... رأي / الجمعة 01 نوفمبر 2024 12:29:03 / لا توجد تعليقات:
مغربنا 1-Maghribona 1
عنوان المقالة يشير إلى وجود نوعين من الجاهلية، بينهما قرون وقرون، غير أنني لا أفهم الجاهلية فهم الأسلاف مند عهد رسول الله ص حتى الآن. إنها لدى الفقهاء والعلماء مصطلح إسلامي، وارد في القرآن الكريم لأكثر من مرة، نسوقه على التوالي بنفس الصيغة بعيدين عن الجاهل والجاهلين، لكون إرجاعها إلى صيغ مختلفة مفيدة للجهل، وعندي أنها لا تؤدي بالسبة لي إلى ما أرغب في وضعه أمامكم وبين أيديكم كمفهوم شخصي للجاهلية، وإلا ما تحدثت في العنوان عن جاهلية العلمانيين بالتحديد.
ففي سورة "آل عمران": "يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية". وفي سورة "المائدة": «أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون". وفي سور "الأحزاب": "وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية". وفي سورة "الفتح": "إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية".
والوارد هنا في هذه الآيات الأربع، مثير للدهشة من وجهين: من وجه ما يبكي، ومن وجه ما يضحك؟؟؟ فالمبكي هو أن مدلولها هو نفسه الذي نشاهده اليوم عبر العالم كله، بل إننا نشاهده صباح مساء، لا في البلدان التي هي على غير ديننا، بل في بلداننا التي توصف رسميا وشعبيا بأنها إسلامية مما يبعث من جهة ثانية على الضحك!
فالله لدى كافة الملحدين غير موجود في أي زمان وفي أي مكان. إنهم يظنون بالله غير الحق. لكن الكون برمته خاضع لنظام غاية في الدقة. إنما لمن نوجه هذا الخطاب العقلاني المنطقي المدرك بالحواس من خلال تجارب لم يقف العلماء الطبيعيون عن إجرائها باستمرار. أما التمييز بين حكم الله وحكم الجاهلية، ففيه كلام عام وخاص. فالعام يشير إلى من أرجعوا تخلفهم للدين بالكلية. فكان أن أغلقوا عليه "في البابوية الكبرى". أما الخاص ففي دائرة من يؤمنون ببعض كتاب الله ويكفرون ببعض كتابه الآخر. وحتى البعض الذي يؤمنون به، تحيطه اللبسة من كل جهة: شرك في المعتقدات: (= كل موجود هو الله في ذاته). وشرك في العبادات، وشرك بالتوالي في المعبودات. مما يعني استمرار الجاهلية لدينا ولدى من يدعون أنهم يهود أو نصارى!!
والعري الفاضح الذي أدرك ذروتها لدى النساء فاغر فاه! فلنتحدث ولا حرج عما نشاهده في دروبنا، وأزفتنا، وشوارعنا وشواطئنا. أما "وقرن في بيوتكن" فقد ذهب أدراج الرياح. مع أن هذا الخطاب الرباني لا يعني البقاء داخل البيوت، وكأن المخاطبات به، حكم عليهن حكما إلهيا بعدم مشاهدة العالم! بينما المطلوب منهن حفظ بيوتهن من التعرض لأي شيء يؤدي إلى زعزعتها أو هدمها كليا. وهذا بالنسبة لي هو مدلول قول الحق سبحانه: "وقرن في بيوتكن"، أي تمسكن بها حتى لا تتم زلزلتها بالفحشاء والمنكر، وحتى إن خرجتن لأعمالكن، أو لقضاء أغراضكن، فكن حريصات على احترام أرباب بيوتكن، وأولادكن، وكل عناصر أسرتكن القريبة والبعيدة، وقبل كل شيء، كن متقيات لمن خلقكن ورزقكن، وجعل من أزواجكن خدما لكن، كما جعلكن خادمات لهم، وإلا لا معنى بتاتا لقوله سبحانه: "هن لباس لكم وأنتم لباس لهم". كما أنه لا معنى لقوله تعالى: "وتعاونوا على البر والتقوى". يعني أن تحرصن كل الحرص على حماية أنفسكن، لأن حرصكن معناه تقدير لما صح وروده عن ربكم أولا، ولما صح وروده عن نبيكم ثانيا، ولخدمة مجتمعكن ثالثا، لأن كل حرص منكن ومن أزواجكن ضروري لتماسك مجتمعكن الذي هو مجتمعهم سواء بسواء.
أما الحمية فلم تعد مجرد أنفة لدى كل متكبر كما أنها لم تعد غيرة ولا نخوة، وفي الوقت ذاته أصبحت تحمل الآن نفس التأثير السيء الذي كانت تحمله حين يقع ما كان يقع بين مختلف قبائل العرب في شبه الجزيرة، وإلا ما قرأنا هذه الأبيات الشعرية:
فغض الطرف إنك من نمير فلا كعبا بلغت ولا كـــــــــلابا
قوم هم الأنف والأذناب غيرهم ومن يسوي بأنف الناقة الذنبا
وحمية عهدنا يتقدم الاتصاف بها رؤساء الدول والحكومات، ولا غرابة في أن يتقاسمها معهم كل مسؤول حكومي مهما تكن درجته في السلطة. وإن أدركت الحمية أوجها فلدى الرؤساء العلمانيين الكبار المتميزين بسلطات عالية، وباقتصاديات مرموقة، مصدرها ذاتي من جهة، والنهب والاحتكار والاستغلال من جهة ثانية. وحمية هؤلاء ليست مجرد الدخول في حروب دامية كي يخرجوا منها منتصرين فائزين بكل ثقة، وبكل جرأة، وبكل افتخار!
