بقلم : سمير بوزيد
الكاتب العام لمركز عدالة لحقوق الإنسان يكتب
بادئا ذي بدء، لا يخفى على أحد أن حرية التعبير وحرية
تكوين الجمعيات تشكلان ركيزتين أساسيتين لأي نظام ديمقراطي فعال ومستدام. ومن هذا
المنطلق، فإن محاولة منع الجمعيات من التبليغ عن الفساد لا تعد مجرد إجراء إداري
أو قانوني عابر، بل تمثل انتهاكًا صارخًا للحقوق الدستورية المكفولة في دستور
المملكة المغربية لسنة 2011، وللالتزامات الدولية التي صادق عليها المغرب، والتي
تلزم الدولة بضمان حرية المجتمع المدني وتمكينه من القيام بدوره الرقابي دون قيود
أو مضايقات.
يؤكد الدستور المغربي في عدة مواد على حماية حرية
التعبير وتكوين الجمعيات، وعلى سيادة القانون، ومن أهم هذه المواد:
- الفصل 25 : يقر بحق المواطنين في المشاركة في الشأن العام، بما
في ذلك تأسيس الجمعيات والمشاركة في أنشطتها بحرية تامة.
- المادة 27 : تكفل حرية تأسيس الجمعيات، ولا تسمح بتقييدها إلا
بمقتضى القانون وبما لا يتعارض مع مبادئ الديمقراطية.
- الفصل 6 : يؤكد على أن المملكة تقوم على أساس سيادة القانون، وأن
الجميع متساوون أمامه.
هذه النصوص الدستورية تشكل ضمانة قانونية لحق الجمعيات
في التعبير والإبلاغ عن التجاوزات، بما فيها قضايا الفساد، دون التعرض لأي شكل من
أشكال التضييق أو العقاب.
علاوة على ذلك، فإن المغرب ملتزم بعدد من الاتفاقيات
الدولية التي تحمي حقوق الإنسان وتعزز الشفافية، منها :
- العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي يكفل حرية
التعبير وحرية تكوين الجمعيات.
- اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، التي تلزم الدول الأطراف
بتوفير حماية فعالة للمبلغين عن الفساد.
- العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية،
الذي يربط بين مكافحة الفساد وحماية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
وبناءً عليه، فإن الدولة ملزمة بتهيئة بيئة قانونية تحمي
الجمعيات والمبلغين عن الفساد، وتدعم دورهم الرقابي في كشف التجاوزات ومساءلة
المسؤولين.
تلعب الجمعيات الحقوقية، وعلى رأسها مركز عدالة لحقوق
الإنسان، دورًا محوريًا في مكافحة الفساد وتعزيز الشفافية من خلال :
- رصد الانتهاكات وتوثيقها بدقة وموضوعية، مما يوفر قاعدة بيانات
موثوقة تدعم جهود مكافحة الفساد.
- تقديم الدعم القانوني والمساندة للمبلغين، لضمان حمايتهم من أي
إجراءات انتقامية أو مضايقات.
- الضغط من أجل إصلاحات تشريعية وإدارية تعزز آليات المساءلة
والرقابة.
- التوعية والتثقيف حول حقوق الإنسان وأهمية الشفافية، مما يرفع من
وعي المجتمع بأهمية مكافحة الفساد.
إن منع الجمعيات من التبليغ عن الفساد يقطع هذه السلسلة
الحيوية، ويعطل آليات الرقابة الشعبية، مما يؤدي إلى تفشي الفساد وإهدار المال
العام، ويضعف ثقة المواطنين في المؤسسات.
لا يمكن إغفال الدور الحيوي الذي تضطلع به المؤسسات
الدستورية والهيئات الرقابية، ومنها :
- المجلس الأعلى للحسابات، كمؤسسة مستقلة مكلفة بمراقبة تدبير
المال العام، والتي تعتمد في عملها على تقارير الجمعيات والمجتمع المدني لتعزيز
شفافية الإدارة العامة.
- القضاء الإداري، المختص بالنظر في النزاعات المتعلقة بالصفقات
العمومية والإدارة المالية، والذي يشكل خط الدفاع الأول ضد سوء التدبير والفساد،
من خلال تطبيق القوانين ومبادئ الحكامة الجيدة.
يبرز في هذا السياق القانون رقم 31.13 المتعلق بحماية
المبلغين عن الفساد، الذي ينص على حماية الأشخاص الذين يقدمون معلومات عن الفساد،
ويمنع أي إجراءات انتقامية ضدهم. هذا القانون يشكل ركيزة أساسية لتعزيز مناخ
الأمان القانوني للمبلغين، ويشجع على كشف التجاوزات، ويؤكد على ضرورة توفير آليات
قانونية واضحة تسمح للجمعيات بالقيام بدورها الرقابي بحرية تامة.
الفساد يشكل تهديدًا مباشرًا للحقوق الاقتصادية
والاجتماعية والثقافية للمواطنين، مثل الحق في الصحة والتعليم والسكن اللائق،
والحق في التنمية والعدالة الاجتماعية. ومن زاوية أخرى، فإن منع الجمعيات من
التبليغ عن الفساد يعرقل الجهود الرامية إلى حماية هذه الحقوق، ويؤثر سلبًا على
التنمية المستدامة التي ينشدها المغرب، ويزيد من الفجوات الاجتماعية والاقتصادية.
رصد مركز عدالة لحقوق الإنسان في تقاريره الأخيرة تراجعًا
في أوضاع حقوق الإنسان بالمغرب، مع تسجيل محاولات متكررة لتقييد حرية التعبير
وحرية تكوين الجمعيات، ما يشكل تهديدًا خطيرًا للديمقراطية وفعالية مكافحة الفساد.
كما تؤكد الجمعيات الحقوقية الوطنية والدولية، ومن بينها مركز عدالة لحقوق الإنسان
ومنظمة العفو الدولية، على ضرورة احترام الحقوق الأساسية وعدم تقييد عمل الجمعيات،
لما لذلك من أثر إيجابي في تعزيز الشفافية والمساءلة، وتحقيق التنمية المستدامة.
انطلاقًا مما سبق، يؤكد مركز عدالة لحقوق الإنسان على ما
يلي :
- الالتزام الكامل بالحقوق الدستورية والدولية المتعلقة بحرية
التعبير وتكوين الجمعيات وحق الوصول إلى المعلومات، وعدم فرض قيود تعسفية على عمل
الجمعيات.
- تعزيز الحماية القانونية للمبلغين عن الفساد، وتوفير ضمانات
فعالة ضد الانتقام والمضايقات، مع تطبيق صارم للقانون رقم 31.13.
- تمكين المجتمع المدني عبر بيئة قانونية وتنظيمية تدعم دوره
الرقابي، وتوفر له الحماية اللازمة للقيام بمهامه.
- إشراك الجمعيات في صياغة السياسات والآليات المتعلقة بمكافحة
الفساد، لضمان شفافية أكبر ومساءلة حقيقية، والاستفادة من خبراتها الميدانية.
- تفعيل دور القضاء الإداري والمؤسسات الرقابية لضمان احترام
القانون ومحاسبة المتورطين في الفساد، وتعزيز سيادة القانون.
- تعزيز آليات الشفافية والمساءلة في الإدارة العامة، عبر نشر
المعلومات وتسهيل وصول المواطنين والجمعيات إليها.
إن حماية المال العام ومحاربة الفساد مسؤولية وطنية
مشتركة تتطلب تضافر جهود الدولة والمجتمع المدني، مع احترام الحقوق الأساسية
للمواطنين، حيث أن تقييد الجمعيات ومنعها من التبليغ عن الفساد لا يؤدي إلا إلى
تفشي الفساد، وإضعاف ثقة المواطنين في المؤسسات، ويعرقل مسيرة التنمية المستدامة.
وبناءً عليه، وبإسم مركز عدالة لحقوق الإنسان، نؤكد على
ضرورة دعم دور الجمعيات الحقوقية وتمكينها من أداء مهامها بحرية ومسؤولية،
باعتبارها رافعة أساسية لدولة القانون وحقوق الإنسان في المغرب.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك