أنتلجنسيا المغرب/elbaz
إدارة ترامب، بأسلوبها المعروف المباشر، تعمل على فرض شروطها ليس من خلال مواجهة الصين وجهًا لوجه فقط، بل عبر خنق محيطها.
أكثر من 70 دولة معنية بمفاوضات تُعرض عليها تخفيضات في الرسوم الجمركية، مقابل التزام واضح بتقليص التعامل مع الصين، سواء عبر منع شحن بضائعها، أو تقليص وجود شركاتها، أو حتى التضييق على دخول منتجاتها الصناعية إلى الأسواق المحلية.
المثير في الأمر أن الأمر لا يتعلق فقط بإدارة جمهورية أو رئيس بعينه، بل بتيار أمريكي آخذ في التشكل، يتجاوز الأحزاب، ويؤمن بأن الهيمنة لن تستمر إلا إذا أُعيدت كتابة المعادلة من جديد: الولايات المتحدة أولًا، والصين خارج المعادلة، أو داخلها ولكن بشروط البيت الأبيض.
الخطة، وإن بَدت ذكية تكتيكيًا، تطرح أسئلة حقيقية حول قدرة الدول على الحفاظ على استقلالية قرارها الاقتصادي.
الضغوط الناعمة قد تتحول بسرعة إلى ابتزاز دبلوماسي، والمكافآت التجارية قد تصبح سلاحًا لإعادة ترتيب الاصطفافات على أساس الولاء، لا المصالح الوطنية.
لا يمكن تجاهل السياق: الصين تمر بمرحلة اقتصادية دقيقة، النمو يتباطأ، وسلاسل الإمداد بدأت تعيد التمركز.
والولايات المتحدة ترى في هذا التوقيت فرصة ذهبية لفرض واقع جديد، يُجبر بكين على الجلوس إلى طاولة المفاوضات وهي في موقع أضعف، بعدما كانت لعقود شريكًا صعب الترويض.
لكن الأخطر من ذلك أن الخطة تحمل في طياتها تحديًا واضحًا لمفهوم العولمة التعددية، وتدفع نحو انقسام اقتصادي عالمي مبني على النفوذ لا التعاون، وعلى الضغط لا التفاهم.
من هنا، يصبح السؤال الأهم: هل يتحول العالم إلى سوقين متوازيين، أحدهما بقيادة واشنطن، والآخر تحت نفوذ بكين؟ وإذا حدث ذلك، هل ستملك الدول الصغيرة رفاهية الاختيار؟
ليس من السهل بناء تحالفات جديدة على أنقاض أخرى لم تندثر بعد، وليس من السهل إقناع الشركاء بأن تقليص العلاقات مع ثاني أكبر اقتصاد في العالم يمكن أن يتم دون كلفة... أو دون صدام.
الرهان كبير، والمواجهة قد تطول، لكن الواضح أن اللعبة تغيرت، وأن من يملك الأسواق لم يعد يكتفي بالبيع والشراء، بل يسعى اليوم إلى كتابة قوانين التجارة نفسها.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك