أنتلجنسيا المغرب: فهد الباهي/إيطاليا
طبيعة الحياة تتسم بالتناقض بين القديم والجديد، والتوازن الذي يخلقه القدر بين الليل والنهار، بين الشمش والقمر، بين الخير والشر، وبين النجاح والسقوط.
هذا التناقض يعكس التغيرات المستمرة في حياة الإنسان، حيث تظل العقول محملة بذكريات تبقى راسخة إلى الأبد، ترافقنا حتى آخر لحظاتنا. في الحقول، كانت الزهور الملونة تزين الأرض، ورود حمراء وصفراء وخضراء، إلى جانب أزهار، تلك التي كانت تضيء وجه الفتيات وتزين ضحكتهن.
كانت أجواء
من الفرح تعمّ المكان، ولا سيما في قلوب الشابات اللواتي كن يجدن في تلك الأزهار
سعادة عميقة.
في هذا العالم، كان التلاميذ يعيشون
في منافسة مستمرة، وكانت وسائل الإلهاء شبه معدومة. لم تكن الهواتف الذكية أو
الإنترنت جزءاً من حياتهم، بل كانت الكتب والمذكرات هي وسيلتهم الوحيدة للمذاكرة.
كان التلاميذ يحفظون الدروس عن ظهر قلب، وكانت
المنافسة حامية، حيث يُطرح في الأقسام مواضيع يتم مناقشتها بعمق وحرفية عالية، دون
الحاجة إلى تقنيات حديثة.
كانوا
يعملون على بحوثهم بكل عزيمة وإصرار، بعيداً عن النسخ واللصق من الإنترنت، بل
اعتمدوا على جهودهم الشخصية، وكانت المنافسة بينهم تعتمد على قدرتهم على الفهم
والاستيعاب.
لكن مع اقتراب موعد الامتحانات، كان
التوتر يزداد، لأن هذه اللحظة كانت تمثل التحدي الأكبر. كان التلميذ الذي يحصل على
معدل "9.99" لا يضمن النجاح حيث مجبر على الحصول على معدل
"10.00" كاملة غير منقوصة، بينما اليوم، أصبح من الممكن أن ينجح من حصل
على "3.05" في التعليم الابتدائي.
بعد الانتهاء من الامتحانات، كان
التلاميذ يعودون إلى القرى، وأهل المدينة يقضون العطلة عند أقاربهم في البادية
أيضا، حيث كانوا ينتظرون النتيجة بشغف. كانت الورود الصفراء هي رمز الأمل بالنسبة
لهم، يقطفونها من الحدائق والمزارع، وتصبح الوردة بالنسبة لهم "العرافة"
التي تحدد مصيرهم. كانوا يمزقون أوراق الوردة واحدة تلو الأخرى، وتردد ألسنتهم
كلمات "سَاقِط، نَاجِح، سَاقِط، نَاجِح" حتى تصل الورقة الأخيرة التي
تقرر النتيجة.
وكانت "وردة حلالة" هي
العرافة التي يتجمع حولها العشاق والمحبون، على ضفاف الأنهار أو في ساحات المدرسة،
لتخبرهم بمستقبلهم العاطفي. كانت الوردة تمنحهم الأمل والطمأنينة، وتثير فيهم
مشاعر الحب والانتظار، كانت تجلب الفرح للقلب وتخفف من شدة الانتظار،
"كَيْغِيبْنِي، مَا كِيغِينِيش" كانت الكلمات التي تتردد بين فتيات
القرى والمدن، في انتظار أن تخبرهم الورقة الأخيرة بمستقبلهم مع من يحبون.
كانت وسائل الترفيه في تلك الفترة قليلة جداً، لم يكن هناك تلفاز ولا هواتف ذكية، ولا تقنيات حديثة مثل "فيسبوك الواتساب أو السكايب تيك توك"، كان الذكاء والتفكير الجاد هما ما يميز الناس، وكانت الحياة تعتمد على التفاعل الواقعي، بعيداً عن العوالم الافتراضية.
لكن مع مرور الزمن، تغيرت الأمور بشكل جذري.
اليوم،
أصبح الجاهل يحمل جهازاً أذكى منه، وصار العالم يفرض نفسه عبر شاشات الهواتف
الذكية والإنترنت، وقد أصبح كل شيء متاحاً بسهولة عبر الأجهزة، بينما كان في
الماضي لا يستطيع الإنسان الحصول على المعلومات بسهولة، كان فقط
"المنجد".
التطور التكنولوجي أتى مع إيجابياته
وسلبياته، وغيّر طريقة تفكير الناس وطريقة تعاملهم مع الحياة.
لكن مع هذا التغيير، ظل شيء واحد ثابتاً: التنافس.
ففي الماضي، كانت المنافسة تتم داخل الفصل الدراسي، واليوم، تتم في الفضاء الرقمي. لا فرق بين الماضي والحاضر إلا في الوسائل والطرق، ولكن الدافع وراءها يبقى نفسه، وهو البحث عن النجاح والتفوق.
نحن اليوم
في زمن مليء بالفرص والخيارات التي لم تكن متاحة من قبل، ولكن يبقى السؤال: هل
تغيرت فعلاً قيمنا وأفكارنا مع هذا التقدم التكنولوجي، أم أننا فقط غيرنا الطريقة
التي نتعامل بها مع الحياة؟ .
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك