"الحسين أربيب" يكتب:كيف نبني وطنا؟

"الحسين أربيب" يكتب:كيف نبني وطنا؟
سياسة / الجمعة 01 نوفمبر 2024 12:29:03 / لا توجد تعليقات:

مغربنا1-maghribona1 هذا السؤال قد يبدو محرجا للبعض، وغير ذي جدوى للبعض الأخر، بل يكون بالنسبة للبعض الأخرين نوعا من الاستفزاز، لأنه لربما في اعتقادهم أن الأوطان قد استكملت بناءها وأتمت نموها بوجود سلطة معترف بها من قبل الأمم المتحدة وغيرها من دول العالم ومن المنظمات الدولية، إلا أن الواقع  نجد أن كثيرا من الدول بالرغم من أنها متواجدة على الساحة الدولية ومعترف بها كدول وتتوفر على مقومات الدولة ومعايرها التقليدية من أرض وشعب وسيادة ، إلا انها غير مكتملة التكوين والنضج السياسي الاجتماعي  والاقتصادي من كل الجوانب التي تجعلها صلبة التقلبات وصعبة الاجتثاث مهما كانت الكوارث التي تتعرض لها سواء كانت حروبا او حتى انقلابات  سياسية أو عسكرية أو كوارث طبيعية. لأن النضج الدولتي في نظري يكتمل لما تندمج الدولة بالوطن (أجهزة ومشاعر ومواقفوالعكس صحيحوذلك بالرغم من تواجد السلطة والحكومة وجيوش وبوليس وتنظيمات إدارية ومصارف ومصحات ومركبات تعليمية ومعامل ومزارع ومجتمع مدني وهيئات حزبية ونقابية وتمثيلية دولية بالخارج، كل ذلك لا يعني أنها ترقى لدرجة أن نقول إنها “وطن  ويُقصدُ بكلمة “وطن” في لسان العرب  المَنزل الذي يُقيمُ به  الفرد، وهو ليس  مجرد مكان، بقدر ما هو مجموعة أبعاد معنوية ومادية ، تبلور كيان الإنسان المقيم به وتختزل هويته الثقافية والإنسانية والاجتماعية ، وتشكل شخصيته وتلبسه رداء الوطن، ليس بصفة مباشرة بل بعد أن تكون أعماله وتصرفاته وانتماؤه الفعلي والعميق وطنيا، وبعد أن يكون الوطن قد احتضنه بشكل كلي من ولادته الى وفاته وما بينهما مسافة من الجد والعمل والإخلاص وفهم وتفهم ومساهمة ومشاركة في خدمة الوطن من قبل كل المواطنين، وكل ذلك  من خلال حصولهم على الخدمات الضرورية للعيش الكريم وضمان حرياتهم وانتقالهم دون تمييز أو تعرضهم لعقبات أو تعنيف من لدن أي جهة ، اللهم ما تعلق بمخالفتهم للقوانين التي تمنع المحذور وتسمح بغير ذلك ، كما أن المواطنة ليست في اتجاه واحد بقدر ما هي عبارة عن اتجاهين متبادلين بين الدولة والمواطن ، لذا فالقول بأنه  ليس من السهل بناء الوطن، ليس من أجل غرض أخر، غير أن يكون المواطن الحجر الأساس في بناء الوطن، وإن كانت  الدول قائمة ككيان معنوي له مقومات الشخصية المعنوية التي تحمل السيادة الممثلة في رئيس الدولة وتنتقل لنائبه في حالة وقوع عائق يحول دون ممارسة الرئيس لمهامه.

فالوطن ليس هو الدولة وإن كان الوطن لا يكون إلا في الدولة. فالدولة كيان يستمد قوته من أجهزة وتنظيمات لإضفاء الشرعية عليها ومنها مؤسسة البرلمان الذي يصوت عليه  المواطنون وبالتالي منه تنبثق الحكومة، ورئيس الدولة  في الأنظمة البرلمانية وفي الدول الرئاسية التي تنتخب الرئيس مباشرة من قبل الشعب ،والقضاء، وكل هذا لن يعطي صفة المواطن مدلوله وحمولته لإطلاق صفة المواطنة  على الفرد أو الجماعة، في الواقع إلا بعد أن تجتمع مواصفات محددة في هذا الفرد وتلك الجماعة ليصيرا مواطننين، فلا تكفي الإقامة بالوطن وحدها، ليكون كذلك، فلا بد من شروط مادية ومعنوية، منها المشاركة السياسية والقيام بالواجب الذي يكسبه صفة المواطنة عن جدارة واستحقاق وتفعيل وتحيين الفعل المواطنتي عبر ممارسته للحياة والعيش داخل الوطن أو خارجه.

 فالدول المتخلفة مازالت تعاني من اثار الاستعمار والتبعية مما يجعلها غير مكتملة المواطنة بالنسبة لمواطنيها بحيث نجد  أن الدولة  لم تعمل على تهييئ بنيات تساهم في تمكين الفرد والجماعة لولوج دائرة المواطنة وتفعيل هذه الصفة وتنميتها من خلال التعليم والتطبيب والرعاية المادية والنفسية لكل مكونات المجتمع دون تمييز أو عقبات مادية او قانونية، آنذاك يمكن الحديث عن وطن للجميع، ووطن يحتضن كل مكونات الشعب دون فوارق بين أي أحد، وآنذاك يمكن القول أن لا أحد يمكنه المزايدة على الأخر في مجال المواطنة، لأنهم كلهم على قدم المساواة إزاء الدولة والوطن معا معاملة وتقديرا وحقوقا وواجبات.

   والملاحظ أن الدول المتخلفة بالرغم من أنها تطمح لتتحول لدول ديموقراطية، كل وفق نهجها وسياستها، وإن كان الكثير منها يستعمل المصطلح “ديموقراطية “كواجهة ليس إلا، لأنها لا تتبع في سياستها السبل المؤدية لذلك بقدر ما تربح الوقت لتكريس نظام فردي يعتمد على العسكر والمخابرات وقمع المعارضة والمنظمات الحقوقية التي غالبا ما تكون موضع اضطهاد لأنها تفضح ممارسات تلك الدول في مجال حقوق الإنسان والحرياتويظل الصراع قائما بين الأنظمة الديكتاتورية والمعارضة المطالبة بإرساء قواعد نظام تتداول فيه السلطة بين مكونات الشعب وتنظيماته السياسية والنقابيةويظل الفرد في هذه الدول المستبدة مقهورا ومقموعا ومجردا من كل الحقوق الإنسانية، ويتم التعامل معه بقسوة تلغي إنسانيته وتضمر شخصيته وتجعله مسلوب الإرادة وغير واثق في قدراته، بل تجعله معتقدا بجد بل مؤمنا بوجود القائد المنقذ له ولأسرته، لذا ترى الشعوب المقهورة والمغلوبة على أمرها تصطف وتركع في ممارسة عبودية طواها الزمن واحيتها من جديد الأنظمة الديكتاتورية الحديثة الشكل والواجهة، والماضوية الجوهر، لتجعل من القائد الخلاص من كل المشاكل الفردية والجماعية.  ولهذا وفي مثل هذا الوضع المزري كهذا يبقى الفرد المفروض أن يكون مواطنا – كما هو عليه الحال في الدول الديموقراطية – لن يستشعر لا الفرد ولا المجتمع ككل في هذه الدول المتخلفة بالقيمة المادية والمعنوية التي يحياها الفرد والمجتمع في الدول الديموقراطية، هنا المواطن في رعاية الديموقراطيةالاجتماعية حاصل على ضمانات بحيث إذا مرض يتم علاجه ولو لم يكن يتوفر على تغطية صحية ، بل إن بعض الدول كالولايات المتحدة الأمريكية  مثلا ، تعالج وتقوم بعمليات جراحية للمريض إن كان مهاجرا غير شرعي، خاصة في بعض المستشفيات التي تحصل على هبات من الجمعيات الإنسانية لهذا الغرض .

لذا نلاحظ أن صفة المواطنة قد امتدت في الدول الديموقراطية لتشمل حتى المهاجر غير الشرعي خاصة في المجال الصحي، وهذا عربون مهم لمدى تشبع المؤسسات بالقيم الإنسانية وعدم تكلسها وجمودها ضمن إطار قانوني مجرد من   تلك السحنة الإنسانية التي هي أساس المواطنة والهدف الأساسي منها  

  أما في حالتنا، نحن شعوب العالم الثالث المتأخر عن قافلة التنمية والتقدم في جميع زواياه وأبعاده، فإن مواطنتنا تحوم حولها التساؤلات وتطرح هي ذاتها علامات استفهام، لماذا؟ لأننا – غالبيتنا – لا تعكس سلوكنا وممارساتنا اليومية تلك المواطن، سواء كنا في  بالشارع حيث نرمي الأزبال وبقايا السجائر، أو في المدارس والجامعات حيث أن  سلوك الغش في الامتحانات  هو السائد مما يعطل عجلة النمو الفكري والاقتصادي والاجتماعي والحضاري .كما أن الأجهزة الحكومية وغير الحكومية تكون لها أحيانا مواقف وتصرفات انتقائية وفق الحالات والأشخاص، مما يجعلنا أمام حيرة من نصدق النصوص الدستورية أم تفعيلها على أرض الواقع من طرف ممثلي السلطات؟

 إن بناء الوطن  يبدأ ببناء المواطن، وبناء المواطن يتم بتعليمه أسس سلوك المواطنة الحقة، والتي تجد مصادرها في التربية والتعليم، التربية في المنزل وفي الشارع من قبل المجتمع الذي تأسس على الأخلاق النبيلة والتصرفات الإنسانية والتضامنية وعلى المواقف التي تناصر الحق والحقيقة ، وتقف في الواجهة كلما حلت مشاكل للوطن الذي تحمل مسؤوليته  الدولة المرتكزة على أسس الديموقراطية بحيث لا تتخلى على المواطنين كيفما كانت الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والعكس صحيح، إذ المواطن ينهض في مواجهة كل ما يمس بوحدة الوطن وهويتها واختياراتها السياسية و الاقتصادية والثقافية  ، لأن تلك الخيارات كانت قبل كبل شيئ خياراته من خلال مشاركته السياسة.

  هل نختم المقال بطرح الأسئلة كما بدأناه؟ أيكون المواطن مواطنا دون تدخل الدولة ليصير كذلك؟ أم أن المواطنة تخلق مع الإنسان، لأنه اجتماعي بطبعه؟ أم أن الوعي السياسي والمدني، والوضع الاقتصادي والاجتماعي كل ذلك يحدد تلك المواطنة ومداها؟  وفي جميع الأحوال، لا الدولة ولا الوطن لن يتم لهما الاستقرار والنمو والازدهار دون أن تكتمل بعمق ونضج مواطنة المواطنين وتفعيلها عبر بنيات ثقافية واجتماعية تعمل بعنصر أساسي وفعال وفق ديموقراطية تجعل من المواطن أساس قيام كلا من الدولة والوطن.    

لا توجد تعليقات:

للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.

أضف تعليقك