أنتلجنسيا المغرب: فهد الباهي/م.إيطاليا
في واحدة من
أكثر القضايا إثارة للرأي العام، خرجت قضية الشابة "سلمى" من حدود
الجغرافيا لتتحول إلى عنوان عالمي يُتداول في المنصات الدولية، وتُرفع على جدران
شبكات التواصل بلغة الغضب، بعد أن أصبح وجهها ساحة لعدوان لا يليق بإنسان، ولا
ببلد يدّعي سيادة القانون "راه الحكرة وصلات للحد".
الواقعة، بكل
تفاصيلها الصادمة، فتحت الباب واسعًا أمام الجدل حول ازدواجية العدالة في المغرب،
بين "عدالة للفقراء" تُنزل أقسى العقوبات على من لا سند لهم "دجاجة
، جوان ، بالة تبن ، سبسي ، ماحية ، بيان ، بلاغ ..، و"عدالة للأقوياء"
تُدار بالهواتف، وتُفرغ من مضامينها لصالح أصحاب النفوذ والعلاقات " لا سمير،
الايداع والتذبير، أموال المخطط الاستعجالي لإصلاح التعليم" وقس على ذلك.
الجانية التي لم
تتجاوز السادسة عشرة حين إرتكبت جريمتها الأبدية النكراء في حق "سلمى"،
لم تكن ضحية طيش أو غضب لحظي حينها، بل كانت مدفوعة بخطة مسبقة حين اقتنت أداة
حادة "روزوار" وزوّدتها بالثوم لزيادة تأثير الضربة على وجه الضحية، قبل
أن تهاجم وجه "سلمى" وتتركه مشوّها 56 غرزة، وكأنها تمزق ليس فقط الجلد،
بل الحياة والمستقبل والكرامة، أي فعل فاضح بعد هذا الفعل، وتطل من نافذة وتقول
"سيري صلحي وجهك ونخلص ليك.." وجهها ليس حداء يتم ترميمه عند إسكافي،
وجه "سلمى " أصبح حقيقة وواقع القضاء في العالم .
المثير في كل
هذا، ليس فقط العنف الذي تعرّضت له الضحية، الحكم القضائي الذي جاء مخيبًا للآمال
وصادمًا للضمير، بشهرين فقط خلف القضبان، في رسالة مرعبة لكل ضحية محتملة، أن لا
شيء يضمن لك الإنصاف، حتى ولو كان وجهك قد أصبح خريطة ألم.
فيديوهات
المعتدية، وهي تتحدث بتحدٍّ واستفزاز، "تسب والد الضحية الذي يعاني من
إعاقة" وتُقلل من شأن الضحية وتعرض تعويضها بثمن "عملية تجميل"، لم
تكن مجرد تجاوز شخصي، بل كانت صفعة أخرى لمنظومة العدالة التي اكتفت بالتفرج، ما
دفع فئات واسعة من الشعب المغربي للتساؤل عن معنى القانون، إذا لم يكن سيفًا يُرفع
بوجه الظلم لا عمامة تغطي رأسه، وتزداد فداحة الموقف حين تكشف الضحية أن المعتدية
ابنة موظف في المحكمة، وفق فيديو موثق.
ما يطرح تساؤلات
حارقة عن من يحميها؟
ومن يمنحها هذا
الشعور بالحصانة؟
ولماذا يُحكم
على وجوه الغلابة بالتمزق مرتين: مرة بسلاح المعتدين، ومرة بعدالة الانتقائية؟
اليوم كل هذه
المؤشرات دفعت الرأي العام إلى إعادة فتح ملف القضاء المغربي، الذي صار تحت
المجهر، وتحوّلت القضية إلى مرآة مكشوفة تعكس واقعًا لا يُمكن تجميله بالكلمات،
ولا تجفيف دمائه بمنشورات التضامن، ما لم تتحرك المؤسسات بجدّية، في العمق، هذه
ليست قضية فتاة وفتاة، بل قضية مؤسسة تُفترض أن تحمي الكرامة، لا أن تتحول إلى
أداة لترسيخ الفوارق الطبقية.
كيف يمكن لعقوبة
الاعتداء الوحشي أن تُعادل شهرين؟
وفي أي قاموس
قضائي تُقارن 56 غرزة بعقوبة أخف من غرامة السير؟
الاحتجاجات
الإلكترونية التي أطلقت شعار "كلنا سلمى"، لم تكن مجرد تعاطف لحظي، بل
كانت صرخة وجودية ضد منظومة عدالة يرى فيها المواطن البسيط جدارًا لا بابًا،
وسيفًا لا ميزانًا، ووجوهًا جامدة تنظر من فوق لا من بين الناس، والأخطر، أن هذه
الأحكام تفتح الباب أمام الاستهزاء بالعدالة، وتُشرعن ثقافة الإفلات من العقاب، ما
يدفع ضعاف النفوس لارتكاب جرائم مماثلة وهم مطمئنون من أن القانون لن يطالهم طالما
لديهم واسطة أو ظل في المحاكم.
إن استمرار مثل
هذه الممارسات دون ردع حقيقي، سيُسهم في تقويض ثقة المواطنين في مؤسسات الدولة،
ويغذي الشعور بالظلم والتمييز، مما يُهدد التماسك الاجتماعي، ويزرع بذور الفوضى
القانونية في مجتمع يتغذى على الأمل والعدالة، ولهذا، فإن الرهان اليوم ليس فقط
على إعادة الاعتبار لـ"سلمى"، بل على تصحيح المسار، وإعادة بناء منظومة
قضائية تُعلي من قيم المساواة والمساءلة، وتحمي كل مواطن، مهما كان اسمه أو موقعه
أو نسبه.
في ظل دستور
يضمن المساواة أمام القانون، يبقى السؤال الأكثر إحراجًا معلقًا في الهواء:
هل فعلاً نحن
سواسية في حضرة العدالة؟
أم أن الأمر لا
يعدو أن يكون شعارًا للاستهلاك الإعلامي والسياسي فقط؟
أصبحنا اليوم
أمام وضع يحتاج التجميل لوجه "سلمى" والقضاء .
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك