أنتلجنسيا المغرب: فهد الباهي/م.إيطاليا
بعد المقاطعة التاريخية التي نفذها
جمهور قطبي الدار البيضاء، الرجاء والوداد، والتي شلّت ديربي العاصمة الاقتصادية
وأوصلت الرسالة بأبلغ تعبير، عاد سؤال كبير ليطرح نفسه بقوة: هل آن أوان المقاطعة
السياسية؟
فقد كان مقاطعة الجماهير المدرجات
أكثر من مجرد احتجاج رياضي، بل صفعة قوية في وجه من يمارسون الحكرة تحت عباءة
النفوذ والاحتكار والمؤسسات الفارغة من العدالة.
مشهد الديربي الخاوي لم يكن مجرد فراغ
في مدرجات، بل فراغًا أخلاقيًا وسقوطًا مدويًا في شرعية منظومة تتغذى على
الاستغلال والتمييز الصارخ، حين يتحول عشق الكرة إلى منصة للتعبير السياسي الراقي،
يصبح الصوت الشعبي أقوى من أبواق التلميع ومنصات التبرير.
فضيحة تسريبات "CNSS"، التي عرت جانبًا آخر من أوجه العبث: أجور
خيالية لمسؤولين عموميين، بعضهم يتقاضى أزيد من 125 مليون سنتيم شهريا، في وقت
يُحاصر المواطن البسيط بـ"إشعارات الأداء" وملاحقات ضريبية على مبالغ
هزيلة.."قالك أسيدي المؤشر طالع ممنوع من 500 درهم الأمو".
تلك الأرقام الفلكية لا تمثل فقط
فوارق طبقية، بل تكشف عن سياسة منهجية لـ"نفخ جيوب الكبار" على حساب جلد
الفقراء، إنها عقلية "زيد الشحمة في ظهر المعلوف"، التي لا تكتفي بتفقير
المواطن بل تُمعن في إهانته بتجويع مزدوج، مادي ومعنوي، اليوم، أصبح الغضب الشعبي
أكثر تنظيمًا ونضجًا، وصار الوعي الجماهيري يدرك أن المعركة لا تهم فقط مباراة
ديربي أو ضريبة ظلم، بل تتعلق ببنية سياسية واقتصادية تحكمها عقلية الاستثناء
واللامساواة.
فإذا كانت المقاطعة قد نجحت في شل
ديربي رياضي، فهل تكون الخطوة المقبلة شلّ ديربي سياسي قائم على التكرار والولاءات
الفارغة في إقصاء للشباب؟
هل يتجه المغاربة لمقاطعة انتخابات لا
تفرز سوى نفس الجوه وسياسات تقليدية تعمّق الأزمة بدل حلّها؟
المواطن الذي يُحاكم على 500 درهم،
بينما تُصرف الملايين على امتيازات ومناصب ريعية، لم يعد مستعدًا لتحمل هذا العبث،
صبر الناس ليس بلا نهاية، وحدود التحمل الاجتماعي وصلت منسوبًا مقلقًا ينذر
بالانفجار أو القطيعة التامة مع هذه المنظومة، الأصوات التي بدأت تتعالى اليوم
ليست هامشية، هي تعبير عن وجع حقيقي، عن إحساس عام بالخيانة من طرف من يُفترض أنهم
حماة للمصلحة العامة، فإذا بهم يتناوبون على مائدة الريع ويمتصّون ما تبقى من
كرامة الناس.
التسريبات لم تكن فقط اختراقًا
سيبرانيًا، بل كانت اختراقًا لجدار الصمت والرضى الكاذب، لقد أزالت القناع عن
الواجهة الزائفة وأظهرت بشاعة منظومة سياسية لا يرى فيها المواطن سوى رقم في لائحة
الضرائب، المفارقة المرّة أن المواطن يُطالب بالوطنية والالتزام والواجبات، بينما
تُهدر حقوقه ويُعامل وكأنه عبء على الدولة لا شريك أساسي فيها.
الحكومة لا تتعامل كمواطنين في دولة،
بل شركة مغلقة يستفيد منها المحظوظون ويدفع ثمنها المنسيون.
فهل يتحول الغضب من ملعب محمد الخامس
إلى ساحة سياسية أوسع؟
وهل يقرر المواطن أن يمتنع عن
التصويت، ليس كفعل سلبي، بل كموقف واعٍ برفض نظام الزبونية والظلم والقهر والتهجير
وحكومات متتالية فقدت بوصلت العدالة والمنطق؟
إن المقاطعة السياسية لا تعني العزوف،
بل قد تكون أقوى شكل من أشكال الاحتجاج حين تُمارَس بوعي جماعي ورسالة واضحة: لسنا
قطيعًا يُستدعى كل خمس سنوات، نحن أصحاب حق وموقف ورؤية، الكرة الآن في ملعب
الشعب، والشوارع التي هتفت لفلسطين واحتجت على الغلاء قادرة على أن تفتح جبهة
جديدة ضد استغلال النفوذ والعبث بالثروات بطرق سلمية حضارية معهودة في المغاربة .
قد تكون المقاطعة القادمة ليست لديربي
كروي، بل لشرعية سياسية لا تُنتج سوى الخذلان.
وفي لحظة حاسمة كهذه، قد يكون الصمت
تواطؤًا، والمشاركة العمياء تزكية للظلم، المغاربة اليوم أمام خيار: إما الصبر على
الحكرة، أو كسر القيد بصوت المقاطعة السياسية الواعية كحل سلمي حضاري يضع
المسؤولين أمام حقيقة تاريخية وسياسة يجب أن تبدل وللأبد.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك