وائل الدّحدوح "جبل فلسطين" الشّاهق

وائل الدّحدوح "جبل فلسطين" الشّاهق
... رأي / الجمعة 01 نوفمبر 2024 12:29:03 / لا توجد تعليقات:

 محمد بلعيش

القانون نائم سجن الله من أيقظه. ولأنّه نائم، ومتدثّر ب "الفيتو" الأمريكي، يبقى طوق النّجاة الوحيد أمام التّاريخ هو صحوة الضّمير. فهناك أحداث إذا ما سكت المرء حيالها، يصبح منحازا عن سبق إصرار وترصّد للجلّاد على حساب الضّحيّة

قبل قليل، رأيت كيف تمسّك "الجبل" وائل الدّحدوح، بيد نجله حمزة بكلّ قوّة. كان المشهد مؤلما لي. أوّلا كإنسان، وثانيّا كأب. فليس هناك أبشع من أن يشيّع الأب فلذة كبده. لهذا أكاد أجزم أنّ وائل الدّحدوح، استرجع شريط الذّكريات منذ أن أمسك حمزة بسبّابته وهو رضيع، إلى أن تمسّك هو بيده الباردة من وراء الكفنوائل الدحدوح كان يرى استمراريّة رسالته الصّحفيّة في حمزة، لكنّ الأقدار كان لها رأي آخر. ولربّما أرادت أن تقول لإسرائيل، بدل أن تواجهي حمزة الدّحدوح مستقبلا، فستواجهين مئات الصّحفيّين حول العالم، وجب على معاهد الصّحافة والاعلام الّتي تكوّنهم، بأن تطلق عليهم هذه السّنة "فوج وائل الدّحدوح".

لست أدر من هي الدّولة العربيّة المحظوظة الّتي ضمّ كفنها، جسد الشّهيد حمزة وائل الدّحدوح، وغيره من شهداء فلسطين مسلمين ومسيحيّين. فأقصى ما يستطيعهالعرب والمسلمون في هذا العصر، هو مساعدة الفلسطينيّين بالأكفان. ثلاث وعشرون دولة عربيّة، و473 مليون عربيّ، وسبع وخمسين دولة إسلاميّة، ثمّ تأتي جنوب إفريقيا العلمانيّة لتتزعّم التّرافع عن الدّم الفلسطيني أمام المحكمة الجنائيّة الدّوليّة. سبعة وخمسون رئيسا وملكا لا يستطيعون مجتمعين إدخال شربة ماء لأطفال ونساء فلسطين، علبة دواء لأطفال ونساء فلسطين، بطّانيّة لأطفال ونساء فلسطين، كسرة خبز لأطفال ونساء فلسطين. أقول النّساء والأطفال، وليس الرّجال، لأنّ رجال فلسطين أيقنوا منذ زمن بعيد، أنّنا خيل بلا قوائم، لا يمكن الرّهان عليه لكسب عزّة التّاريخ. ولهذا فهم يستندون على بنادقهم في رحلتهم الطّويلة نحو الاستقلال، مفاخرين بصبر معتقليهم في سجون الاحتلال، مصمّمين على أن لا يدنّسوا أجسادهم بالأكفان العربيّة. فلا وقت للشّهيد لارتداء الكفن.

المؤرّخون الّذين سيأتون بعد مائة عام من الآن، سوف يكتبون في المناهج التّعليميّة، أن عرب النّصف الثّاني من القرن العشرين، وعلى امتداد مائة سنة كاملة، كانوا أجبن وأتعس وأكسل العرب على مرّ التّاريخ. قمحهم من حقول عدوّهم، صحّتهم في مستشفيات عدوّهم، دراستهم في جامعات عدوّهم، يشعلون الحرب فيما بينهم بسلاح عدوّهم. لكنّهم حتما سيستثنون الفلسطينيّين من هذا العار.

ما أصدقك يا قبّاني حيث تقول:" نحن شعب من عجين، كلما تزداد إسرائيل إرهابا وقتلا، نحن نزداد ارتخاء وبرودا". وكم كنت محقّا يا درويش وأنت تردّد:" هل نحتلّ مئذنة ونعلن في القبائل أنّ يثرب أجّرت قرآنها ليهود خيبر؟". وما أجرأك يا نوّاب حين صارحت: "سنصبح نحن يهود التّاريخ، ونعوي في الصّحراء بلا مأوى". 

أقول لوائل الدّحدوح ما كان يقوله الشّهيد أبو عمّار: "يا جبل ما يهزّك ريح". ولست أدر هل علينا أن نعزّيكم في شهدائكم، أم تعزّونا في موت نخوتنا من المحيط إلى الخليج.لكن، ما أنا متيقّن منه حتما، هو أنّ شعبا فيه أمثالك، وأمثال أبو عبيدة، ومروان البرغوثي، وأبطال "المسافة صفر"، وأشبال يعبرون من الرّضاعة إلى الرّجولة أمثال أيهم الصّباح، لا يمكن إلّا أن ينتصر على المحتلّ، طال الزّمن أم قصر. وتربة فلسطين الّتي احتضنت ياسر عرفات، وصلاح خلف، وخليل الوزير، وغسّان كنفاني، ويحيى عشّاش، وأحمد ياسين، وعبد العزيز الرّنتيسي وصالح العاروري، وغيرهم من الشّهداء من مختلف الفصائل الفلسطينيّة، ستنبت بدل القائد عشرة. فلا القتل يفني المقاومين الفلسطينيّين، ولا الاعتقال يكسر شوكتهم.

بعد عشر سنوات أو عشرة قرون، ستقوم دولة فلسطينيّة، عاصمتها القدس الشّريف، هذا وعد من التّاريخ، ووعد من اللّه، وكلاهما لا يخلف وعده. دمتم تاجا فوق رؤوسنا أيّها الأبطال المقاومون.

محمد بلعيش

المغرب - بركان في 7 يناير 2024

لا توجد تعليقات:

للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.

أضف تعليقك