أنتلجنسيا المغرب: فهد الباهي/إيطاليا
كان بَحْلَاسْ رجلًا
لا يرى في الدنيا إلا المال، يتقرب من الأغنياء وأصحاب السلطة، يتملق لهم ويمدحهم
بلا قيد ولا شرط، ولو كان ذلك على حساب أقرب الناس إليه، لم يكن له مبدأ سوى
مصلحته، ولا صديق إلا من يدفع أكثر.
في
المقابل، كان القِيَاسْ رجلاً حكيمًا، يمشي الهوينى، يزن الأمور بعقله
قبل لسانه، ويساعد الفقراء والمحتاجين دون أن ينتظر جزاءً أو شكورًا.
كان بَحْلَاسْ مثل الزَّرْوَاطَةْ في
يد السلطة، يتجسس على أصدقائه ويبلغ عنهم، يوقع بينهم وبين رجال
الدولة، بْرَكَّاكْ يلبس ثوب الناصح المخلص، بينما قلبه مملوء بالخداع،
أما القِيَاسْ، فكان يقول دائمًا: "اللِّي
يْبِيعْ صَاحْبُو، رَبِّي يْفْضَحُو"، لم يكن يطمح للمال
الحرام، ولم يسعَ لنيل رضا أحد مهما كان، عفيف النفس.
في أحد
الأيام، كان بَحْلَاسْ في جلسة سرية مع بعض رجالات السلطة، ينقل لهم
أخبار أصدقائه، يكذب ويفتري و ينسج القصص كما يشاء، فيظن نفسه في مأمن، لكن الأيام
لا تدوم على حال، القِيَاسْ، الذي لطالما نصحه بالابتعاد عن هذه الألاعيب،
اكتفى بالقول: "الدُّنْيَا دْوَّارْ، وَاللِّي حَرَثْ الشَّوْكْ يْطِيحْ فِيهْ".
مرت
الأيام، واشتد الغضب بين الناس، خرج المحتجون يطالبون بحقوقهم،
وكان القِيَاسْ بينهم، يسعى لحماية الضعفاء ويهتف ضد الظلم،
أما بَحْلَاسْ فكان يقف في الظل يوشوش في آذان المسؤولين كعادته، ويكتب
التقارير المليئة بالمغالطات ويحرض، هذا مرضه، متوهمًا أن مكانته أصبحت راسخة.
لكن
الزمن لا يرحم، فقد دار عليه رجال السلطة الذين كان يخدمهم فهم يعلمون الصحيح
والغلط، لأنهم سبق وجندوا آخرين غيره: ودائما يقولون له لا نتق في أحد غيرك وهي
العبارة التي يقولونها للجميع، انقلبوا عليه كما ينقلب الشتاء على الصيف، واتهموه
بالخيانة والتزوير، وأصبح من كان بالأمس عينًا لهم، مطلوبًا للتحقيق.
لم يجد
من يدافع عنه، فالكل كان يعرف أنه "خَدَّامْ المُخْزَنْ تَايَكْلُو المُخْزَنْ".
حين
اقتيد إلى السجن، تذكر كلام صديقه المحايد: القِيَاسْ: "حَفَرْ
وَحَفَرْ بِالقِيَاسْ مَتْعَرَّفْهَا لِيكْ وَلَا لِلنَّاسْ"، أدرك متأخرًا أن من يبيع أصدقاءه لن يجد يوم سقوطه من يمسك بيده،
جلس في زنزانته، يحسب الأيام، لكنه نسي أن الزمن لا يعود إلى الوراء.
أما القِيَاسْ،
فقد بقي كما هو، رجل المبادئ، لم يغيره الزمن، ولا أغرته المناصب، كان يردد دائمًا: "العَقْلْ زِينْ، وَالنِّيَّةْ كَنْزْ، وَاللِّي خْسَرْهُمْ يْطِيحْ
فِي الخْنَزْ"، استمر في مساعدة المحتاجين، وظل محبوبًا
بين الناس، بينما طويت صفحة بَحْلَاسْ، الذي انتهى في ظلمات السجن، دون أن
يجد من يبكي عليه أو حتى يزوره أو يتذكره.
هكذا
كانت نهاية بحلاس، درسًا لكل من يظن أن المال والسلطة يدومان، ولكل من يعتقد أن
الخيانة طريق للنجاح، فقد كان القِيَاسْ على حق عندما قال "المُخْزَنْ
مَا كَيْتْصْحْبْشْ " .
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك