حين تُدان اللحية وتُبرَّأ السياسات العمومية..ما الفرق بين شعر الوجه وشعر المؤخرة؟

حين تُدان اللحية وتُبرَّأ السياسات العمومية..ما الفرق بين شعر الوجه وشعر المؤخرة؟
... رأي / الاثنين 28 أبريل 2025 - 09:00 / لا توجد تعليقات:

أنتلجنسيا المغرب:فهد الباهي/م.إيطاليا

بعد الفاجعة الدموية التي شهدتها مدينة "بن أحمد"، بدأ سيل من التعليقات، بعضها عفوي وبعضها محشو بسمّ جاهز لتصفية الحسابات الأيديولوجية والخلفيات والمرجيعيات..، ولم تمض ساعات حتى طفت على السطح عناوين "شفتو بولحية شنو دار" و"الإسلاميين صحاب اللحايا قتالة"، وكأننا أمام جريمة ارتكبها شعر الوجه وليس إنسانًا مريضًا مضطربًا.

ما هذا ؟.

ليس كل من أطلق لحيته يصلي، وليس كل من يصلي بريء، وليس كل من دون لحية مجرم، الشعر في الوجه لا يحمل صك الجريمة ولا يفرز نية القتل، نفس هذا الشعر ينمو في مناطق أخرى من الجسد، الأبطين الفرج والقضيب، المؤخرة .

فهل نحاكم المؤخرة؟

هل ندين الرجل فقط لأن عنده شَعرًا في ذقنه؟

ما وقع في المدينة الصغيرة "بن أحمد" مأساة دامية ترفضها كل القوانين والشرائع، وتستنكرها كل الأديان والملل بلا استثناء، فلا أحد يجادل في فظاعتها، ولا في فداحة ما ارتُكب.

لكن المؤسف أن تتحول هذه الجريمة إلى مطية للهجوم على مظهر خارجي للإنسان، وكأن المأساة في اللحية لا في الفعل الإجرامي ذاته، فالشعر في الوجه ليس حكرًا على دين دون آخر، بل هو سِمة بشرية، تعتز بها طوائف يهودية وتتباهى بها جماعات نصرانية وتفتخر بها ثقافات تركية وفارسية وغيرها.

فكيف نسمح لأنفسنا أن نحشر لحية رجل في دهاليز الجريمة، ونتغاضى عن البُعد الحقيقي للقضية؟ .

الحدث أكبر من لحية وأبعد من مظهر، نحن أمام جريمة حقيقية بكل معانيها، سفك للدم، وتمثيل بالجثث، وصدمة مجتمعية، والمفجع أن المؤسسات المعنية، الأمنية منها والصحية، كانت على علم مسبق بخطورة هذا الشخص، بشهادة ساكنة الحي التي أكدت تقديم 59 شكاية رسمية ضده، ومع ذلك تُرك طليقًا، حتى حول اسمه من "سعيد" إلى عنوان للحزن.

كيف يعقل أن يُقتاد شخص للطب النفسي مرارًا ثم يُترك حرا طليقا؟

هل أصبحنا ننتظر الدم حتى نُصدق أن المريض النفسي بحاجة للعلاج؟

هذا هو السؤال الجوهري، وليس كم يبلغ طول لحيته، وهل في وجهه لحية حتى نحدد إنتماءه وعقيدته، ما هذا الهراء.

الوزير المسؤول عن الصحة عليه أن يقدم أجوبة شافية، هناك ضحايا، هناك أسر مكلومة، وهناك مجتمع يترنح تحت وطأة الإهمال، الأمن قام بدوره، لكن الأمن ليس مستشفى، حين يُطلق المرضى دون علاج، فهذه خيانة صحية واجتماعية.

رئيس الحكومة بدوره مطالب اليوم بأن يوضح لنا لماذا تُصرف الملايير على ملاعب تظل فارغة لشهور، ولا تُصرف على مراكز الصحة العقلية وباقي الضروريات؟

المواطن الذي نحتاجه كل دقيقة يُترك يواجه جنون غيره دون حماية، فقط لأن الحكومة مشغولة بالواجهة وليس الأساس، أين ذهبت 1300 مليار؟

هل ضاعت في طريق "شناقة" الانتخابات؟

أم أُغرقت في مشاريع "النفع المؤجل"؟

كان من الممكن بها بناء مستشفيات في كل مدينة، لا مجرد منشآت رياضية للاستهلاك الموسمي.

ما جرى في ميدنة  "بن أحمد" ليس مجرد جريمة قتل، بل هو عطب في نظام كامل، السفاح لم يسقط من السماء، بل خرج من وسطنا، من حكاية مكررة عن الإهمال واللامبالاة وفشل السياسات العمومية والتسامح مع الفاسدين، كل هذه الأسئلة عن كيفية التقطيع وعدم وجود دم، عن روائح غريبة، عن طاقة بدنية مريبة، تدفعنا إلى النظر أعمق هل الرجل وحش أو كائن فضائي رغم المبالغة الواضحة في وصفه، أم ضحية لسياسات لا ترى الإنسان إلا رقما في سجلات انتخابية .

إننا نعيش مرحلة خطيرة، تزايد فيها الاكتئاب الجماعي في صفوف الفقراء المغاربة المسحوقين، وتضخمت الأعباء النفسية، وزادت نوبات العنف الفردي، وهذا ملاحظ، والمخيف أن ننتقل من سفاح فرد إلى جماعات ناقمة حاقدة تخريبية في المجتمع ككل، لأن ما يحصل هو احتقان اجتماعي صامت يُطبخ على نار الغلاء والاحتقار والتفقير والتجويع.

علينا أن نتحرك، ليس بإدانة اللحية أو الشَّعر، بل بإدانة كل مسؤول فرّط في واجبه، آن الأوان أن يُعاد ترتيب الأولويات، الحق في التعليم والصحة والسكن، في الكرامة، في الحماية، لنُسمِّي الأمور بأسمائها الحقيقية، السفاح ارتكب جريمته، ولكن هناك شركاء له في الجريمة، شركاء بصمتهم، بتقصيرهم، بتواطئهم غير المباشر في حق المجتمع المغربي، وإن لم نُحاسب هؤلاء، فواقعة مدينة "بن أحمد" لن تكون الأخيرة.

الجرائم الفردية انعكاس لانفلات جماعي الأخلاقي التربوي والتوعوي..وكل ضحية جديدة هي صفعة في وجه الصمت القاتل الغادر، فلنكسر هذا الصمت، ولنبدأ بإعطاء المواطن ما يستحق، الحقوق أولًا، ثم نحاسب من يخرق القانون، بلحية أو بدونها.

لا توجد تعليقات:

للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.

أضف تعليقك