ونلاحظ أنه عند انتهاء المواجهات البينية الحامية إلى ما يعرف بالحربين العالميتين، كان لزاما على صناع الحربين المعتمدين على العقول النيرة، بدل العقول الدينية المظلمة، أن يدركوا ما سمي في الفقه بسن الرشد، وما يسمى في القانون الوضعي بسن البلوغ. وحتى يبرهن المنتصرون في الحرب على بلوغهم سن الرشد، أقدموا على ما يبرهن بأنهم كذلك، مع حسابات لهم المتوقعة في القادم من السنوات، التي لم تكن مع ذلك عجافا بالمفهوم القرآني.
ففي عام 1945م أسسوا مسمى "الأمم المتحدة". والتي أصبحت كما يقولون أهم محفل قادر على معالجة القضايا التي تتجاوز حدود الدول الوطنية، والتي لا يمكن لبلد منفرد حلها. وكان أن تم لهم تزويدها وتضخيمها وتلوينها بأجهزة رئيسية هي الجمعية العامة، ومجلس الأمن، والمجلس الاقتصادي والاجتماعي، ومجلس الوقاية، ومحكمة العدل الدولية، والأمانة العام للأمم المتحدة، بحيث يتولى مجلس الأمن على العموم النظر في السلم والأمن الدوليين. ويضم 15 عضوا. وكل عضو لديه صوت واحد. وكان عددهم في البداية 4 أعضاء دائمين. هم: الولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا العظمى، وروسيا الشيوعية، وفرنسا. وعندما كشفت الصين عن أنيابها من خلال الصناعات الذرية، أصبحت إلى جانب الأربعة المذكورين، خامس عضو في الجمعية العامة، وكأن العضوية الدائمة فيها تقتضي أن يكون العضو الجديد قويا ماديا لا روحيا بما فيه الكفاية، مما يدل دلالة قوية على أن حضارتنا المعاصرة حضارة مادية محضة!!
وها هنا تساؤلات تتفرع عنها أخرى من جملتها ما حصل في صحرائنا الشرقية والغربية، وما يجري الآن في فلسطين المنهوبة منذ عقود ومجلس الأمن قائم؟
وقبل الإجابة التي تتضمنها بالفعل تساؤلاتنا المتقدمة، قد اخترنا أن تكون هي تساؤلا آخر، مضمونه جملة من الدوافع، أو البواعث التي جعلت المشاركين في الحربين العالميتين يعودون إلى الرشد، أو يتظاهرون بالعودة إليه، كما يتضح من إقدامهم على تأسيس مجلس الأمن، نعني بالتحديد: أي ثمن دفعوه حتى تستيقظ ضمائرهم العلمانية فيندمون!
1ـ في الحرب العالمية الأولى بلغت الخسائر البشرية وحدها 8 ملايين و700 ألف نسمة. بعيدا عن التفاصيل التي تحدد خسائر كل دولة مشاركة فيها.
2ـ أما خسائر الحرب العالمية الثانية من البشر، فمجموعها 36 مليون نسمة. ما عدا الجرحى والأسرى والمفقودين.
دون أن ننسى التذكير بما حصل في الصين الحديثة عندما ادعى هونغ سياو ـ تسيوان 1853م أنه أخو المسيح، وأطلق على جيشه اسم "المملكة السماوية للسلام الأكبر". فكان أن دامت حربه مع النظام القائم حتى عام 1864م، يعني 11 سنة. ذهب ضحيتها 30 مليون نسمة؟
وأكبر مجزرة حصلت في الصين كذلك ما بين عامي 1949 و1965م، فقد أباد عهد ماوتسي ـ تونغ ما يعادل 27 مليون نسمة، ما عدا عشرات الألوف الذين قتلوا خلال مسمى الثورة الثقافية عام 1966م، التي احتفلنا بها أيام انتسابنا إلى العلمانية المفرطة في الجهل والتجاهل؟؟
أما ضحايا القنبلتين الذريتين اللتين ألقت بها الولايات المتحدة الأمريكية على كل من هيروشيما وناغازاكي فحدث ولا حرج! فنتائج المدمرة الأولى 91 ألف قتيل و10 آلاف بين جريح ومفقود! أما نتائج المدمرة الثانية 73 ألف و884 قتيل، و60 ألف بين جريح ومفقود.
وتساؤلاتنا هنا في غاية البساطة: هل تاب الغربيون فعلا بعد كل هذه الجاهلية الجهلاء التي وقفنا عليها عندما تم تأسيس الجمعية العامة للأمم المتحدة؟ أو بقية عشرات الدول تعاني من الاستعمار والعنصرية البغيضة؟ ونحن للتذكير كنا ضمن هذه الدول، دون نسيان ما حصل في جنوب أفريقيا، وما هو حاصل الآن في أرضنا العربية الإسلامية المحتلة؟ ودون أن ننسى ما عرف بالحرب الباردة التي لم يقدها من اعتقدنا نحن البلهاء بأنهم نادمون؟
إنه إذن تمييز واضح بين جاهلية عصر محمد ص، وجاهلية حاضرنا الماثل الذي لم نكن بالذات غير ضحايا ما أسفرت عنه وما تسفر عنه؟ وقد وقفنا ونقف غدا أو بعد غد في بلدنا نفسها على الجاهلية الجهلاء، حتى وبقية من المسلمين المخلصين القلة، تتحرك في كافة أرجائها إن سمع لها صوت، وكأن علماءنا كما يخبر د. محمد الفايد قد أصبحوا فعلا مجرد كهنوتيين مصابين بحب الدنيا وكراهية الموت؟
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك