذات يوم تقدم لخطبة "الجْرَانَةِ" لتكون له زوجة، وقف الفأر بباب بيت "الجْرَانَةِ" وطرق الباب، سمعته، فتحت "الجْرَانَةُ" الباب بحذر، فإذا بالفأر يقف هناك يحمل " جُوجْ قْوَالِبْ سُكَّرْ جُوجْ قْرَاعِي زِيتْ " في يده، عيناه الصغيرتان تتلألآن بمكر ظاهر.

نطق الفأر: جئتك خاطبًا "لَالَّةَ الجْرَانَةُ" .

قالت "الجْرَانَةُ" مترددة: تفضل بالدخول ونتحدث في الداخل.

دخل الفأر بيتها وجلس على الأريكة الصغيرة، كانت عيناه تجولان في المكان وكأنه يبحث عن شيء ما، ثم قال دون مقدمات: جئتك خاطبًا وأريدك زوجة، ما رأيك؟

احمرّ وجه "الجْرَانَةِ" من الخجل، اهتزت ضاحكة من مكانها، لكنها لم تستطع إخفاء دهشتها، طلبت منه تأكيد طلبه مرة أخرى على مسامعها لأنها لم تصدق ما قاله الفأر، وأكد الفأر أنه يريد "الجْرَانَةَ" زوجة له، لكنها سرعان ما انتفضت ورفضت بشدة.

قالت "الجْرَانَةُ" للفأر: "أنا ذات جسم ضخم وحركتي ومشيتي ثقيلة "عَلَى قَدِّي"، فلا أستطيع أن أتخذك زوجًا لي وأنت سريع الحركة، لا تتوقف ولا ترسو في مكان واحد، الكل يبحث عنك ليقتلك "دَايِرْ العَيْبْ بْزَّافْ أُوْلِيدِي الفَارْ"، ومعرّض لشتى المخاطر، والكمائن تُنصب لك يوميًا بسبب جرائمك، لهذا لا أقبل".

لكن الفأر لم يكن ليسمح للفرصة أن تفلت من يديه بسهولة، فقال محاولًا إقناعها: أعدك أني سوف أتوب عن التخريب...، لن أبرح مكاني أو أفارق البيت، وسأظل بجانبك معظم الوقت، فما ردك؟

قالت "الجْرَانَةُ" للفأر: كيف يكون هذا؟

قال الفأر وهو يبتسم بمكر: سوف أربط ساقي وساقك بخيط واحد لتضمني أني لن أفارقك وسأظل بجانبك.

وأخيرًا، تمكن الفأر من إقناع "الجْرَانَةِ" بالزواج، فقبلت به زوجًا لها، وبعد اكتمال زواجهما وربط ساقها بساقه، جلس كل شهر العسل جنب "الجْرَانَةِ" لا يخرج ولا يبرح البيت أبدًا.

لكن بعد انقضاء شهر العسل، لم يستطع الفأر التحمل، كان جسده يرتجف من الملل، عيناه تائهتان تبحثان عن مخرج، لم يستطع الجلوس في مكان واحد جنب "الجْرَانَةِ"، ظل يترنح ويبحث عن العلل والأسباب وساقهما مربوطتان معًا، فقال لها بصوت متحشرج: "رَانِي قَنْطْتْ، نْطُلْ غِيرْ مِنْ البَابْ"، رمقته "الجْرَانَةُ" بنظرة حادة لكنها أشفقت عليه ووافقت، طَلَّ من الباب وعاد، كان صدره يرتفع وينخفض كمن خرج من حبس ضيق.

لكن الفأر لم يهدأ، عاد بعد لحظات يترجاها: "سْمَحِي لِي نْسَرَّحْ رِجْلِي غِيرْ قْدَّامْ البَابْ"، نظرت إليه بتوجس، لكنها وافقت بشرط أن يبقى الخيط مربوطًا.

أخذ الفأر يتجرأ أكثر، يدخل ويخرج، في المرة الأولى بحذر، ثم الثانية بثقة أكبر، أما في المرة الثالثة، فكان الصقر في الفضاء يحلق، عيناه الثاقبتان ترصدان الأرض بحثًا عن فريسة، رمق الفأر بعينيه وهو يدخل ويخرج من باب مسكن زوجته "الجْرَانَةِ"، فابتسم في سره، ثم انقضّ عليه بسرعة البرق، كان كل شيء في لحظة، رياح قوية هبت، جناحان ضخمان سدّا ضوء الشمس، وصرخة قصيرة قطعت سكون المكان، حمل الصقر "الفأر" بين مخلبيه وطار به عاليًا، صرخ الفأر مذعورًا، حاول الإفلات، لكن رجله كانت مربوطة بـ"الجْرَانَةِ"، فشدها معه بقوة، المسكينة لم تستطع المقاومة، وجدت نفسها فجأة ترتفع عن الأرض، تتخبط في الهواء، تصرخ وتحاول الإفلات لكن بلا جدوى.

وفي السماء، كان لقلق يحلق مع أبنائه، شاهد المنظر المريع، فالتفت إلى صغاره وقال لهم وهو يهز رأسه بأسى:  "شُوفُو الجْرَانَةَ مُعَلَّقَةً فِي جْرَةِ وْلَادْ الحْرَامْ" .

حينما نعقد آمالنا على الآخرين، نضع أنفسنا في موقف ضعف قد لا نحمد عقباه، الاعتماد المفرط على الغير يجعل مصيرنا مرهونًا بقراراتهم، وقد لا تكون دائمًا في صالحنا.

أحيانًا، ندخل في أمور لسنا بحاجة إليها، فقط لأننا نخشى اتخاذ قرارات فردية، لكن القرارات المشتركة ليست دائمًا الحل الأمثل، فقد تؤدي إلى نتائج غير متوقعة وربما كارثية.

 التفكير المستقل يمنحنا حرية التصرف وتحمل المسؤولية عن خياراتنا، لذا، علينا أن نوازن بين العمل الجماعي والاستقلالية في اتخاذ القرارات المصيرية .

 

 

لا توجد تعليقات:

للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.

أضف تعليقك