أنتلجنسيا المغرب:ياسر اروين
في خطوة مثيرة للجدل، أقال الرئيس الموريتاني محمد ولد الغزواني قادة عسكريين بارزين، بينهم قائد أركان الجيش، المفتش العام للقوات المسلحة، قائد الدرك الوطني، ومدير عام الاستخبارات الخارجية.
هذا القرار الجريء جاء على خلفية توغل مفاجئ لعسكريين جزائريين داخل الأراضي الموريتانية لمسافة عشرات الكيلومترات، حيث الخطوة تثير تساؤلات حول نوايا الجزائر الحقيقية، خاصة بعد أنباء عن محاولة انقلابية فاشلة كانت تستهدف الإطاحة بالرئيس الموريتاني.
تحركات جزائرية مريبة في موريتانيا
وفقاً لمصادر مطلعة، يبدو أن الجزائر سعت إلى الضغط على موريتانيا لإغلاق معبر الكركرات، الانسحاب من أنبوب الغاز، والتراجع عن مشروع طريق الساحل الذي يعزز التعاون المغربي-الموريتاني.
الهدف الواضح كان دفع موريتانيا للانضمام إلى تكتل مغاربي جديد تقوده الجزائر لمواجهة المغرب. لكن الرئيس ولد الغزواني رفض هذه المحاولات، مما أدى إلى تصاعد التوتر بين البلدين.
زيارة الرئيس الموريتاني الأخيرة للمغرب، التي عُدت حدثًا مفصليًا في تطور العلاقات بين البلدين، أثارت قلق النظام الجزائري.
فالعلاقات المغربية-الموريتانية، تتجه اليوم نحو استعادة عافيتها الكاملة، وهو ما يذكر بفترة التعاون الوثيق بين الحسن الثاني والمختار ولد داداه في السبعينيات، غير أن الجزائر يبدو أنها لا تستطيع تحمل هذا التقارب، فقد سبق لها أن نظمت انقلاباً ضد ولد داداه بسبب رفضه لسياساتها آنذاك.
اختراقات عسكرية وتكتيكات استفزازية
رد الجزائر على زيارة ولد الغزواني للمغرب كان فورياً، حيث دخول قوات جزائرية الأراضي الموريتانية دون تنسيق مسبق.
هذه التحركات أثارت غضب نواكشوط، خاصة وأنها تزامنت مع اختراقات حدودية مغربية، في حادثتين منفصلتين، قامت القوات المغربية بالتصدي لهؤلاء المتسللين، إحداها كانت شمال منطقة النزاع وتعامل معها المغرب بحكمة، والأخرى قرب جدار الدفاع المغربي، حيث قوبلت بالقصف المباشر.
الجزائر، التي تعاني من أزمة سياسية خانقة واضطرابات اجتماعية متزايدة، يبدو أنها تبحث عن شرارة حرب مع المغرب لتخفيف الضغط الداخلي أو لتحقيق مكاسب إقليمية، لكن المغرب يتعامل مع هذه الاستفزازات بهدوء، مدركاً محاولات الجزائر جرّه إلى نزاع عسكري يعيد سيناريو حرب الرمال.
رهانات مغربية وتكتلات جديدة
على الجانب الآخر، يسعى المغرب لتعزيز حضوره الإقليمي والقاري، عبر مبادرات استراتيجية جديدة، أبرزها إنشاء تكتل "3+3"، الذي يضم المغرب، موريتانيا، والسنغال من إفريقيا، مع البرتغال، إسبانيا، وفرنسا من أوروبا.
هذا التكتل يُعد بديلاً عن مشروع "5+5" الذي فشل بسبب العراقيل الجزائرية.
وفي إطار تعزيز التعاون مع دول المنطقة، استقبل وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة نظيرته السنغالية حاملة رسالة خطية من رئيس السنغال، في خطوة تعكس تنسيقاً عالياً بين الرباط ودكار. هذا التنسيق يأتي في أعقاب زيارة ولد الغزواني للمغرب، مما يعزز فرضية أن المغرب يعمل على بناء شراكات إقليمية قوية بعيداً عن التأثير الجزائري.
الجزائر وموريتانيا..حسابات معقدة
محاولات الجزائر للتدخل في الشأن الموريتاني، تعكس أزمة عميقة في السياسة الخارجية للنظام الجزائري، الذي يبدو عاجزاً عن مواكبة التحولات الجيوسياسية في المنطقة، فموريتانيا، التي لطالما اعتبرتها الجزائر ساحة لنفوذها، بدأت اليوم تبني استقلالية أكبر في قراراتها، مدفوعة برغبة في تعزيز علاقاتها مع المغرب.
بينما تسعى الجزائر إلى كبح هذا التوجه عبر استفزازات عسكرية وضغوط سياسية، يدرك المغرب أن الحل يكمن في تعزيز شراكاته الإقليمية والدولية، مع التركيز على التنمية والتعاون البناء.
فالصراع اليوم لم يعد فقط صراعاً حدودياً، بل أصبح معركة نفوذ إقليمي تُظهر فيها الرباط قدرتها على تحقيق التوازن بين الدفاع عن مصالحها وتعزيز استقرار المنطقة.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك