هل هو مخاض تمظهرات الاستحقاق الجيوستراتيجي لأمريكا بأن تغادر منطقة الشرق العربي والخليج ؟
قد تكون أول صرخة احتجاج من ٱمريكا ضد كل ما يقع مؤخرا في المنطقة وفي المقدمة التقارب الايراني السعودي وما يترافق معه من أجواء هدوء ووعود سلام تبشر المنطقة المشتعلة من عشرات السنين وبعشرات البؤر الحربية .. من اليمن إلى سوريا والعراق والسعودية ..
الغواصة النووية الأمريكية تتحرك اليوم من البحر الأبيض المتوسط في اتجاه مياه الخليج بارقة بتهديدات مباشرة ضد طهران تحت ذريعة توفر الامريكان على معلومات استخبارية بإمكانية حدوث هجومات ايرانية على المصالح الأمريكية في المنطقة ..
فماذا وراء الأسباب الحقيقية للخطوة الأمريكية الغير الإعتيادية وفي هذه اللحظة بالذات ؟؟
لاشك أن الأمريكان غاضبون من الاختراق الكبير للصين فيما يرتبط بالاتفاق الايراني السعودي نحو إعادة العلاقات الدبلوماسية وكل خطوات التطبيع والتعاون السياسي والاقتصادي والامني بين طهران والرياض ، التي ترافق الاتفاق التي وقعه مؤخرا وزراء خارجية البلدين في بكين مؤخرا ..
هل بإمكان أمريكا التعايش مع أجواء السلام والهدوء في المنطقة ضدا على كل مشاريع التفتيت التي أشرفت عليها امريكا ، انتهاء بكوارث الربيع العربي الدموي التي دمرت البنيات السياسية والاجتماعية والمذهبية والاقتصادية لغالبية الدول العربية بما يجعل الامريكان أكبر المستثمرين في هذه الفوضى التي كانت تهدف لتثبيت القدم الامريكية في تفاصيل المنطقة وتٱبيد سيطرتها على مذخراتها وثرواتها الاقتصادية والبشرية .
لكن الاتفاق السعودي الايراني بإشراف صيني جاء من خارج السيرورة الأمريكية و رغباتها في السيطرة والتحكم في كل سياسات بلدان الشرق العربي . . وكأن سياسات الابتزاز والضغط التي مارسها حكام واشنطن ضد ولي العهد السعودي من إهانات الرئيس السابق ترامب الى خليفته بايدن الذي ظل يرفض لقاء ولي العهد ويهدد حكام الرياض الخضوع الكلي لسياسات الامريكان .. حاملين قميص الخشقحي يطلبون القصاص من قتلته .. بينما بيت القصيد هو موضوع التطبيع الكامل مع الكيان الاسرائيلي والدخول ضمن دول ما سمي بالاتفاقات الإبراهيمية التي يبدو أنها تترنح الآن أمام مستجدات المنطقة وفي مقدمتها سياسات الصلف والاعتداء التي يمارسها الصهاينة في اراضي الضفة الفلسطينية و المسجد الأقصى تحديدا ..
يبدو أن ولي العهد السعودي محمد ابن سلمان يتجه شرقا انطلاقا من مواقف السعودية اتجاه روسيا في الحرب الأوكرانية مع ما شهدته موسكو من زيارات وفود سعودية واتفاقيات اقتصادية البترول والغاز أحد عناوينها .. قبل زيارة نائب الرئيس الصيني للرياض والمؤتمر الذي عقده هناك مع حكام الخليج تحت توجيه سعودي واضح .. لتنتهي هذه الخطوات بأكبر مفاجأة للامريكان وهي عودة العلاقات السعودية الايرانية تحت رعاية بيكين وهو اختراق صيني كبير لكل منطقة الخليج التي تعتبرها واشنطن منطقة نفوذ خالص !! لكن يبدو أن طريق الحرير يعود لرتق حلقاته الممزقة على طول خريطة شرق آسيا..
الليلة وفد السعودية يصل إلى صنعاء التي تخضع لحكم حركة الحوثيين اليمنية ، يلحقون وفد سلطنة عمان لارساء قواعد مفاوضات انهاء الحرب اليمنية التي دمرت البلاد والعباد بانخراط سعودي مباشر جعل كل حكام العرب او تقريبا ينخرطون في هذه الحرب قبل أن يتراجعوا واحدا واحدا لتظل السعودية تتلقى صواريخ الحوثيين التي وصلت قصور الرياض ومصافي نفط أرمكو مهددة الاقتصاد السعودي .. دون ان تتمكن السعودية ومعها الامارات ومن معهم من اضعاف قوة الحوثيين او التقليص من قدراتهم .. لا أمريكا نفعت الرياض ولا مشاريع التطبيع مع اسرائيل نفعت الامارات العربية من حسم تقسيم اليمن والسيطرة على صنعاء .. والنتيجة واحدة وهي اعلان السعودية لكل الاحزاب اليمنية التي تدعمها في جنوب اليمن أن عيد الفطر القادم سيكون لحظة الصلح مع الحوثيين وإنهاء الحرب ..
هي إذن كبيرة المفاجٱت في المنطقة بعد زيارة الرئيس السوري بشار الأسد لدولة الإمارات العربية المتحدة وما مثلته من اختراق كبير للحصار العربي الشامل التي فرضته الجامعة العربية على سوريا بعد انطلاق الحرب الأهلية السورية بانخراط كل دول العالم فيها .. سوريا تفاوض الأتراك في موسكو و وزير خارجية دمشق يزور القاهرة .. كل هذا الحراك سينتج بالضرورة الحديث عن الدعوة التي ستقدمها السعودية وجامعة الدول العربية للرئيس السوري بشار الأسد كي يحضر مؤتمر القمة العربي نهاية الشهر في السعودية .. فأين تهديدات أغلب قادة الخليج والمنطقة ان ايام الرئيس السوري بشار الاسد معدودة بالايام حينما وعد أوردوغان تركيا أنصاره أنه سيصلي بعد أسابيع في المسجد الأموي في دمشق .. لكن الأيام كذبت الجميع وبشار لازال هو رئيس دولة سوريا العربية بكل التحالفات التي أنشأها الرئيس السوري مع حلفائه فيما يسمى محور المقاومة ..
فمن انتصر على من ؟؟ أم هي فقط حروب الحكام والكراسي وخطط الامبريالية ومشاريع أسياد العالم والمصالح ومناطق النفوذ بينما كل الشعوب العربية لازال وضعها هو هو فقرا وخصاصة وهشاشة وتضخما وتبعية وقمعا وقهرا وإلحاقا بمشاريع الخارج ؟؟
وفود ايران البرلمانية تتردد على المنامة وفي البحرين حديث عن عودة العلاقات الدبلوماسية قريبا مع طهران .. هل ستسوى إذن مشاكل المعارضة الشيعية في البحرين وما هي مخرجات الأزمة مع جمعية الوفاق وقادتها وكثير من رموزها لازالوا في السجون .. هل ستختفي مطالب اللؤلؤة الشاهدة على قمع احتجاجات البحرانيين في غمرة ربيعهم الديموقراطي .. ولا شيء يعلو صوت المصالحة مع ايران ..
وفي فلسطين .. وما أدراك ما فلسطين والضفة وعرين الأسود في جنين وفي نابلس وكل عمليات المقاومة في القدس .. من خارج المقاومات المعروفة والكبيرة تنبت عناوين جديدة للتصدي وارباك المشروع الصهيوني .. شباب بلا عناوين رنانة وبلا دعم وبوسائل قتالية بسيطة لا ترقى إلى صواريخ حماس والجهاد ولا الى البنادق الأوتوماتيكية لجيش شرطة عباس .. لكنهم فعلوا ما لم تفعله التنظيمات المرتبطة بالاتفاقيات الأمنية بتل أبيب او تلك المرتبطة بشانطة الدولار القطري الذي يعبر الى غزة عبر ترخيصات ومطار ابن غوريون الصهيوني .. كل هذا سينتج معادلة جديدة توشك أن تتحول الى انتفاضة فلسطينية ثالثة .. هنا لا تجد اسرائيل من ساحة تصب عليها جان غضبها سوى الخاصرة الرخوة لكل محور المقاومة أي سوريا ولذلك نجد كل ليلة طائرات اسرائيل تغير على منطقة سورية وتدمير وتقتل ما ومن تشاء ليصل الأمر علنا الى قتل مستشارين ايرانيين من الحرس الثوري وما ترتب عن ذلك من تهديدات طهران بالانتقام .. من كان يظن ان استباحة الصهاينة للمسجد الاقصى سيعقبها رد من صواريخ غزة سرعان ما تتبعه صواريخ كثيفة من مواقع جنوب لبنان ومقتل صهاينة في غور الاردن .. أليس هذا تجسيد لشعار لوحدة الساحات الذي ترفعه كل مكونات محور المقاومة ..
هنا يتم تثبيت معادلة الردع بين حزب الله واسرائيل العاجزة عن الرد حيث اكتفت بهجمات شكلية على مناطق غير مأهولة جنوب مدينة صور اللبنانية ..
اتفاقيات استراتيجية طويلة الامد بين إيران وروسيا وانخراط الطائرات المسيرة الشاهد الإيرانية في حرب بوتين على كييف .. اتفاقيات طويلة الامد مع التنين الصيني ..
أليس هذا عنوان عالم جديد مقابل الهيمنة الامريكية ورأس حربته طهران وموسكو وبيكين ..
فهل وجع المخاض الحاصل في المنطقة سيفضي حقا الى مصالحة تاريخية تخدم مصالح الشعوب اولا وأخيرا أم أن الأمريكان سيفتعلون حروبا كبيرة قد تكون على شكل هجوم اسرائيلي مباغث للمواقع النووية الإيرانية وما قد يستتبع ذلك من رد على كل جغرافيا التواجد الايراني ودولة الولاية والحركات والاحزاب والدول الموالية لها ..
ماذا لو انفلت الزناد النووي في اوكرانيا وهذه بريطانيا تزود زيلينسكي بالدبابات المتطورة ومعها القنابل المنضبة باليورانيوم ؟؟
مقاتلو جيش فاغنير الروسي يقاتلون الاوكران في خيرصون ويتواجدون في مناطق سوريا كما يقاتلون في ليبيا .. هم أنفسهم يدعمون جيش مالي وبوركينافاسو وحركات متمردة اخرى في افريقيا ..
ايران التي تعيد علاقاتها الدبلوماسية مع السعودية هي نفسها التي تجري مناورات بحرية عسكرية مع الجيش الصيني والروسي في بحر عمان .. وهناك بعيدا في مياه فينزويلا وأمريكا اللاتينية ..
قد يكون بشار الاسد الرئيس السوري قد انتصر على معارضيه بفعل تداخلات كل ما حصل وقد يكون انتصر على حكام " الصيدة " القطرية العربية كما سماها وزير خارجية قطر السابق ..
قد تكون ايران قد انتصرت على كل مشاريع عزلها واسقاط دولة ولاية الفقيه فيها ..
لكن يقينا كل شعوب المنطقة ازدادت بؤسا وتعاسة وفقرا واستبدادا وفسادا وعبودية .. بما يجعل مطلب دولة الحقوق ودولة الانسان ودولة الحريات والديمقراطية ودولة العدالة والكرامةوالكفاية .. مطلبا قديما جديدا سيظل قائما مهما تعددت محاور الدول وعناوينها وشعاراتها ومهما كانت الجهة التي تواليها شرقا أو غربا ..
وحده الانسان غائب في مشاريع الدول ..
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك