"نعيمة لحروري" تكتب:"لا يصلح العطار ما أفسده الدهر"

"نعيمة لحروري" تكتب:"لا يصلح العطار ما أفسده الدهر"
... رأي / الأحد 29 دجنبر 2024 14:27:00 / لا توجد تعليقات:

بقلم:نعيمة لحروري

عندما يتعلق الأمر بإدارة قطاع حيوي مثل التعليم، يتوقع الجميع رؤية شخص يمتلك القدرة على التواصل والفهم العميق للقضايا. ولكن يبدو أن وزير التربية الوطنية الجديد قرر أن يكسر هذه القاعدة الذهبية، ويضيف إلى قاموس السياسة المغربية معنى جديداً للارتباك والارتجال. فبعد مداخلاته في برلمان الطفل وجلسات مجلس النواب، اتضح أن السيد الوزير يعاني من مشكلة جوهرية، ليست في الملفات التعليمية بحد ذاتها، بل في القدرة على قراءة جملة واحدة بشكل مفهوم.
قد يعتقد البعض أن الأمر لا يتجاوز زلة لسان أو ارتباكاً عابراً، لكن الواقع يعكس شيئاً أكثر تعقيداً. إذ اضطر الوزير بعد الضجة التي أثارتها تصريحاته إلى الاستنجاد بشركة فرنسية متخصصة في التدريب على فن الخطابة والتواصل. ولمن لا يعرف، هذه الشركة ليست متخصصة في تقديم استشارات حول السياسة التعليمية أو وضع خطط تربوية، بل في مساعدة السياسيين على ألا يتلعثموا أثناء الحديث وألا يخلطوا بين اللغات بشكل عشوائي. وكأن المشكلة تكمن فقط في نطق الكلمات وليس في فهم محتواها.
المفارقة الحقيقية هي أن الوزير لم يقرر الاستعانة بخبير تربوي محلي أو متخصص في الشأن التعليمي، بل لجأ إلى حل "فرنسي" كما لو أن التواصل الجيد باللغة العربية بات مشكلة تحتاج إلى علاج خارجي. هذا القرار أثار انتقادات واسعة، ليس فقط في المغرب، بل حتى في الصحافة الدولية التي تساءلت عن معايير اختيار مسؤولين لا يجيدون أساسيات التواصل، فكيف بإمكانهم التعامل مع ملفات معقدة مثل تأثير الذكاء الاصطناعي على التعليم؟
ورغم الضجة الإعلامية، يبدو أن الوزير لم يتعلم الدرس بعد، فهو لم يستقر بعد على لغة واحدة للتواصل، بل يركب جملاً عجيبة تضم الدارجة والعربية الفصحى والفرنسية في خليط مربك. وهو أمر جعل المسؤولين والنقابات يضطرون إلى إعادة تحليل تصريحاته وتفسيرها فيما بينهم بعد كل اجتماع لتجنب سوء الفهم. مشهد يدعو للسخرية، وكأننا نشاهد مسرحية هزلية بدلاً من جلسة رسمية.
لعل الدرس الذي يمكن استخلاصه من هذه الواقعة هو أن الألقاب والمناصب لا تصنع الكفاءة، وأن الاعتماد على الحلول الترقيعية مثل "الكوتشينغ" لن يحل مشكلة جوهرية في فهم المسؤولية نفسها. إذا كان الوزير بحاجة إلى شركة تدريب فقط ليتمكن من الحديث، فماذا عن اتخاذ القرارات المصيرية التي تمس مستقبل التعليم؟ يبدو أن الحل الأسرع هو الاستعانة بمترجم دائم، على الأقل لضمان أن الرسائل تصل إلى المعنيين، حتى لو لم يكن الوزير نفسه يفهمها.

لا توجد تعليقات:

للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.

أضف تعليقك