بقلم:ادريس الوزاني
في ظل الجهود المبذولة لإعادة إدماج المعتقلين، خاصة أولئك المحكومين في قضايا مرتبطة بالإرهاب، تبرز مؤسسة محمد السادس لإعادة إدماج السجناء كإطار مؤسساتي يهدف إلى تسهيل عملية إعادة الاندماج الاجتماعي والاقتصادي لهذه الفئة. ومع ذلك، فإن الواقع العملي يكشف عن اختلافات كبيرة في التعامل مع المعتقلين بين المدن المغربية، مما يطرح تساؤلات حول وجود خلل في التسيير أو إهمال من قبل بعض المؤسسات، بل وقد يصل الأمر إلى حد الحديث عن انتقائية أو حتى انتقام من فئة معينة من المعتقلين.
أولى الإشكاليات التي تواجه عملية إعادة إدماج المعتقلين هي عدم وجود قانون موحد أو إطار تشريعي واضح يحدد كيفية التعامل مع هذه الفئة. ففي بعض المدن، يتم التعامل مع المعتقلين بشكل إيجابي، حيث يتم توفير الدعم اللازم لهم، بما في ذلك تمويل مشاريع تصل قيمتها إلى 6 ملايين سنتيم، مما يساعدهم على الانخراط في الحياة الاقتصادية والاجتماعية بشكل فعّال. بينما في مدن أخرى، يتم تجاهل نفس الفئة من المعتقلين، حيث تزعم المؤسسات المعنية أنها لا تملك أي معلومات أو تعليمات من الإدارة المركزية حول كيفية التعامل معهم.
هذا الاختلاف في المعايير يطرح تساؤلات حول مدى فعالية التنسيق بين المؤسسات المحلية والجهات المركزية، ويشير إلى وجود خلل في التسيير قد يكون ناتجًا عن ضعف التواصل أو عدم وضوح التعليمات الصادرة من الإدارة العليا.
في بعض الحالات، يبدو أن الإهمال أو الاستهتار من قبل بعض المؤسسات المحلية هو السبب وراء عدم تقديم الدعم الكافي للمعتقلين. فبعض المسؤولين المحليين يبررون تقصيرهم بعدم تلقيهم أي توجيهات أو تعليمات من الإدارة المركزية، مما يجعلهم يتجاهلون احتياجات هذه الفئة. وهذا السلوك يعكس غيابًا للالتزام الأخلاقي والمهني تجاه فئة تحتاج إلى دعم خاص لإعادة اندماجها في المجتمع.
من ناحية أخرى، قد يكون هذا الإهمال ناتجًا عن نقص في الموارد أو الكفاءات داخل المؤسسات المحلية، مما يجعلها غير قادرة على تنفيذ البرامج المطلوبة بشكل فعّال. ومع ذلك، فإن هذا لا يبرر عدم بذل الجهود اللازمة للتواصل مع الجهات المركزية لتوضيح الصلاحيات والحصول على التوجيهات المناسبة.
في حالات أخرى، يتجاوز الأمر مجرد الإهمال أو الاستهتار، حيث يرى بعض المعتقلين أن هناك انتقائية في التعامل معهم، بل وقد يصل الأمر إلى حد الحديث عن انتقام من فئة معينة. فبعض المعتقلين يشعرون بأنهم يعاقبون مرتين: مرة بالسجن، ومرة أخرى بالحرمان من فرص إعادة الإدماج. وهذا الشعور قد يكون ناتجًا عن تعامل بعض المؤسسات معهم بشكل غير عادل، أو حتى عن وجود أجندات خفية تهدف إلى إبقائهم في حالة من العزلة الاجتماعية والاقتصادية.
هذه الفرضية، وإن كانت تحتاج إلى أدلة دامغة، إلا أنها تثير تساؤلات حول مدى نزاهة وشفافية بعض المؤسسات في تعاملها مع المعتقلين، خاصة أولئك الذين تمت إدانتهم في قضايا مرتبطة بالإرهاب. فهل يتم التعامل معهم بناءً على معايير موضوعية، أم أن هناك اعتبارات أخرى تلعب دورًا في تحديد مدى استحقاقهم للدعم؟
للتغلب على هذه الإشكاليات، يجب العمل على عدة مستويات. أولاً، يجب توحيد المعايير والقوانين التي تحكم عملية إعادة إدماج المعتقلين، بحيث تكون واضحة وشفافة وتطبق بشكل موحد في جميع المدن. ثانيًا، يجب تعزيز التواصل بين المؤسسات المحلية والجهات المركزية، لضمان وصول التعليمات والتوجيهات بشكل صحيح إلى جميع الأطراف المعنية.
ثالثًا، يجب تعزيز آليات المساءلة داخل المؤسسات المحلية، بحيث يتم محاسبة المقصرين في أداء واجباتهم تجاه المعتقلين. وأخيرًا، يجب العمل على تغيير النظرة الاجتماعية تجاه المعتقلين، خاصة أولئك الذين تمت إدانتهم في قضايا مرتبطة بالإرهاب، وذلك من خلال برامج توعية تهدف إلى تعزيز ثقافة التسامح وإعادة الإدماج.
في النهاية، فإن عملية إعادة إدماج المعتقلين، خاصة أولئك الذين تمت إدانتهم في قضايا مرتبطة بالإرهاب، هي عملية معقدة تتطلب جهودًا متضافرة من جميع الأطراف المعنية. ومع ذلك، فإن الاختلافات في التعامل بين المدن، والإهمال الذي يبديه بعض المسؤولين، والشكوك حول وجود انتقائية أو حتى انتقام، كلها عوامل تعيق تحقيق الأهداف المرجوة من هذه العملية. لذلك، فإن توحيد المعايير وتعزيز المساءلة وضمان الشفافية هي خطوات ضرورية لضمان إعادة إدماج فعّالة وعادلة لجميع المعتقلين.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك