طارق ليساوي يكتب:الكرة و مفارقات المجتمعات العربية..

طارق ليساوي يكتب:الكرة و مفارقات المجتمعات العربية..
... رأي / الجمعة 01 نوفمبر 2024 12:29:03 / لا توجد تعليقات:

مغربنا 1 المغرب أشرت في مقال “على ضوء إقصاء المنتخب الجزائري من البطولة الإفريقية: لماذا الحرص “الأعمى” على تغيير سيكولوجية الشعبين الشقيقين؟” وعند متابعتي لمباراة يوم أمس 20 يناير2022 بين المنتخبين الجزائري والإيفواري، أصبت بحالة من الدهشة، كيف أن الجمهور المغربي أصبح متعاطفا و مشجعا لمنتخب بعيد جغرافيا و ثقافيا و حضاريا، على حساب منتخب بلد جار و شقيق ، و الغريب أن ذات الجمهور هو من خرج في مناسبات مماثلة للشوارع فرحا و احتفالا بفوز المنتخب الجزائري ، و أذكر في إقصائيات كأس العالم بروسيا كنت من المداومين على متابعة المنتخب الجزائري و كذلك غالبية المغاربة..و قد كتبت في حينه سلسلة من المقالات ذات الصلة بملف موركو 2026، و لعل تصويت الجزائر لصالح الملف المغربي ، جعل الشعب المغربي يقدر هذا الموقف الرجولي و الأخوي من الجزائر شعبا و حكومة …فمن المسؤول عن هذا التحول الراديكالي في سلوك الجمهور المغربي أو بدقة بعض شبابه في الغالب، من المؤكد أن السياسة و الدعاية السوداء لها حظها الأكبر في تحقيق هذا التحول. وقد تابعت تعليقات القراء على المقال المنشور بهذا المنبر “رأي اليوم” أو على صفحتي الرسمية أو برنامج “إقتصاد × سياسة”، و من ضمن تعليقات القراء تعليق كتبه الأستاذ ( ع-ف) و قال فيه: ” ماذا تنتظر من شعب يصرخ في المقاهي و هو عاطل ، غريبة خاصها “يلزمها” دراسة إجتماعية و نفسية ” هذا التعليق و غيره دفعنا إلى تعميق النقاش الكروي السياسي و قادني النقاش بمعية فريق برنامج “إقتصاد × سياسة”، ، و بخاصة رئيس التحرير إلى خلاصات و استنتاجات عميقة تصب في الاتجاه الذي طرحه الأستاذ ( ع.ف) في تعليقه، وليسمح لي القراء الكرام بإشراكهم في هذا النقاش و الغاية طبعا هو رفع منسوب الوعي و توعية الشعوب أن مصائرها بيدها و أن الكرة مجرد لعبة و تسلية لا يمكن الرهان عليها لتحقيق تنمية أو نهضة، و إنما يتم توظيفها بشكل مدروس لتخدير الشعوب و تلهيتها عن ما يهمها حقا…و سأقسم هذا النقاش الطويل و المتشابك، لسلسلة من المقالات إن شاء الله تعالى… و هذا النقاش توجه نحو الكرة و علاقتها بالمجتمع و اختلالاته و نواقصه، و مما يثير الاهتمام و الانتباه، خاصة و نحن نتابع موقف النخب السياسية سواء التي في السلطة أو المعارضة، و كيف أن من كانوا بالأمس في كراسي المعارضة، بمجرد أن وصلوا لمواقع الفعل و “التهديف” تغيرت مواقفهم..و لعل هذا الانقلاب هو نفس ما نراه في أداء اللاعبين فعندما يشاركون في أنديتهم “الأروبية” يسجلون نتائج أفضل و يظهرون لياقة و كفاءة أفضل مما يبدونها عند مشاركتهم في المنتخبات الوطنية…  هذه المفارقة تقودنا إلى مفارقة أكبر و هي العلاقة بين المجتمع و الدولة، بين المعارضة و الحكم، فنحن نلاحظ أن هناك شخصيات و هيئات سياسية كانت لها مواقف سياسية قبل الالتصاق و الانخراط في المؤسسات العمومية، لكن بمجرد الولوج إليها تغيرت المواقف و التوابث، فهل هؤلاء يحق عليهم القول الشعبي ” قلب المعطف” ، لماذا المعارضة تتغير بمجرد دخولها لملعب الحكم، وقد رأينا ذلك في أغلب بلدان الربيع العربي…؟؟ و نحن نتابع موقف الجمهور الرياضي المتفرج، نتساءل إلى متى تبقى النخبة المثقفة في موقع الناقد، أو بالأحرى في موقع المنسحب من مؤسسات الفعل السياسي المنظم و القانوني؟ والإكتفاء بالاحتجاج القطاعي ” كل يضرب على عراموا”، فعندما يتأذى قطاع التعليم يخرج رجال و نساء التعليم للإحتجاج، و عندما يتأذى المحامون يخرجون إلى الشارع و نفس الأمر بالنسبة للأطباء و هلم جرا..و الأمر غير محصور في النخبة بل يشمل عموم الشعب، فالغالبية منسحبة و غير مهتمة بالشأن السياسي، فالشعوب العربية في الغالب غير مهتمة بما يجري في المطبخ السياسي اليومي و الأني ، و غير متابعة للشأن العام ، إلا في حالة واحدة عندما يكون البلد مهدد بحرب أو جائحة … فلماذا الاهتمام المبالغ فيه من قبل عموم الشعب بالشأن الكروي وخاصة في مباريات المنتخبات ” الوطنية ”  ؟ فالوطنية عند عموم الشعب تختزل في الكرة أو الرياضة بشكل عام…فالوطنية عند عامة الشعب لا تدق الأجراس إلا في ساعة وساحة الحرب أو وجود حالة التهديد الخارجي، أما في حالات ىالسلم ، فعامة الشعب تركن لهم الخبز اليومي و لا تهتم بما يجري في إدارة الشأن العام، هذا الاهتمام يغيب في معارك ذات أهمية بالغة، لتحصين الوطن من مخاطر الجهل و الفساد و الاستبداد و الفقر و التهميش و الطبقية و العنصرية… خاصة و أننا لاحظنا في العديد من البلدان العربية هناك شبه ترحيب و قبول ضمني و صريح بالعدو الأجنبي لغزو البلاد و التدخل في الشأن الداخلي ، رأينا ذلك من خلال فرحة قطاعات واسعة من الشعب العراقي بغزو العراق و قبول ضمني بالاستعمار العسكري المباشر، نفس المشهد يتكرر في ليبيا و سوريا و اليمن و هلم جرا، وهذا القبول الضمني أو الصريح بالأجنبي نابع من أنه سيضع المشانق للمسؤولين الفاسدين و المستبدين ، أو على الأقل إزاحتهم من مناصبهم ، في الوقت الذي اختارت الشعوب بنخبها المثقفة و عامة الناس الجلوس في مدرجات  الفرجة و الصمت… وصلة بكرة القدم والمنتخبات ” الوطنية”، نلاحظ أن حضور الوطن يقتصر على الجمهور المتفرج و على أموال دافعي الضرائب، أما المشاركين و المؤثرين على أرض الواقع والمستفدين من “اللعبة” فليسوا منتمين في الغالب للوطن، فأغلب المدربين و الأطر التقنية أجنبية في الغالب، و حتى اللاعبين و لدوا في الخارج و حصلوا على تعليمهم و تكوينهم و مهاراتهم الكروية في الخارج و يمارسون في أندية أجنبية.. أيها السادة الكرة تلخص كثير من المفارقات التي تعيشها مجتمعاتنا العربية، لماذا لا توجد هبة وطنية دائمة و ليست ظرفية و في حالة التهديد الأجنبي و أثناء الغزوات الرياضية ، فالشوارع أثناء مشاركة المنتخبات الوطنية شبه فارغة، و المقاهي حبلى بالمفترجين ” فلا وحش يسير و لا طائر يطير” .. و سنحاول في مقال موالي إن شاء الله تعالى  استكمال هذا النقاش الكروي – السياسي … و الله غالب على أمره و لكن أكثر الناس لا يعلمون…

لا توجد تعليقات:

للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.

أضف تعليقك