أربع ركائز أساسية لخطة تنموية ناجحة بالمغرب

أربع ركائز أساسية لخطة تنموية ناجحة بالمغرب
... رأي / الجمعة 01 نوفمبر 2024 12:29:03 / لا توجد تعليقات:

مغربنا 1 المغرب

منذ استقلاله، دخل المغرب حقل التجارب والإصلاحات من أجل بلورة نموذج للتعليم والصحة والتنمية، وبعد أزيد من 67 سنة على استقلاله، لم تؤت هذه التجارب أكلها كما كان متوقعا، وها هو المغرب يضع، مجددا، مخططا تنمويا جديدا وهذا عمل محمود نتمنى له التوفيق، لكن بماذا قام المغرب لمعرفة أسباب فشل جل التجارب السابقة؟ وما دور برامج الأحزاب التي تعاقبت على الحكومة في بلورة سياسات لتنزيل هذه البرامج؟

إن معرفة هذه الأسباب وتقييمها هو جزء كبير من إخراج وتطبيق نموذج تنموي جديد. وكإطار سام في وزارات عدة في الحكومة الكندية، ونظرا لمعاينتي برامج تنموية كندية عديدة طبقتها الحكومات المتتالية خلال فترة تزيد عن 27 سنة منحتني خبرة واسعة في مجالات عدة، سأحاول في هذا المقال المقتضب الاقتراب من أهم العوامل التي أعتقد أنها تقف عائقا في وجه التنمية بالمغرب.

في نظري، لكي يتمكن أي نموذج تنموي من النجاح، يجب التركيز على الركائز الأربع التالية: التعليم، الصحة، الوظيفة العمومية والرقمنة.

التعليم هو أساس كل شيء وبدون تعليم لا يمكن لأيّ نموذج تنموي أن يعطي النتائج المتوخاة منه. وإصلاح التعليم يجب أن يكون أولى الأولويات في بلادنا، ويجب ألّا يقتصر على المواد الدراسية فقط، بل أن يتمحور حول أربعة محاور:

أ‌. تحسين تكوين أطر التعليم وكذا وضعيتهم المالية.

ب‌. مراجعة المناهج والطرق التربوية لتساير متطلبات العصر والعولمة.

ج‌. إعطاء أولوية قصوى لتطوير روح المواطنة والأخلاقيات عند التلاميذ منذ صغر سنهم لكي تتكون لدى المغرب نخبة جديدة تطمح إلى تطوير وتقدم البلاد أكثر مما تطمح إلى تطوير رصيدها البنكي.

د‌. إعادة هيكلة المؤسسات التعليمية على كل المستويات حتى تتمكن من توفير تعليم في مستوى ما هو متعارف عليه دوليا وليكون التلميذ والطالب هو محور العملية التعليمية. يجب على المؤسسات التعليمية أن تساير متطلبات العصر والعولمة في كل الميادين: البرامج التربوية، التسيير الإداري، استعمال التكنولوجيا إلخ.

أرى أن المشكلة التي يعاني منها المغرب فيما يخص التعليم لا تنحصر في المشكل المادي، بل تشمل أيضاً مشكل الكفاءات والفعالية كما نص على ذلك تقرير صندوق النقد الدولي عام 2016؛ إذ لخص مشكلة التعليم في المغرب في عدم كفاية الكفاءات، ما يشكل عائقًا أمام تشغيل الشباب ويحد من القدرة التنافسية والقيام بأنشطة اقتصادية ذات قيمة إضافية عالية.

التعليم الأساسي الجيد يزود الأطفال والشباب بالمعرفة والمهارات التي يحتاجونها لمواجهة التحديات اليومية والاستفادة من الفرص الاقتصادية وفرص التعلم مدى الحياة. والتعليم أيضا عنصر أساسي للحد من الفقر، وتعزيز النمو الاقتصادي، وتعزيز التنمية الاجتماعية.

في خطابها في الدورة السابعة والستين لمنظمة الصحة العالمية سنة 2014، أكدت المديرة العامة آنذاك أن تحسين الصحة من السبل اللازمة للقضاء على الفقر وتحفيز النمو. والحكومة الكندية تجعل من الصحة أحد الركائز المهمة لمحاربة الفقر وتحقيق التنمية والنمو الاقتصادي.

إن هذه السبل تنطبق كذلك على المغرب حيث تعاني المناطق النائية من قلة الكوادر الطبية، مما يفرض على الساكنة الانتقال الى المدن الكبرى لتلقي العلاج، وهو ما يفرض عليها نفقات إضافية.

“الصحة للجميع” يجب أن يكون شعار أي برنامج تنموي، ويجب مراجعة النظام الضريبي حتى تتمكن الدولة من تمويل مشاريع الصحة في المناطق النائية.

