أنتلجنسيا المغرب/الباز
في خضم ثورة الذكاء الاصطناعي المتسارعة، أطلق رئيس الحكومة المغربية عزيز أخنوش تحذيراً صريحاً ومباشراً من التهديدات المتنامية التي تواجه المنظومة المعلوماتية للمملكة، واصفاً الهجمات السيبرانية بـ"المشينة"، وداعياً إلى تفكير جماعي لتقوية جبهة الأمن الرقمي المغربي والإفريقي.
كلماته جاءت ضمن مداخلته المسجلة خلال افتتاح فعاليات معرض "جيتكس إفريقيا 2025" المنعقد في مدينة مراكش، حيث لم يكتفِ بالإشادة بالدور الريادي للمغرب في التحول الرقمي، بل كشف أيضاً عن الحاجة العاجلة إلى تعزيز السيادة الرقمية في ظل ما وصفه بـ"لحظة فارقة" في تاريخ الإنسانية، يمثلها الحضور الطاغي للذكاء الاصطناعي في مختلف جوانب الحياة الاقتصادية والاجتماعية والمؤسساتية.
أخنوش، وفي تعبير نادر من مسؤول حكومي رفيع، شدد على ضرورة أن تنخرط القارة الإفريقية لا كمجال لتجريب التقنيات، بل كفاعل منتج ومؤثر في المعادلة العالمية، منتقداً ضمنياً السياسات التي تعامل مع إفريقيا كحقل اختبارات رقمي.
"لا يمكن أن نبقى مجرد مستهلكين أو مراقبين.. حان الوقت لننتج ونقرر"، يقول أخنوش، في دعوة تحمل بين سطورها نقداً لموقع القارة الإفريقية في خارطة الابتكار الرقمي العالمي، وتطرح سؤالاً استراتيجياً: أين تذهب المليارات المرصودة لحماية المعطيات السيادية؟
معرض "جيتكس إفريقيا"، الذي وصفه أخنوش بـ"القلب النابض للابتكار في القارة"، يبدو في هذا السياق أكثر من مجرد تظاهرة تكنولوجية.
إنه ساحة سياسية واقتصادية لتصويب النقاش حول الذكاء الاصطناعي نحو أبعاد أكثر تعقيداً: العدالة الرقمية، الحكامة الأخلاقية، وحماية المعطيات الشخصية.
وفي هذا الإطار، أشار رئيس الحكومة إلى التزام المغرب في المحافل الدولية بالدفاع عن "ذكاء اصطناعي شمولي وأخلاقي ومنظم، يحترم حقوق الإنسان ويحمي سرية البيانات"، في مواجهة ما وصفه بـ"الممارسات غير الأخلاقية وعلى رأسها الهجمات السيبرانية".
لم يكن حديث أخنوش خالياً من استعراض الخطوات المغربية نحو الرقمنة، مذكراً باستراتيجية "المغرب الرقمي 2030" التي تقوم على دعامتين: إدارة رقمية تخدم المواطن والمقاولة، واقتصاد رقمي منتج للثروة ومحفز للابتكار وخلق فرص الشغل. غير أن هذه الطموحات الكبرى تبقى، كما يبدو من تصريحاته، رهينة بنجاح المملكة في تأمين فضائها الرقمي من التهديدات السيبرانية.
التساؤلات التي يطرحها هذا الخطاب، رغم ما فيه من تفاؤل، تبدو أشبه بإنذار مبطن.
فحين يصف رئيس الحكومة الهجمات السيبرانية بـ"المشينة"، وحين يدعو إلى تفكير جماعي في آليات الدفاع الرقمي، فإن ذلك يعكس إقراراً غير مباشر بوجود ثغرات بنيوية في البنية الرقمية الوطنية، تستوجب ليس فقط التمويل، بل مراجعة شاملة للمنظومة التشريعية، التقنية، والحوكمة السيبرانية.
هل سيكون الذكاء الاصطناعي أداة لتحرير إفريقيا رقمياً، أم قيداً جديداً يتحكم فيه الآخر؟
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك