ما هو الفكر الظلامي الذي نقصده؟

ما هو الفكر الظلامي الذي نقصده؟
... رأي / الجمعة 01 نوفمبر 2024 12:29:03 / لا توجد تعليقات:

مغربنا 1-Maghribona 1  إن الفكر الظلامي – من وجهة نظري – فكر عام وفكر خاص. فضلا عن ممارسات عملية تطبيقية تجري على أرض الواقع. إنه من خلال التاريخ البشري أو الإنساني، هو كل تصور، أو كل فكرة، أو كل مقاربة مؤسسة على "الأهواء" و"الخرافات" و"الأوهام" و"الإرهاب الأعمى" من أي طرف. و"الأباطيل" و"التزوير" في أي مجال كان. و"الديماغوجية" و"الشعوذة" و"المكر" و"المكائد" و"الافتراء" و"التضليل"! بغض النظر عن مصدره، صدر عن ملك. أو صدر عن أمير. أو صدر عن سلطان. أو صدر عن رئيس دولة. أو عن أحد الولاة، أو عن العمال، أو عن رئيس الدائرة، أو عن وزير، أو عن القائد، أو عن الشيخ، أو عن أي عالم، أو عن أي مسؤول حكومي، أو عن أي مسؤول حزبي سياسي ذي مرجعية علمانية ليبرالاوية أو اشتراكاوية أو شيوعاوية. أو ذي مرجعية إسلاماوية أو يهودية أو مسيحية! يصدر ذلك كله عن المشار إليهم باختصار. ويصدر بالتالي عمن لم تتم الإشارة إليهم، لا بالاسم ولا بالصفة. يصدر عنهم بعيدا عن أي دليل نقلي. وبعيدا عن أي دليل عقلي. وبعيدا عن أي دليل تجريبي. يعني أن كل فكر نظري كلامي، تحول إلى ممارسة فعلية، أو ظل حبيس الذهن مع تداوله للاقتناع التام به، أو لحمل الناس على الاقتناع به والمنافحة عنه، يعد ظلاميا عندنا ما لم يجد له أي سند، لا من الدين، ولا من العقل، ولا من التجربة كما قلنا. وبعبارة أخرى: كل فكر يتناقض تمام التناقض مع ضوابط الدين، ومع ضوابط الفكر الواضح المبرهن على صحته. ومع ضوابط التجربة التي يتم التسليم بنتائجها، بناء على الإدراك الحسي، ولو عن طريق اعتماد أدوات علمية حديثة العهد بالظهور. هو في الحقيقة فكر ظلامي، لا علاقة له أبدا بالإنسان الطبيعي السوي المتحضر. ومن هنا يلزم الجميع العمل على اجتثاته من جذوره لتحقيق ما يصبو إليه شعبنا أو أمتنا من نهضة، ومن حداثة، ومن عصرنة، ومن تنمية بشرية تحترم بالأساس خصوصياته أو مقومات هويته. جاء أبو زكرياء المليجي لزيارة أبي عبد الله الرجراجي "وكان طرف قوس قزح عند باب داره، والطرف الآخر في موضع آخر. فلما خرج أبو عبد الله من داره قال: باسم الله الرحمان الرحيم. وجعل رجله على طرف قوس قزح، فلم يزل يمشي عليه إلى أن هبط من الطرف الآخر! فصاح أبو زكرياء المليجي وقال: وصل الرجال إلى هذه المنازل وأنا هكذا! وخر مغشيا عليه! فلما أفاق هام على وجهه! ثم أقبل على الجد والكد إلى أن لحق بالأفراد"[1]! إنها من ضمن الخرافات والخزعبلات والظلاميات الواردة لدى ابن الزيات في "التشوف إلى رجال التصوف"! وهو – لمجرد الإشارة – كتاب من تحقيق وزير الأوقاف البودشيشي الطريقة عندنا وا حسرتاه! مع أن الخرافة التي قرأها، ربما لمرات، وهو يحقق ما ادعى أنه قد حققه مجسدة للفكر الظلامي الديني بكامل الوضوح! لا لأن الدين بمصدريه الأساسين أمضاها بالموافقة عليها وعلى نظائرها! وإنما لأن "وضعها" أو"صنعها" مرتبط بولي على عهده يقام له ويقعد! إنما كيف يمر عليها المسؤول في بلدنا عن تنظيم الشأن الديني وعن تعيين المسند إليهم القيام على تنفيذه مر الكرام؟ لن نقول إن وزيرنا بلا عقل! ولن نقول بأنه يجهل موقف الدين من الابتداع وأهله! ولن نقول بأن الإدراك الحسي مصاب عنده بخلل ما! لقد حقق الكتاب المشار إليه قبله! وتحقيق الكتاب، أي كتاب معناه إثبات كل ما ورد فيه جنبا إلى جنب مع تأكيد صحته! مما يعني أن كل ما ورد في "التشوف إلى رجال التصوف" مقبول عند محققه نقلا وعقلا وتجربة حسية! لكن بإمكاننا القول – وقد غض الرجل بصره عن ظلاميات كتاب حققه – بأنه مصاب بالجنوح إلى التصديق بمبتدعات المتصوفة على مر العصور! وإلا فهل قوس قزح عبارة عن جسم مادي صلب له طرفان. طرف هنا حيث نقف الآن. وطرف هناك على بعد أميال من حيث وجودنا على الأرض؟ فهل الدين يسمح لنا بقبول مثل هذا التصور الظلامي الذي لا وجود له إلا في عقول المخبولين؟ هل يسمح لنا الدين بقبوله، وهو الذي يدعونا في غير ما آية وفي غير ما سورة إلى استعمال العقول كوسيلة مضمونة إلى حد بعيد لاكتساب مختلف العلوم أو مختلف المعارف؟ وهل التجربة التي يشترك فيها الإنسان والحيوان ذاته، تضع قوس قزح أمامنا كي نسير عليه من طرف إلى طرف آخر؟ إن كان وزيرنا المؤرخ – لا العالم – يقبل من الظلاميات التي هي من ابتكار المخبولين المتسترين وراء جلابيب الدين خرافة المشي على قوس قزح وأخواتها! فما الذي نتوقعه منه بخصوص الفكر الضلالي الذي تنطوي عليه الطريقة البودشيشية، كطريقة يريد أن يظهر لشيخها ولزملائه بها، كيف أنه على الإخلاص التام لكل الظلاميات التي تعتقدها وتعانقها عناقا بالأحضان عز نظيره؟ ثم ما الذي نتوقعه من الوزير الصوفي بخصوص الدين النقي الطاهر النظيف الذي نرغب الآن أكثر من أي وقت مضى في توضيحه لأمتنا، وللأمم التي لا تكف عن مهاجمة نبينا، وكتاب ربنا، وعلمائنا وحكامنا من منظور دين خرافي كما يدعي أبناؤها؟ أو ليس من اطلع منهم على الفكر الظلامي الذي سوف أقدم صورة ناصعة عنه، محقا في التهجم علينا من خلال ما يقرأه ومن خلال ما يشاهده؟ وهل ما يجري يوميا حول باحات أضرحة الصالحين الذين نميز فيهم بين الكذابين والزنادقة والضلاليين والظلاميين، يمثل في الواقع لا في الخيال ديننا الذي نعتز به، كعنصر جوهري من عناصر هويتنا التي نرفض أن يمسها أي أحد بأي سوء، حتى ولو كان هذا الذي يمسها بكيفية أو بأخرى هو وزير الأوقاف ذاته؟ مع أن المقصود هنا بسوء يشير إلى شيئين اثنين: 1- المبتدعات والممارسون لها داخل الزوايا وباحات الأضرحة وداخلها وخارجها في أي مكان. 2- المساهمون في الابتداع وحمايته والترويج له كوزراء وكعلماء، وكجماعات إسلامية مشغولة بأمور أخرى غير تطهير الدين من الأرجاس التي ألحقها به الضلاليون المفترون! وحتى يكون القراء على بينة تامة من حقيقة المنعطفات والتعاريج التي أدت إلى ولادة الكثير من الظلاميات البدعية الممقوتة المتناقضة مع الدين النقي النظيف نقف فقط عند الفهم الخاطئ السيئ للولاية لله ولأوليائه. فإن اتضح من النظم الكريم، ومن سنن البشير النذير، كيف أن جميع المؤمنين، من نساء ورجال يمثلون بنصوص نقلية ثابتة "حزب الله" و"أولياء الله". ما دام الانتماء ل"حزب الله" لا يتطلب غير النطق بالشهادتين! وما دام الولي هو "النصير" و"المحب" و"التابع"، مع التفاوت المتوقع المشروع في درجات الإيمان والتقوى والعمل الصالح. إما نتيجة للكبائر، وإما نتيجة للصغائر. فإن أولياء الله عند المتطرفين من المتصوفة بالتحديد، هم المغالون الذين لا يعرفون إلا بما يدعونه من مسمى "الكرامات"، أو بما يدعيه لهم منها أولئك الأتباع، أو المريدون الذين هم في الواقع ضحية خداع وإغراء من لقنهم ظلاميات مشوهة للدين الحق إلى حد بعيد! بحيث إنهم أصبحوا مع من خدعهم وأغراهم - إن لم نقل أغواهم كشياطين – جناة حقيقيين على الإسلام والمسلمين! وحتى تتأكد لنا جميعنا بالدليل القاطع حقيقة، أو صدقية الأطروحة المعروضة قبله، فلنقف قليلا عند أي إنسان مسلم عادي في زمن ما، وفي مكان ما، بحيث إننا نراقبه على مدى أربع وعشرين ساعة حتى نرى بكيفية مؤكدة مدى تجسيده ومدى تمثله لولي الله المخلص الصادق الذي لا يدعي الطيران في الهواء! أو المشي على قوس قزح! أو المشي فوق الماء! أو حتى النوم عليه! عندما يستيقظ الإنسان المسلم المعني هنا كنموذج من نومه، قبل أذان الصبح ولو بنصف ساعة، ويستحضر ثواب من يقول حين يصبح وحين يمسي: "رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبحمد ص نبيا"[2]. بحيث إنه يقول هذا الكلام الذي ندب المختار المؤمنين إلى قوله، كي يرضيهم الله يوم القيامة في رواية. ولكي يوجب لهم الجنة في رواية أخرى لأبي سعيد الخدري[3]. يتوضأ، ويصلي ركعتي الفجر، ثم يتجه إلى أقرب مسجد من داره، بحيث يحييه حين دخوله إليه بركعتين. ثم يصلي مع الجماعة صلاة الصبح. وبعدها يصلي في منزله أو أي مكان آخر غيره صلاة الضحى. دون أن يتخلف عن أداء بقية الصلوات الخمس في جماعة. ما لم يكن  لديه عذر ما. فضلا عن السنن والنوافل التي يواظب عليها. فضلا عن عمل الطاعات المطلوبة منه كقراءة القرآن، وحضور الجنائز، وعيادة المرضى، وإطعام المساكين، وإعانة المحتاجين، فضلا عن أداء حقوق الأهل والنفس والجيران والمعارف والأصدقاء والأضياف. خاصة وأن المطلوب دينيا إعطاء كل ذي حق حقه. مما نضطر معه إلى طرح هذين السؤالين المترابطين أقوى ما يكون الترابط: 1- هل هذا الرجل من الذاكرين أو من الغافلين؟ 2- هل هو ولي لله عز وجل. أم هو ولي للشيطان العدو الرجيم؟ إن كان هذا الرجل يؤدي جميع الصلوات الخمس في جماعة. وكان يصلي ركعتي الفجر والضحى وتحية المسجد كلما دخل إليه. مما يعني عشر ركعات في اليوم. وكان يصلي أربعا قبل الظهر، وركعتين بعده، وركعتين قبل العصر، وأربعا بعد المغرب، وركعتين قبل العشاء، والشفع والوتر. فضلا عن قراءته للقرآن إن كان من حفظته. وإلا فإن قراءته لا تلزمه. أو لا يصح القول الآن بأنه فعلا من الذاكرين الله عز جل؟ ثم ألا يصح القول بأن ممارساته التعبدية صائبة؟ يعني أنه يؤديها قدر مستطاعه كما كان سيد الناس ص يؤديها؟ وإلا فهل نلمس من برنامجه التعبدي اليومي ما يدل على أنه ضلالي مبتدع؟ إن فهمنا مما قلناه حتى الآن، كيف أن الرجل معدود من الذاكرين لا من الغافلين، نورد بعض التفاصيل الضرورية للاقتناع فعلا بأنه من الذاكرين اعتمادا منا على الظاهر، وإلا فإنه سبحانه أعلم وحده بالبواطن. نتساءل عن نوع أذكار الرجل بين ليله ونهاره، مع التأكيد على أنه غير عالم، حافظ للقرآن، أو غير حافظ له: كم مرة بين يومه وليلته يقول: "الله أكبر" دون محاولة حصر مجموع الأذكار الواردة في صلواته ومن ضمنها الصلاة على الحبيب المصطفى وقراءة ما تيسر من الذكر الحكيم؟ إنه يقول كلمة "التعظيم" و"الإجلال" بالتحديد 349 مرة! وحتى نتعظ بالمواظب على المذكور منذ حين، أو حتى نتعظ بالمواظب على أكثر أو على أقل مما واظب هو عليه. هذا إن كان بمقدورنا الاتعاظ بأي منهما. فلنستوعب قول الله عز وجل: "إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون"[4]. يعني أن الصلوات "الخمس هي التي تكفر ما بينها من الذنوب. كما قال عليه السلام: "أرأيتم لو أن نهرا بباب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمس مرات. هل يبقى من درنه شيء؟" قالوا: لا يبقى من درنه شيء. قال: "فذلك مثل الصلوات الخمس، يمحو الله بهن الخطايا"[5]! إضافة إلى أن الصلاة عبادة جامعة، يتلى فيها القرآن وأنواع مختلفة من الأذكار، من ضمنها الاستغفار وتمجيد الله، والثناء عليه، والدعاء. فضلا عن كونها "تشغل كل بدن المصلي (وقلبه). فإذا دخل المصلى في محرابه، وخشع وأخبت لربه، وادكر أنه واقف بين يديه، وأنه مطلع عليه ويراه، صلحت لذلك نفسه وتذللت وخامرها ارتقاب الله تعالى، وظهرت على جوارحه هيبتها. ولم يكد يفتر من ذلك حتى تظله صلاة أخرى يرجع بها إلى أفضل حالة"[6]. وقال ابن زيد وقتادة: "ولذكر الله أكبر من كل شيء، أي أفضل من العبادات كلها بغير ذكر"[7]. وقيل: "ذكر الله يمنع من المعصية، فإن من كان ذاكرا له لا يخالفه"[8]! و"ثواب ذلك أن يذكره الله تعالى كما في الحديث "من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، ومن ذكرني في ملإ، ذكرته في ملإ خير منهم"[9]. و"ذكر الله تعالى للعبد هو إفاضة الهدى ونور العلم عليه. وذلك ثمر لذكر العبد ربه"[10]. قال الله عز وجل: "فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون"[11]. فيصح بعد كل هذه التوضيحات الموجزة بأن صاحبنا فعلا من الذاكرين، لا من الغافلين. كما يصح القول بأنه ولي من أولياء الرحمان، لا ولي من أولياء الشيطان. فإن كان أحباء الله هم الذين يذكرونه دون أن يخالفوه. فإن المتنكبين عن سنن مجتباه من المنحرفين عن الجادة المستقيمة، محرومون لا شك من حب الحق سبحانه ومن مرضاته! متى تأكد لدينا بأدلة قاطعة بأنهم بطرقهم المبتدعة في العبادة بعيدون عن منهاج المختار أو عن طريقه ص! وكل هذا يعني في النهاية وجود ملايين الأولياء في كل زمن وفي كل مكان. إنهم في الوقت الحاضر بالذات موجودون بقرانا وبمدننا، وبأحيائنا كجيران لنا محبوبين عندنا. وإن لم يعرف عنهم الدخول إلى النار دون أن يحترقوا! أو يعرف عنهم الحضور في كل مكان كمسمى "الأبدال" لدى المتصوفة الظلاميين. وإن لم تعرف عنهم قراءة ما في اللوح المحفوظ! أو قراءة ما في الضمائر! أو معرفة ما سوف يقع غدا أو بعد غد! مما يعني أن الصور الجميلة الناصعة لمؤمنين مخلصين صادقين أوفياء مستقيمين. قد شوهتها أيما تشويه ظلاميات الذين نرجو من ربنا أن يهيئ في بلدنا من يمقتهم أشد ما يكون المقت. ويعمل في الوقت ذاته على اقتلاع أو اجتثات جذورهم من عقول ذوي النوايا الطيبة المخدوعين. ومن عقول المعضدين لهم عن قناعات عندهم ملفوفة بألوان وبأشكال من الوعي المغلوط الذي لا علاج له قط إلا بحملات تلو أخرى للبرهنة على أن الظلاميين من "قبورين" ومن "صوفيين" في الواقع المغربي مفسدون! وأن المفسدين خصوم للأمة! وأنهم أعداء معرقلون للوصول بأبنائها إلى المستوى الذي يتمناه كل منا في شتى المجالات، وعلى جميع المستويات! [1] - التشوف إلى رجال التصوف. ص 86. ابن الزيات. تحقيق أحمد التوفيق. 1404ه – 1984م. منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية. [2] - عمل اليوم والليلة. ص 135. الإمام أحمد بن شعيب النسائي. دراسة وتحقيق الدكتور فاروق حمادة. طبعة أولى عام 1981م. [3] - ن.م. ص 135. [4] - سورة العنكبوت: 45. [5] - الجامع لإحكام القرآن. 13/347. لأبي عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي. طبعة 1952م. [6] - ن.م. 13/348. [7] - ن.م. 13/349. [8] - ن.م. 13/349. [9] - ن.م. 13/349. [10] - 13/349. [11] - سورة البقرة: 151.

لا توجد تعليقات:

للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.

أضف تعليقك