أنتلجنسيا المغرب:فهد الباهي/م.إيطاليا
في تدوينة واضحة لـ."سليمان
الريسوني" لا يحتاج المراقب إلى كثير من الذكاء ليدرك أن العلاقة بين الملك "محمد
السادس وعبد الإله بن كيران" يشوبها الكثير من الفتور والارتباك، وهو ما تأكد
مرة أخرى من خلال رسالة التهنئة التي بعثها الملك إلى بن كيران بعد إعادة انتخابه
أمينا عاما لحزب العدالة والتنمية.
بعيدا عن المجاملات التقليدية
والكلمات الدافئة التي خص بها العاهل المغربي أمناء أحزاب آخرين، جاءت الرسالة
مفرغة من أي إشادة شخصية أو تثمين لمسار بن كيران السياسي أو الإنساني، وكأنها
بلاغ رسمي لا أكثر.
هذا الجفاء لم يولد اليوم، بل ترسخ مع
تراكم محطات من سوء التقدير وسوء الفهم بين الرجلين، منذ أن كان بن كيران رئيسا
للحكومة، حيث قبل بتهميش صلاحياته الدستورية، وخاصة في التعيينات الحساسة التي
يحددها الفصل 49 من الدستور، وفضل أن يبتلع صمته في مواقف مفصلية كان بإمكانه فيها
أن يدافع عن موقع رئاسة الحكومة كسلطة تنفيذية حقيقية، لكنه اختار الانحناء أمام
العاصفة وتمجيد الملك شخصيا وشيطنة محيطه، وهو سلوك زاد من فقدان الثقة فيه لدى
دوائر القرار.
حين اختار بن كيران أن يضحي بحقوقه
الدستورية وبكرامة موقعه السياسي، وأن يقدم الولاء الكامل للملك دون أن يخفي
امتعاضه الخافت من تصرفات مستشاريه وبعض رجالات دولته، دخل في منطقة رمادية لا
تتسامح معها المؤسسة الملكية.
لقد بدا كما لو أنه يحاول أن يكون
محاميا للملكية ومناورا ضدها في الوقت ذاته، يدافع عنها علنا وينتقدها ضمنا، يبارك
قراراتها ويتبرم من محيطها، يظهر الطاعة الكاملة ويخفي الغضب المكتوم. هذا الأسلوب
المبطن في التعامل مع المؤسسة الملكية خلق قلقا مبطنا تجاه بن كيران، وكرس صورة
السياسي غير الموثوق فيه تمام الثقة، وهو ما يفسر البرود الظاهر في كل إشارة رسمية
توجهت إليه من القصر، آخرها تهنئة باردة لا تخطئها العين، قد تكون مقدمة لما
ينتظره حزبه في الاستحقاقات القادمة، في مغرب يسير بثبات في طريق لا مكان فيه إلا
للوضوح الكامل في الولاء أو المعارضة.
كما عنونها سليمان
الريسوني :
لماذا يكره الملك بن كيران؟.
الملك لا يحب عبد الإله بن كيران.
يمكن قراءة ذلك في كثير من المحطات، آخرها رسالة تهنئته بمناسبة إعادة انتخابه على
رأس العدالة والتنمية. عدم ارتياح الملك لبن كيران أمر يعرفه هذا الأخير جيدا،
وقبل هذه التهنئة. وربما لأجل ذلك تجده أكثر الوزراء الأولين ورؤساء الحكومات
إمعانا في المبالغة في الثناء على الملك والدفاع عن الملكية الدستورية، وحتى
الملكية اللادستورية، مثل قوله: " كنت واضحا مع المغاربة منذ تعييني: إذا
كنتم تريدون رئيس حكومة يتنازع مع الملك، ابحثوا عن رئيس حكومة غيري”.
وقد تنازل بن كيران عن كثير من
صلاحياته الدستورية للملك، منها تلك التي يحددها الفصل 49 من الدستور: يتداول
المجلس الوزاري في القضايا والنصوص التالية: (...) "التعيين باقتراح من رئيس
الحكومة، وبمبادرة من الوزير المعني، في الوظائف المدنية الثالية: والي بنك
المغرب، والسفراء والولاة والعمال، والمسؤولين عن الإدارات المكلفة بالأمن
الداخلي، والمسؤولين عن المؤسسات والمقاولات العمومية الاستراتيجية. وتحدد بقانون".
فخلال المجلس الوزاري المنعقد
بالقصر الملكي في طنجة بتاريخ 13 أكتوبر 2015، تلى عبد الحق المريني، الناطق
الرسمي باسم القصر الملكي، بلاغا قال فيه: "وطبقا لاحكام الفصل 49 من
الدستور، وباقتراح من رئيس الحكومة، وبمبادرة من وزير الداخلية قام الملك بتعيين
ولات الجهات طبقا للتقسيم الإداري للمملكة..."
لكن الحقيقة التي يعرفها عبد الإله بنكيران
والمصطفى الرميد، هو أن رئيس الحكومة لم يكن له علم بلائحة الولاة الذين اختارهم
الملك ومحيطه، بل إن بن كيران في هذا المجلس الوزاري سيحاول إحراج الملك، لكن
الملك سرعان ما لجمه فابتلع رئيس الحكومة لسانه مذعورا مما سمع. كيف ذلك؟
فحين تقدم بن كيران وبصحبته الرميد
للسلام على الملك، تجرأ وقال له: "نعام أسيدي داك اللائحة د الولاة عطاوها لي
غير البارح، فأجابه الملك على الفور: انت عطاوها لك البارح.. أنا اعطاوها لي غير
اليوم"، ثم تركهما الملك وهمَّ بالمغادرة، قبل أن يعود ويقول لهما:
"قالو لي عملتو شي رئيس فريق فمجلس المستشارين قاتل الروح، ويساري"،
يقصد عبد العالي حامي الدين.
وبدل أن يقول بن كيران للملك، وبكل
احترام:
1- دستوريا، أنا من يقترح الولاة يا جلالة الملك، وإذا كان وزير
الداخلية لم يسلم جلالتك لائحة الولاة سوى اليوم، فإنني لا أقبل ولا أعتقد أن
جلالتك ستقبل أن يكون رئيس حكومتك لا يمارس صلاحياته الدستورية.
2- رئيس فريقنا في مجلس المستشارين، اعتبرت هيئة الانصاف والمصالحة
التي عينها جلالتك، أنه اعتقل تعسفيا، وعوضته ماليا عن اعتقاله.
لكن الذي حدث هو أن بن كيران تنازل
عن حقه الدستوري باقتراح الولاة. وعن حقه الحزبي بتعيين رئيس فريقه في مجلس
المستشارين، وضحى بحامي الدين الذي بدأت محنته منذ اليوم الذي كتب فيه مقالا قال
فيه إن قيام الملك، بدل رئيس الحكومة، بإعفاء البوليس والجمارك، هو أمر غير
دستوري. وتفاقمت محنته عندما قال إن الملكية بشكلها الحالي أصبحت معيقة للتنمية.
فلماذا يكره الملك بن كيران؟ (سأجيب
بطريقة كاريكاتورية) لأنه يشبه حميد المهدوي في تذاكيه على الملك والملكية؛ حين
يقدس المالك ويشيطن محيطه. بحيث تجده يقول -مثلا- "سيدنا وخا تديني للحبس أنا
معاك"، وفي المقابل يهاجم الهمة عندما أسس "البام" رغم أنه يعرف،
والملك يعرف أن بن كيران يعرف، أن ذلك الحزب أسس بقرار من الملك شخصيا. وهذا أكده
أول نائب للأمين العام لـ "البام" عبد الله القادري، حين قال بأن الهمة
جاء إلى بيته مبعوثا من الملك وطلب منه إدماج حزبه في حزب كبير يجري تأسيسه
لمواجهة الإسلاميين.
أو عندما كان بنوكيران يُسفِّه
إلياس العماري، وهو يعرف، والملك يعرف أنه يعرف، بأنه لولا الغطاء الملكي لما تغول
إلياس وامتلك كل تلك السلطات وأصبح يتحكم في رجال المال والأعمال وفي العمال
والولاة الذين يقبلون رأسه أمام أعين الصحافة. وبن كيران يعرف قصة العامل الذي
اتصل بالمرحوم محمد الوفا يبكي كيف أن إلياس يتصل به ويسب والديه...
أو عندما يشكك بن كيران ، وهو رئيس
للحكومة، في موت وزيره للدولة ورفيقه في الحزب عبد الله باها، خلال مهرجان خطابي
كان قد نظمه حزبه بالدشيرة، قال خلاله: هناك من يهددنا ونحن نعرف قراءة الرسائل،
لكننا لا نريد أن نفضح الأمور.. وإذا مات السي باها فنحن مستعدون للموت في سبيل
الله. ثم أضاف: باها لم يمت موتة عادية، لذا وجب فتح تحقيق دقيق ونزيه لمعرفة
حيثيات الحادث وأسبابه الحقيقة.
أو عندما يقول: أنا رئيس حكومة
وعندما ستتم ترقيتي سأصبح وزيرا للداخلية، في إشارة فاضحة إلى أنه رغم صلاحياته
الدستورية الواضحة لا سلطة له على وزير الداخلية.
أو عندما يقول، وهو رئيس للحكومة،
إن المغرب فيه حكومتان، واحدة يقودها جلالة الملك والثانية لا أعرف من يقودها. وهو
التصريح الذي قرّعه عليه الملك وهو يصرخ في وجهه، بحضور الرميد.
وإذا كانت هناك عبارة تلخص سبب كره
الملك لبن كيران، فهي تلك التي عبّر عنها الحبيب الملكي بقوله: "بنكيران
كيدوز الاثنين و الثلاثاء و الأربعاء والخميس رئيسا حكومة، والجمعة والسبت والأحد
زعيم معارضة.
هناك أيضا الاحتفاء الكبير بالقضية
الفلسطينية في المؤتمر الأخير للعدالة والتنمية، والمواقف الملتبسة لبن كيران من
التطبيع. هذه أيضا ستجعله محط عدم رضا الملك عليه. وبالمناسبة فقد سبق لبن كيران
أن عبر في حوار معي عن أنه غير معني برضا الملك عنه، وأن ما يهمه هو رضا الله
ووالدته. وهذا التصريح أيضا قرعه الملك عليه بحضور الرميد.
فكيف عبر الملك، ضمنا، عن كرهه أو
عدم حبه ورضاه عن عبد الإله بنكيران، أو، على الأقل، عن عدم ارتياحه لإعادة
انتخابه على رأس حزب العدالة والتنمية؟
في رسالة تهنئته الأخيرة إلى بن
كيران، وعلى غير العادة في رسائل التهنئات الملكية لرؤساء الأحزاب، لم يثن الملك
على أمين عام العدالة والتنمية، ولم يذكر أيا من مناقبه، بل توجه إليه بخطاب عام
وجاف:
"يطيب لنا أن نبعث لك بتهانئنا عقب تجديد الثقة في شخصك بإعادة
انتخابك أمينا عاما لحزب العدالة والتنمية من قبل مؤتمره الوطني التاسع".
مضيفا: "وإننا لنعرب لك عن
أصدق متمنياتنا بكامل التوفيق في مواصلة مهامك القيادية الحزبية، بما يعزز حضور
حزبكم في الساحة السياسية الوطنية، وإسهامه الفاعل، إلى جانب باقي الأحزاب
والهيئات السياسية الموقرة، بالجدية وروح المسؤولية، في تأطير المواطنات
والمواطنين خدمة للصالح العام، ومواكبة مسيرة التنمية الشاملة التي نقودها
للارتقاء ببلادنا في مدارج الحداثة والتقدم والازدهار".
وتابع الملك "وإذ نطلب منك
إبلاغ عبارات تقديرنا لعضوات وأعضاء حزب العدالة والتنمية، مثمنين تشبثكم الراسخ
والمعهود بمقدسات الأمة وثوابتها، وحرصكم الدؤوب على خدمة المصالح العليا للوطن
التي تسمو فوق كل اعتبار، لندعو الله تعالى أن يوفقكم ويسدد على طريق الخير خطاكم".
وبمقارنة بسيطة بالطريقة التي خاطب
بها الملك رؤساء أحزاب آخرين، منهم سعد الدين العثماني، نكتشف الفتور وتجنب
المجاملة والثناء في رسالة الملك إلى بن كيران.
ففي رسالة تهنئة سعد الدين
العثماني، قال الملك: "بمناسبة انتخابك أمينا عاما لحزب العدالة والتنمية،
نعرب لك عن خالص تهانئنا على الثقة التي حظيت بها من قبل المؤتمر الوطني الثامن
للحزب، والتي تجسد مدى تقدير أعضاء هيأتك الساسية، لالتزامك الحزبي، ولمسارك
المهني، فضلا على ما تتحلى به من خصال إنسانية".
وأضاف الملك "ومما لاشك فيه،
فإنه بفضل ما عهدناه فيك من تشبث مكين بمقدسات الأمة وثوابتها، وما هو مشهود لك به
من غيرة وطنية صادقة، ومن روح المسؤولية العالية، ستسلك الطريق القويم من أجل
تعزيز موقع حزبك، في إطار مشهد سياسي تعددي، ليواصل إسهامه الهادف، إلى جانب
الهيئات السياسية الجادة، في تكريس مصداقية الممارسة السياسية، القائمة على جعل
خدمة الصالح العام، فوق كل اعتبار".
وجاء في رسالة تهنئة الملك إلى عزيز
أخنوش: "فخصالك الانسانية وكفاءتك، فضلا على
ما عهدناه فيك من روح المسؤولية والتشبث المكين بثوابت الامة ومقدساتها، ستشكل،
لامحالة، دعامات أساسية لنجاحك في مواصلة النهوض بمهامك الحزبية على أحسن وجه".
وفي رسالته إلى الأمين العام لحزب
الاستقلال، عبر الملك عن تهانيه لنزار بركة على الثقة التي حظي بها من قبل أعضاء
المجلس الوطني للحزب "تقديرا منهم لالتزامك بالدفاع عن مبادئ الحزب وقيمه،
ولما أبنت عنه من كفاءة في مختلف المسؤوليات الحكومية والوطنية التي تقلدتها فضلا
على ما تتحلى به، إلى جانب تجربتك الحزبية، من خصال إنسانية".
مضيفا: "ولا شك أنك لن تذخر
جهدا لبلوغ تلك الغايات، لما هو مشهود لك به من غيرة وطنية صادقة، ومن روح
المسؤولية العالية، وما هو معهود فيك من تشبث مكين بمقدسات الأمة وثوابتها"
وفي تهنئته لادريس لشكر، قال الملك: "ومما لاشك فيه، فإنك بفضل مؤهلاتك الإنسانية والسياسية، وما هو
مشهود لك به من تشبث مكين بثوابت الأمة ومقدساتها، ستواصل تكريس كافة الجهود من
أجل تقوية موقع حزبك في الساحة السياسية، ومواصلة انخراطه الهادف، إسوة بالأحزاب
الوطنية الجادة، في المسار الديمقراطي والتنموي الذي نقوده، لاسيما وبلادنا تدشن
مرحلة جديدة حاسمة، حافلة بالأوراش والأولويات والتحديات الاستراتيجية، وكل ذلك في
حرص موصول على جعل المصالح العليا للوطن والمواطنين، تسمو فوق أي اعتبار".
وخاطب الملك نبيل بنعبد الله في
رسالة تهنئته بالقول: "وإننا لواثقون من أنك، بفضل ما هو معهود فيك من غيرة
وطنية صادقة، وتشبث مكين بثوابت الأمة ومقدساتها، لن تدخر جهدا من أجل مواصلة حزبك
لإسهامه البناء، على غرار الأحزاب الوطنية الجادة، في ترسيخ قيم الديمقراطية
والتحديث والعدالة الاجتماعية، باعتبارها من الدعائم الأساسية للنموذج الديمقراطي
والتنموي الذي نقوده، لما فيه خدمة المصالح العليا للوطن والمواطنين".
فهل أخطأ العدالة والتنمية بتشبثه
بأمين عام يكرهه الملك والمحيط الملكي. تقديري: لم يخطئ، إذا لم تكن عينه على
الحكومة المقبلة في ظل تجذر التطبيع في أركان الدولة مع استمرار المجازر
الإسرائيلية في فلسطين؟ وهل يكون الفتور الذي خاطب به الملك عبد الإله بن كيران،
مؤشرا على ما ستكون عليه الانتخابات القادمة. تقديري: نعم.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك