أنتلجنسيا المغرب: فهد الباهي/إيطالي
في خضم الصراع الأزلي بين الرجل
والمرأة، يتبادل الطرفان دائمًا الاتهامات بالظلم، فالرجل يردد أن المرأة كائن
ماكر يقوده الشيطان ولا يعترف بالجميل، رغم أنه في الآن نفسه يقول إن المرأة أمه
وأخته وزوجته وابنته ولا يستطيع إنكار ذلك، بينما تؤكد المرأة أيضًا أن الرجل ظالم
"عينه خضراء – غدار" رغم أنها لا تنكر أن ابنها فلذة كبدها رجل، وأن
أباها وأخاها وعمها من الرجال، طبيعة محيرة واتهامات متبادلة إلى أن يرث الله
الأرض وما عليها.
ومع ذلك، في لحظات الغضب المشحونة
والنزاع الأسري، وهذا أمر طبيعي في كل أسرة، ينقاد الطرفان لنصائح النفس الأمارة
بالسوء، كل يحارب بما استطاع، وما إن يهدأ الخلاف وتصفو القلوب حتى يُلقى اللوم
على الشيطان الذي لا يُرى بالعين المجردة، اعتمادًا على النصوص القرآنية والأحاديث
النبوية.
في قرية هادئة، عاش رجل يدعى
"المِسْرَفِقُ" مع زوجته المدعوة "فُرْصَةٌ" حياة ملؤها الحب
والتفاهم، كانت "فُرْصَةٌ" شابة جميلة، متدينة، خجولة، تعتني بنفسها
وزوجها ومنزلها والحيوانات التي في بيتهم، وتتجنب النميمة والاختلاط بنساء القرية
"دَاخِلُ سُوقِ رَأْسِهَا" .
أما "المِسْرَفِقُ"، فكان
فلاحًا نشيطًا، يقضي يومه في الحقول، وحين تحضر له زوجته الغداء كل يوم، يهديها
باقة زهور "بَلْعَانٌ – الدَّفْلَةُ – العَسَلُوجُ" أو شيئًا صنعه بيديه
من قش الحقول وخشاش جنبات الوادي.
استمرت حياتهما بهذه السكينة والسعادة
والحب لسنوات، يعينان بعضهما على نوائب الزمان، متحدين ومتعاونين في الحصاد والدراس
بالبهائم، ويتقاسمان الحليب والعسل وزيت الزيتون والقمح وكل ما تنتجه الأرض من
فائض مع الأهل والجيران.
لكن العيون الكارهة الحاقدة لم تغفل
عن سعادتهما، فتآمرت عليهما ليلاً نسوة القرية.
قادت امرأة تدعى
"الفِتْنَةُ" وجارتها "الحَاقِدَةُ" مؤامرة لإفساد حياتهما،
فأوهمت "الفِتْنَةُ" الزوجة "فُرْصَةٌ" أن زوجها
"المِسْرَفِقُ" يخونها مع "الحَاقِدَةُ"، فدفعتها الغيرة
لتصديق كلامها. ونصحتها "الفِتْنَةُ" بأن تزور مشعوذًا لجعل زوجها
مطيعًا بين يديها "يَدُورُ بِحَالِ الخَاتِمِ" في إصبعها.
حصلت
"فُرْصَةٌ" على موافقة من أمها التي لم تنهاها عن هذا الفعل الخبيث، بل
شجعتها، وذهبت "فُرْصَةٌ" إلى مشعوذ ساحر، فأعطاها وصفة مسمومة حتى
تتمكن من التأثير على زوجها وجعله إنسانًا طيعًا لا يرى سواها، حسب نصيحة جارتها
"الفِتْنَةُ" .
بدأت تضع الأعشاب
المسمومة التي أعطاها المشعوذ في طعام زوجها كل يوم، تلحق به إلى الحقل وتعطيه
الطعام، ولم تعد تشاركه الطعام بحجة أنها مريضة ولا تستطيع، بل كانت تختلق الأعذار
في كل مرة حتى لا تشاركه الطعام المسموم.
وحاولت
"فُرْصَةٌ" التأكد من جودة منتوج المشعوذ وفعاليته على زوجها، فأعدت
طنجرة حساء، وأخذت ملعقة ووضعت فيها "جَغْمَةٌ" من الحساء وأعطتها
لزوجها "المِسْرَفِقُ" ليأخذها إلى أمها كي تتذوق مقدار الملح في الحساء.
وبدون تفكير أو وعي، أخذ
"المِسْرَفِقُ" الملعقة وقطع مسافة طويلة جدًا حتى أوصلها لحماته، وقال
لها أن تتذوق مقدار الملح هل هو جيد، حسب ما طلبت منه زوجته.
فعلت العجوز أم
"فُرْصَةٌ" ذلك وهي تعلم ما في قرارة نفس إبنتها، ثم قالت له: "عد
إلى ابنتي فُرْصَةٌ وقل لها: " بَارَكْ عَلَيْهِ
لَا زِدْتِ غَادِي تَخْسَرِيهِ " .
إنه مكر النساء..! .
قطع مسافة طويلة ليأتي بالخبر اليقين
عن مفعول وصفة المشعوذ المسمومة وجدواها على نفسه دون أن يعلم أنه هو المقصود،
"مَشَاءَ فِيهَا حَبِيبِي" .
ومع مرور الوقت، تدهورت صحة الزوج
"المِسْرَفِقُ"، ولم يعد قادرًا على العمل في الحقول، فترك كل شيء عرضة
للنهب والسرقة، حتى فقد صحته وعقله شيئًا فشيئًا، وعاد أشبه بالمجنون يتجول في
طرقات القرية.
صار الزوج المسكين مثار سخرية الجميع
في القرية، حتى من صديقات زوجته اللواتي أوقعنها في الفخ، "الفِتْنَةُ"
و"الحَاقِدَةُ" أصبحن يسخرن منها كل يوم ويعايرنها كلما مرت: "ها
هي مراة الأحمق..."، ثم يقهقهن بأصوات تفوح منها رائحة الحقد والتشفي.
لم تدرك "فُرْصَةٌ" خطأها
إلا بعد فوات الأوان، حاولت علاجه، لكن المرض تمكن من زوجها
"المِسْرَفِقُ" حتى مات.
فانهار عالمها تمامًا، وضاعت حياتها
بين الحيرة والندم الذي لم يعد ينفع، وبعد أن كانت زوجة سعيدة في بيت عامر، وجدت
نفسها ضائعة، تجوب المراقص والحانات تعرض لحمها وتطلب الصدقات، وتعيش مذلولة بلا
كرامة، لتدفع ثمن حماقتها مدى الحياة.
العبرة من هذه القصة تكمن في أهمية
توخي الحذر من الغيرة والتأثر بكلام الآخرين، خصوصًا عندما يأتي من أشخاص لا
يحملون نوايا صافية، "فُرْصَةٌ" التي تأثرت بكلام
"الفِتْنَةُ" و"الحاقدة"، جعلت عواطفها تتغلب على عقلها، مما
قادها إلى اتخاذ قرار خاطئ أثر على حياتها بشكل سلبي، تبرز القصة حقيقة أن الغضب
والشكوك يمكن أن يقودا إلى اتخاذ قرارات مدمرة تؤثر في العلاقات الإنسانية.
كما أن القصة تسلط الضوء على النتائج
الوخيمة للتصديق الأعمى للأخبار دون التحقق منها، فالنساء اللواتي لعبن دورًا في
زعزعة استقرار "فُرْصَةٌ" زوجية، لم تكن نواياهن سوى زرع الفتنة.
ونتظهر من خلال هذه القصة كيف أن
الغيرة والحقد يمكن أن تدمرا حياة الفرد و الأسرة، وتجعلهم يدفعون الثمن غاليًا،
في حين أن الاعتراف بالخطأ والندم بعد فوات الأوان لا ينفع.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك