أحمد ويحمان يكتب : كلمات.. في التمييز العنصري ووجهه الدموي وإفلاس البشرية

أحمد ويحمان يكتب : كلمات.. في التمييز العنصري ووجهه الدموي وإفلاس البشرية
... رأي / السبت 22 مارس 2025 - 16:29 / لا توجد تعليقات:

أنتلجنسيا المغرب: الرباط

أحمد ويحمان /يكتب : كلمات .

.. في التمييز العنصري ووجهه الدموي وإفلاس البشرية

الأبار تهايد في جنوب إفريقيا ونظام الفصل العنصري في فلسطين

     يحيي العالم في 21 مارس من كل عام اليوم العالمي للقضاء على التمييز العنصري، وهو تاريخ محفور في الذاكرة الإنسانية، إذ شهد عام 1960 مجزرة شاربفيل في جنوب إفريقيا، حين قتلت قوات الشرطة العنصرية 69 متظاهرًا كانوا يحتجون سلميًا على قوانين الفصل العنصري. كان هذا الحدث نقطة تحول في مسار النضال العالمي ضد الأبارتهايد، حيث تكثفت الجهود لعزل النظام العنصري في بريتوريا حتى انهياره رسميًا في أوائل التسعينيات.

      لكن، بينما سقط نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، بقي نموذج أكثر وحشية في فلسطين المحتلة، حيث تمارس سلطات الاحتلال الإسرائيلي نظامًا مركبًا من الاستعمار الاستيطاني والفصل العنصري والتطهير العرقي. فالقوانين والسياسات والممارسات التي يطبقها كيان الاحتلال بحق الفلسطينيين تؤكد أن العالم لا يزال يواجه شكلاً حديثًا من الأبارتهايد، مدعومًا من القوى الغربية التي تدّعي الدفاع عن حقوق الإنسان.

 الأبارتهايد الصهيوني في فلسطين أبشع منه في جنوب إفريقيا.

      كان نظام الأبارتهايد في جنوب إفريقيا يقوم على الفصل القسري بين السكان وفقًا للعرق، مع منح الأقلية البيضاء امتيازات مطلقة وحرمان الأغلبية السوداء من الحقوق الأساسية. اليوم، في فلسطين، يتعرض الفلسطينيون لنظام أكثر تعقيدًا من الفصل العنصري، حيث يُحكم عليهم بالعيش تحت مجموعة من القوانين التعسفية التي تفرضها "إسرائيل"، سواء في الضفة الغربية المحتلة، أو داخل الأراضي المحتلة عام 1948، أو حتى في غزة، التي تحولت إلى أكبر سجن مفتوح في العالم.

     الفرق الأساسي بين التجربتين هو أن نظام الأبارتهايد في جنوب إفريقيا كان يعترف بوجود السكان الأصليين لكنه يحرمهم من الحقوق، بينما في فلسطين، يتجاوز الأمر ذلك إلى محاولة محو الوجود الفلسطيني بالكامل من خلال التهجير، والاستيطان، والمجازر، والقوانين العنصرية.

 مجازر اليوم: الوجه الدموي للفصل العنصري.

      في الوقت الذي يحتفل فيه العالم بهذا اليوم، يعيش الفلسطينيون في غزة والضفة والقدس تحت القصف والحصار والقتل الجماعي. المجازر التي يرتكبها الاحتلال، وآخرها ما يحدث في قطاع غزة حيث يُباد المدنيون بشكل منهجي، ليست سوى استمرار لنهج إسرائيلي قائم على العنف المفرط والإبادة التدريجية.

     يُقتل الفلسطيني لمجرد كونه فلسطينيًا، وتُهدم منازله لأن وجوده في حد ذاته "إزعاج" للمشروع الاستيطاني، وتُسلب أراضيه لصالح مستوطنين جُلبوا من أصقاع العالم ليحلوا محل السكان الأصليين. هذا التمييز القانوني والميداني ليس مجرد سياسة احتلال، بل هو جوهر نظام الفصل العنصري الإسرائيلي، الذي يمنح المستوطنين حقوقًا كاملة بينما يحرم الفلسطينيين حتى من الحد الأدنى من مقومات الحياة.

 ازدواجية المعايير: تواطؤ رسمي عربي ونفاق غربي.

          في مواجهة هذا النظام العنصري، تبرز معضلة أخرى، وهي الصمت والتواطؤ الرسمي العربي والدولي. فبينما تواصل الأنظمة العربية التطبيع مع الاحتلال، متناسية جرائمه، يفضح هذا اليوم المواقف المهينة للجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، اللتين لم تتجاوز مواقفهما بيانات الشجب غير المجدية.

       أما الغرب، الذي يقدم نفسه كحامل لواء الديمقراطية وحقوق الإنسان، فيمارس نفاقًا صارخًا عندما يتعلق الأمر بفلسطين. إذ تتحرك المؤسسات الدولية بسرعة لمحاكمة أي طرف يخالف المصالح الغربية، لكنها تعجز عن فرض عقوبات حقيقية على كيان الاحتلال، رغم أن ممارساتها تطابق تمامًا تعريف الأبارتهايد وفق القانون الدولي.

     لقد كشفت العقود الأخيرة أن "المنظومة القيمية الغربية" ليست سوى غطاء لمشاريع الهيمنة والاستعمار الجديد، وأن الحديث عن حقوق الإنسان والديمقراطية ليس إلا أداة سياسية تُستخدم حين تخدم المصالح الاستعمارية، ويتم تجاهلها حين تكون "إسرائيل" هي الجاني.

 نحو مقاومة أممية للعنصرية والاستعمار

      في ظل هذه التحديات، لا بد من العودة إلى القيم الحقيقية للعدالة والمساواة التي كانت جوهر الحضارة العربية والإسلامية، حيث لم تعرف مجتمعاتنا في تاريخها الطويل هذا الشكل من التمييز العرقي الممنهج، إلا ما كان من تجاوزات بعض الحكام المستبدين، الذين داسوا على التعاليم الدينية خدمة لمصالحهم الشخصية، بل قامت على التعايش واحترام الآخر، وعلى أساس : "لا فرق بين عربي ولا عجمي ولا أبيض ولا أسود إلا بالتقوى " . إن التصدي للعنصرية اليوم، سواء في فلسطين أو أي بقعة أخرى من العالم، هو معركة حضارية بين قوى التحرر والعدالة من جهة، وقوى الاستعمار والعنصرية والفاشية من جهة أخرى.

      إننا في هذا اليوم، لا نكتفي بالتذكير بفظائع الماضي، بل نؤكد أن العالم لا يمكن أن يدّعي محاربة العنصرية بينما يغض الطرف عن " الأبارتهايد الإسرائيلي " . وعلى كل أحرار العالم أن يكونوا جزءًا من هذه المعركة، ليس فقط تضامنًا مع الفلسطينيين، بل دفاعًا عن إنسانيتهم ومستقبلهم هم أيضًا، لأن بقاء العنصرية في أي مكان تهديد للعدالة في كل مكان.

         فالحرية لفلسطين ليست شعارًا، بل اختبار حقيقي لمصداقية النضال ضد العنصرية والاستعمار في العصر الحديث.

  آخر الكلام

       إذا كانت مجزرة شاربفيل عام 1960، التي راح ضحيتها 69 متظاهرًا، قد أطلقت دينامية العدّ العكسي لإنهاء نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، فهل ستُطلق مجزرة السابع عشر من رمضان في غزة، حيث قُتل أكثر من 600 فلسطيني، معظمهم أطفال ونساء وهم نائمون، دينامية إنهاء نظام الفصل العنصري والإبادة الجماعية في فلسطين المحتلة؟

سؤال برسم الإنسانية جمعاء..حتى لا يكون " ما يجري في غزة اليوم هو بداية ممهدة لنهاية البشرية " كما قالت طبيبة أجنبية في مقر الأمم المتحدة قصيرة وهي تبكي بحرارة خلال نقلها لرسائل الأطقم الطبية لدى عودتها، قبل مدة قصيرة، من جهنم غزة .

لا توجد تعليقات:

للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.

أضف تعليقك