المحاماة، قانون المالية والفرسان الموازانية

المحاماة، قانون المالية والفرسان الموازانية
... رأي / الجمعة 01 نوفمبر 2024 12:29:03 / لا توجد تعليقات:

مغربنا 1 المغرب

لقد أتى مشروع قانون المالية لسنة 2023 بمقتضيات همت مراجعة نظام فرض الضريبة على المحامين والشركات المدنية المهنية للمحاماة، والمتمثلة في إقرار أداء تسبيق عند إيداع أو تسجيل مقال أو طلب أو طعن أو عند تسجيل نيابة أو مؤازرة في قضية أمام المحكمة وعند تقديم المقالات المبنية على طلب والمعاينات. وفي هذا الصدد لا أود مناقشة مضمون هذه المقتضيات التي لا يتسع المجال لتناولها في هذه السطور المحدودة، التي أقتصر فيها على القول بأن فضاء مناقشتها هو السلطة التشريعية بمنأى عن الطريقة التي تم بها تنزيل المشروع المثير للجدل. فهي بكل صراحة حشو يطال قانون المالية اصطلح على تسميته بالفرسان الموازانية Les cavaliers budgétaires. باعتبار أن مصطلح الفرسان يعني تلك المقتضيات المتضمنة في مشروع أو مقترح قانون والمعتبرة وفقا للضوابط الدستورية والقانونية المؤطرة لقواعد التشريع غير متلائمة مع طبيعته. أي أن المقتضيات التي همت الضريبة على المحاماة هي فارس موازاني مخالف لمقتضيات الفصل السادس من قانون المالية لسنة 2015 بمثابة دستور قانون المالية، الذي نص في فصله السادس على أنه: “لا يمكن أن تتضمن قوانين المالية إلا أحكاما تتعلق بالموارد والتكاليف أو تهدف إلى تحسين الشروط المتعلقة بتحصيل المداخيل وبمراقبة استعمال الأموال العمومية”.

وأعتقد أنه آن الأوان لكي تكف الحكومة على الزج بالفرسان الموازانية Les cavaliers budgétaires لتبييض نصوص قانونية، عن طريق سلوك مساطر سريعة تتضمنها القوانين المالية يفترض فيها المرور عبر القناة التشريعية العادية، وهي ممارسة بدأت تطبع -بضم التاء- معها الحكومة في قوانين المالية، نأخذ على سبيل المثال لا الحصر قانون المالية رقم 26-04 لسنة 2005 الذي وضع بمقتضى مادته 22 كتاب المساطر الجبائية، وكذا قانون المالية لسنة 2006 رقم 35-05 الذي وضع بمقتضى مادته السادسة كتاب الوعاء والتحصيل، قبل أن تعدل أحكام قانون المالية لسنة 2007 رقم 43-06 بمقتضى مادته العاشرة لكي تجمع المقتضيات المذكورة تحت اسم المدونة العامة للضرائب. بل استمرت هذه الممارسات بتنزيل الفصل 9 من قانون المالية لسنة 2020 الذي هم الإجراءات المسطرية لتنفيذ الأحكام على الرغم من أن مجالها الخاص هو قانون المسطرة المدنية.

إن الحكمة من التمييز بين الأحكام التي تتعلق بالموارد والتكاليف أو تهدف إلى تحسين الشروط المتعلقة بتحصيل المداخيل وبمراقبة استعمال الأموال العمومية؛ وبين غيرها من الأحكام التي تقتضي اللجوء إلى السلطة التشريعية؛ هو كون هذه الأخيرة تتطلب نقاشا موسعا تناقش فيه القوانين التي تحكم المكلف بالضريبة من كافة مناحيها سواء المالية باعتبار أن الضريبة هي إيراد للخزينة العامة، أو الاقتصادية باعتبارها أداة من أدوات الدولة لتحقيق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي والسياسي للرفع من معدل النمو وحماية الاقتصاد الوطني من المنافسة الخارجية من جهة، ومن جهة أخرى من أجل إقرار عدالة ضريبية واضحة المعالم حماية للحقوق والحريات.

إن عدم التوفر على نظام ضريبي ناجع يسمح بتغطية النفقات لا يمكن أن يبرر ركوب الفرسان الموازانية لمحدودية نتائجها ولتأثيرها السلبي غير المباشر على الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، بل يتعين إبداع حلول عن طريق اللجوء إلى استثمارات منتجة تؤدي إلى الرفع من مستوى النمو. ولعل انتفاضة المحامين هي صرخة محذرة من الارتجال الذي قد يطال التشريع الضريبي والذي لا يمس المهنة وحدها بقدر ما يشوش على الاستقرار الاقتصادي والاجتماع الذي لا يمكن تحقيقه “عن طريق إحداث تغييرات و إجراءات تهم مهنة المحاماة قد تصل إلى سن نصوص عقابية..”، كما جاء على لسان السيد وزير العدل بمجلس النواب أمام لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس النواب في نونبر من السنة الفارطة.

لا توجد تعليقات:

للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.

أضف تعليقك