إن دعم الصحة وجعلها في متناول الجميع سوف يحسن ظروف الطبقة الهشة والمتوسطة، وهنا لا يسعني إلا أن أتمنى النجاح للإجراءات التي اتخذتها الحكومة الحالية مؤخرا، راجيا ألّا حبرا على ورق. في زمن التكنولوجيا المتقدمة وتعميم الأنترنيت داخل التراب الوطني، يطرح التساؤل عما يعيق اللجوء إلى التطبيب عن بعد لنجنب المواطن عناء السفر في كثير من الحالات.

يجب الايمان بأن ضمان صحة الجميع أمر بالغ الأهمية للقضاء على الفقر، وتحقيق التنمية المستدامة، والمساهمة في النمو الاقتصادي، وضمان مجتمع مزدهر. فأكيد أن الصحة ستظل دوما مؤشرا رئيسيا على تقدم بلد ما، حيث أن البلد الذي يتمتع سكانه بصحة جيدة يكون أكثر قدرة على تحقيق النمو المستدام.

لقد تطرقت في مقال سابق لسبل إصلاح الإدارة العمومية، وهنا أضيف أن الوظيفة العمومية هي الأداة الأهم لتنزيل أي برنامج تنموي على أرض الواقع وبإمكان موظفيها، حسب تجربتي كإطار سام لعقود، إنجاحه أو إفشاله رغم توجيهات الجهات العليا. لذا، يجب إعطاء الأولوية لإصلاح الإدارة العمومية لكي تصبح أداة فعالة في التنمية وليس عائقا من العوائق، وجعلها متشبعة بالمواطنة وروح المسؤولية من خلال برامج تدريبية. في المقابل وكما ذكرت بخصوص موظفي قطاع التعليم، يجب تحسين الوضعية الاقتصادية والمالية لموظفي الإدارة العمومية لتحصينهم من أي إغراءات.

لقد قطع المغرب أشواطا لا بأس بها في الرقمنة من أجل تقريب الإدارة من المواطنين ويمكن للرقمنة أن تساهم بفعالية في النمو الاقتصادي للبلاد وفي محاربة الرشوة وإهدار المال العام، وكذلك خلق فرص شغل جديدة وعالية في البلاد؛ ففي تقرير لها تحت عنوان “تسخير الاقتصاد الرقمي لخدمة الدول النامية”، تطرقت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، التي تتكون من 36 دولة، إلى الأهمية القصوى التي تكتسيها الثورة الرقمية والتي لا يمكن للدول النامية تجاهلها، وأكدت أن الاقتصاد الرقمي سوف يمكن هذه الدول من إنجاز نمو اقتصادي مستدام وشامل.

فالاقتصاد الرقمي يعزز النمو والإنتاجية، وهو مرتبط بمدى تقدم الاستثمارات في تكنولوجيا المعلوميات والاتصالات؛ فقد بدا واضحا خلال جائحة كوفيد-19 مدى أهمية قوة البنية التحتية في الميدان التكنولوجي التي كان لها أثر عميق على مجالات عدة كالتعليم والتجارة الإلكترونية والوظيفة العمومية.

إن تكثيف الاستثمار في مجال التكنولوجيا المعلوماتية سوف يمكن المغرب من تحقيق قفزة نوعية. وعلى الدولة تحفيز الشركات الخاصة والإدارة العمومية على العمل بشكل متناسق مع الشركات المتخصصة في تكنولوجيا المعلوميات والاتصالات للخروج بمخطط في مجال التكنولوجيا المعلوماتية والاتصالات يكون سندا لأي مخطط تنموي جديد.

لقد أصبحت الرقمنة إحدى ركائز التنمية؛ فوفق تقرير جديد للبنك الدولي، فإن الرقمنة الكاملة للاقتصاد، بما في ذلك الخدمات المالية، من شأنها أن تؤدي إلى زيادة نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 46٪ على الأقل على مدى 30 عاما في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

أكد تقرير للوكالة الكندية للإحصاء التي أجرت بحثا طال سنوات عدة أن الصناعات كثيفة الاستخدام للرقمنة شهدت نموا أعلى في إنتاجية العمالة على مدى العشرين سنة الماضية مقارنة بالصناعات الأقل استعمالا للرقمنة. وخلال الفترة من 2002 إلى 2019، زادت إنتاجية العمل بنسبة 22.1٪ في الصناعات الكثيفة رقميا، مقارنة بـ 6.3٪ في الصناعات منخفضة الرقمنة.

في الختام، ولتحقيق وبناء هذه الركائز، يجب وضع خطة استراتيجية موحدة بين الوزارات وكافة الإدارات العمومية تحت إشراف قيادة موحدة قد تتمثل في وزارة أفقية جديدة وبعيدة عن التجاذبات السياسية، كما يجب التطرق لازدواجية الإنفاق وتداخل المسؤوليات.

لا توجد تعليقات:

للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.

أضف تعليقك