عائشة لخماس محمد وبنلمقدم..

عائشة لخماس محمد وبنلمقدم..
... رأي / الجمعة 01 نوفمبر 2024 12:29:03 / لا توجد تعليقات:

مغربنا 1 المغرب

قصة حب مجيدة، توثق لأنموذج مغربي جمع بين عقلين يساريين، ينتميان إلى جيل الرصاص والجمر منذ أواخر ستينيات القرن الماضي، عائشة لخماس والفقيد محمد بنلمقدم.

لا حاجة إلى التذكير بما يشكل الثنائي (التوأم) كما أحب أن أطلق عليهما، لخماس وبنلمقدم.. يكفي أن تقرأ خاطرة واحدة مما تركه الراحل بلمقدم عن عزلته القهرية في سجن عين برجة، خلال قضائه فترة سجن مأساوية، وهو يتغزل في زوجته المناضلة المحامية عائشة لخماس، لتتأكد كيف يمكن للحب أن يجمع ذاتين مندلقتين من روح واحدة وأقنوم متشابك.

خلال تقديمي لكلمة في حق هذه الأمثولة الفارقة، عند اللقاء الذي نظمه اتحاد العمل النسائي بمراكش مؤخرا، أحببت أن أستجلي طبيعة (الأنا الجمعي)، الذي أوثقته وحدة التجربة والرؤية في حياة كل منها، وأوسعت في تحويل مجسات نبضيهما على أبعاد إيمان بعضهما بالبعض، واستبصار أفكار كل منهما لتصير ملاذا للآخر، في استعارة تحبل بكل أبهاء القيم وأخلاق العيش والمصير المشترك.

وتأتي كلمة المناضلة عائشة لخماس، التي ألبست مجموعة نصوص كتبها الراحل بلمقدم، في مرحلة كمون سياسي هش، وارتداد ديمقراطي متلاحق، معبرة عن غضب لا حدود له، يلتحفه هدر وافر للإحساس بالحياة، وخوف متسارع نحو المجهول، تقبض على أشياء من وصيب النوسطالجيا، كأنها تحاول صياغة معانٍ جديدة لاستعارات مفقودة، من دون أن تحجب عن إحساسها الجارف بالانتماء إلى الجسد الغائب، سعة الوجد وبهاء التشبب والاشتياق.

كلمة تمتح من قاموس الشعر ولغة القلب آيات الوفاء والاعتزاز، ممهورة بتيمات منذورة للصداقة والوهج وانشراح النفس، والاقتبال على البوح. وهو ما يعكس مضمون الكتاب المنتقى بعناية، والذي يحمل عنوان “ملكوت الكلام”.

أن امتلاك الشجاعة، في هكذا مواقف، مطبوعة بالحميمية والخاصية الشخصية، هو احتواء لمدى قدرة وصمود القناعات والامتدادات على عبور المصاعب وآثارها المدمرة، وانحياز صريح إلى منطق الفعل والصيرورة والإصرار على المغامرة واستكناه الوعي.

أن وحدة الهدف والمقصد ينهضان على إصابة المعنى وحدوث التغيير، وهو ما يستوعبه انسجام الخطين وارتفاعهما على نحو يجسد “عقل الثورة” وبيانية المسار، بما يشمل كل مناحي المعرفة والانتماء السياسي والعلاقات مع العالم المحيط.

أن الوثاق المتين الذي يجمع المثالين الملهمين هو أعظم وثاق، وأبلغ امتداد لتلك الهوية وذلك الانتماء الموحد، كون آصرة الحب دليل على صفاء الجامع ومعقوديته في الامتداد الزمني والنوع القيمي، فكل إنسان يصبح شاعرا إذا لامس قلبه الحب، بتعبير أفلاطون.

ذلك الاقتدار الأصيل يجعل العلاقة بين شخصين علاقة خارج سياق النهاية؛ بل إن هذا الاقتدار على التشاكل والتوحد يجزي بالعقل أن يبدع بالوصال السرمدي، والتجرد من أي تملك ناقص. ولهذا، قيل:” الحب شيء لا منته، فالحب الذي ينتهي لا يكون حبا حقيقيا”.

من أجمل ما قرأت عن “الحب” ما أوقده اليونانيون في ثقافتهم الفلسفية الحكيمة، من حيث كونه صوغ ثاوٍ للحب يطلقون عليه الـ”فيليا” يعبر عن الدافعية والتحفيز، كما يعبر في العمق عن الارتباط بالمحبوب بوعي أسطوري “استعاري” مطبوع بالوفاء والصدق والنبل.. ولا يملك هؤلاء المستنيرون بالـ”فيليا” الضغائن والأحقاد تجاه بعضهم البعض، كما أنهم يعجبون بعضهم البعض؛ فلا تنبثق فيليا من العدوانيين، والثرثارين والظالمين، بل إن المودة والحميمية والسلوك المثالي هو أجمل ما يربط بينهما.

لا يحسن الظفر بمثل هذه المعاني دون الختم بصاحب “طوق الحمامة”، ابن حزم الأندلسي، الذي قال في تحفة له عن “الحب”: (أن الحب.. شيء لا تدرك معانيه ولا يوصف إلا بالمعاناة. كما أن جميع أنواع الحب القائمة على المنفعة الحسية تزول بسرعة، وتنتهي بانتهاء عللها باستثناء العشق المتأصل والمتوغل في النفس، فلا ينتهي إلا بالموت).

وهو ما كان جامعا مانعا، لقلبين اختارا “ملكوت الكلام” على منسج الحياة التي تدوم ببعضهما ولا تتوارى (عائشة لخماس ومحمد بنلمقدم).

لا توجد تعليقات:

للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.

أضف تعليقك