مغربنا 1 المغرب
لقد شكل حدث المسيرة الخضراء لسنة 1975 عقيدة سياسية بامتياز، ومرجعية مفاهيمية تغطي كل القاموس السياسي المغربي: مسيرة اقتصادية، مسيرة اجتماعية، مسيرة سياسية… كأسطور للوحدة الوطنية، والإجماع السياسي حول شخص الملك باعتباره مبدع المسيرة، والتي ليست في الواقع سوى “المسيرة الحسنية” كإطار رمزي وسلوكي للتعبئة لكل الطاقات الوطنية. فكيف استطاع إذن هذا الحدث الوطني العادي أن يتحول إلى عقيدة تعبوية وتوحيدية للسلطة السياسية وللنظام السياسي المغربي؟
لقد كان لإعلان المسيرة الخضراء مردودية رمزية وسياسية، لا تقل عن نتائجها الميدانية، وذلك بفعل تعزيز مكانة المؤسسة الملكية وإعادة حشد الشعب بكل مكوناته السياسية والاجتماعية والثقافية حول شخص الملك كرمز لوحدة الأمة وحامي حوزتها الترابية.
وبالفعل فقد حرص الحسن الثاني من خلال تنظيم المسيرة الخضراء على إظهار شخصه للرأي العام الداخلي على أنه سيد اللعبة السياسية بدون منازع، كما حرص على شحنها بدلالات رمزية وطقوسية إلى أقصى الحدود: القرآن بدل البندقية، قسم المسيرة، الصلاة الجماعية التي قام بها المشاركون بعد اختراق الحدود الوهمية…
لذلك فإن قيمة وأهمية الموارد السياسية والرمزية لهذه المسيرة تجعل منها فعلا حدثا تعبويا لا مثيل له في التاريخ السياسي المغربي الحديث، باعتبارها ليس فقط مسيرة خضراء ولكن مسيرة صلة الرحم ومسيرة الولاء ومسيرة الوحدة؛ لذلك لم يتوان الحسن الثاني في التذكير بهذا الحدث بعدما أصبح ذكرى وطنية.
وبالفعل فإن قيمة المسيرة الخضراء كحدث آني ورمزي تكمن في أنها تخيلت وأعدت ونظمت ووجهت بتعليمات ملكية مباشرة وشخصية وميدانية، فالأحزاب السياسية والجماهير الشعبية لم تقم سوى بالتطبيق الحرفي للتعليمات الملكية.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك