مغربنا 1 المغرب كان في نيتي أن أكتب مقالا حول التحالف الإيراني الصيني، لكن و أنا أتصفح وسائط التواصل الإجتماعي قرأت قصاصة إخبارية مفادها انتحار شاب مغربي ينحدر من قرية “بوفكران” ضواحي مدينة مكناس المغربية، هذا الشاب الملقب قيد حياته “مصطفى الريحاني” ، و قد أقدم يوم الجمعة 9أبريل 2021 على الانتحار ، تاركا خلفه رسالة يوضح فيها سبب انتحاره ، و الذي يعود “للحكرة” و الإهانة و المعاملة اللإنسانية التي تعرض لها من طرف عون سلطة و عنصرين من القوات المساعدة و خليفة الباشا” قد حدد المرحوم بإذن الله هؤلاء بأسمائهم و صفاتهم ، وكان الشاب الأربعيني قد دخل في مشادة كلامية مع الأشخاص المشتبه بهم عندما تقدم إلى ممثل للسلطة المحلية في قريته لطلب توفير سيارة إسعاف لنقل اخته المريضة على وجه السرعة للمستشفى، ما عرضه للضرب والإهانة من طرفهم، حسب ما سجله في الرسالة التي كتبها بخط يده قبل انتحاره.و قد أقدم على الإنتحار مباشرة بعد عودته لمنزله، وذلك بعدما تعرضَ للضرب والسحل في الشارع العام ثم في مقر بلدية القرية، نتيجة لهذا الحدث المؤلم تداول وسطاء التواصل الإجتماعي مقاطع فيديو عبر تقنية البث المباشر، تظهر خروج عشرات من سكان مدينة “بوفكران” للاحتجاج و التضامن مع الشاب الذي أقدم على الانتحار و هم يرفعون شعار ” الشعب يريد إسقاط الحكرة” بداية لا يسعنا إلا الدعاء بالرحمة للفقيد، و ندعوا من المولى عز وجل أن يلهم ذويه الصبر و السلوان، و ينبغي متابعة المسؤولين عن تكرر مثل هذه الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ،و قد رأينا هذه الانتهاكات تتكرر في عدة مناسبات كان أخرها التدخل العنيف في حق المحتجين بمدينة الفنيدق و التدخل غير الإنساني في حق أساتذة التعاقد، كما تتم هذه التدخلات العنيفة بشكل يومي في حق الباعة المتجولين ، إذ يتم التضييق عليهم في ظل أزمة كورونا الخانقة، و التي أضرت بمن لديه دخول لابأس بها، فكيف الحال بمن يعانون البطالة و يشتغلون يوما و يتعطلون أسبوع ؟ فالدولة في مثل هذه الظروف الاستثنائية عليها أن تتخذ تدابير مرنة و إجراءات صارمة ليس في اتجاه ضبط و التضييق على حركة الناس، و إنما تقديم كافة المساعدات و التسهيلات لهم… و إذا كانت الدولة لا تملك الموارد المالية فعلى الأقل لتحترم مواطنيها و تحمي حقوقهم … فعلى الدولة الرشيدة أن تسعى إلى تبني تدابير و إجراءات لتقليل معاناة الناس وليس تأزيمها ، إجراءات توسع خيارات الناس و تعينهم في تجاوز الأزمة الاقتصادية و الاجتماعية التي تفاقمت في ظل تفشي الوباء، ففي البلدان الديمقراطية تم تبني كافة التدابير لإعانة فئات الشعب الأكثر هشاشة، وتقديم مختلف المساعدات و الإعانات و التسهيلات لتشجيع الناس على الانخراط في التدابير الاحترازية عبر الاقناع و ليس الإكراه…لكن في المغرب و باقي البلاد العربية التي تعاني من تفشي ثالوث ” الجهل و الفساد و الاستبداد ” نلاحظ العكس أزمة كورونا تم إستغلاها لتقوية أليات تقييد الحريات الفردية و الجماعية و تعزيز أدوات القمع و تكميم الأفواه… و الغريب من خلال رسالة “المرحوم بإذن الله مصطفى” أن من قاموا بإهانته هم أعوان سلطة و رجال من القوات المساعدة، و هؤلاء في الغالب ينتمون إلى أدنى السلم الوظيفي، و لا يختلفون في وضعهم الاجتماعي و الإنساني – في الغالب- عمن يقومون بتعنيفهم، فمن ينخرط في صفوف هذه الوظائف ليسوا بالضرورة من النخبة التي يتنافس أبناءها على المناصب العليا، فكم من رجل أمن بسيط ينحدر من البوادي و من أسر جد متواضعة ، والديه و أقاربه يرفضون من دون تردد مثل هذه الممارسات الغير أخلاقية..فماهو الدافع الذي يجعل المواطن العادي يصبح ذئبا في مواجهة مواطن مثله..هل هي أوامر الجهات العليا؟ أم الحرص على إنفاذ القانون؟أم الدفاع عن هيبة الدولة و الأجهزة الأمنية؟الواقع لا أملك جوابا لهذه الظاهرة، خاصة و أن لي أصدقاء و أقارب في مناصب المسؤولية الأمنية بالمغرب، أرى أنهم على درجة كبيرة من الأخلاق و المهنية و احترام حقوق الإنسان، بل درس عندي كثير من الطلبة الذين ينتمون إلى أجهزة أمنية مختلفة، أجد فيهم درجة عالية من الخلق و السمت الحسن.. لكن الاعتداءات التي يتعرض لها الفقراء و قليلي الحيلة هي السمة الغالبة، إذ لانسمع أن عون سلطة أو رجل أمن تعرض بسوء لأحد الأغنياء أو ذوي النفوذ، و هذا ما يجعلنا نقف أمام مفهوم ” الحكرة” فالبعض يجد لذة و متعة في إهانة من هو أقل منه ،و تفسير ذلك ربما تعرضه بشكل دوري للإهانة ممن هو أعلى و أقوى منه، فالإنسان السوي لا يظلم من هو دونه في الوظيفة أو المرتبة الاقتصادية و الاجتماعية ، بل يحسب له حسابا و يحترمه و يقدره ، لأننا جميعا “فقراء و ضعفاء و مساكين” أمام الغني الواحد الأحد، و من المفروض أن المسلم أخو المسلم لا يظلمه و لايعرضه عمدا للأذى، قال نبي الرحمة محمد عليه الصلاة و السلام”المسلم أخو المسلم لا يظلمه و لا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ، و من فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة ، و من ستر مسلما ستره الله يوم القيامة “(أخرجه البخاري ، كتاب المظالم و الغضب ، باب : لايظلم المسلم المسلم و لا يسلمه، 128/3)،و قوله عليه الصلاة و السلام أيضا” لايؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه” (صحيح مسلم، صفحة 50، رقم 45)، و للأسف علينا أن نعيد النظر في إسلامنا و أخلاقنا و تربيتنا… فمثل هذه الممارسات المهينة لانجدها في البلدان المتقدمة، فقد رأينا سابقا أن قتل مواطن أمريكي من الملونين على يد رجل أمن خنقا، أدى إلى إحتجاجات شعبية واسعة في أمريكا و كان لها بالغ الأثر في إسقاط الرئيس الأمريكي السابق ترامب… معضلة شعوبنا العربية أن القوي يأكل الضعيف ، و أن الشعوب ابتعدت عن المنهج القويم، فالحكام و من يتولون إدارة الشأن العام و يسهرون على إنفاذ القانون و ضمان أمن الوطن والمواطن هم نتاج لهذه البيئة المختلة، و هم أبناء هذه الشعوب ، فنحن لم نستوردهم من بلدان أخرى، و إنما هم نتاج هذه المنظومة الفاسدة ، بلداننا لا تعاني نقصا في الموارد والكفاءات، و إنما شحا في القيم الإنسانية و الأخلاقية السليمة، تعاني فقر دم شديد، سببه أن كل شيء في بلداننا أصبح مزيفا “التدين مزيف” و “التعليم مزيف” و “الانتماء للوطن انتماء مزيف”، فالمجتمع المزيف كالعملة المزيفة ضررها أكثر من نفعها … والغريب أني قبل سنة من هذا التاريخ، و في ذروة الحجر الصحي كتبت مقالا حول وفاة المواطن المغربي المسمى قيد حياته “الحسين العطار” الذي توفي أمام مقر قيادة الصهريج عمالة قلعة السراغنة (ضواحي مدينة مراكش المغربية) يوم الأحد 17ماي 2020،و البالغ من العمر 43 سنة متزوج واب لطفلتين وزوجه حامل، و بحسب جمعيات حقوقية “فإن الشهيد تم اقصائه من الاستفادة من الدعم (القفة) حيث قام أعوان السلطة المحلية بتوزيع المساعدات الاجتماعية وفق لوائح معدة سلفا من قبلهم، وتم حرمان المشمول برحمة الله من المساعدات،و الفقيد كان مصابا بقصور كلوي حيث ادلى ببطاقته الوطنية من اجل إحصائه من بين المستفيدين من الإعانة (قفة رمضان) لكن طلبه قوبل بالرفض، مما جعله يتأثر كثيرا ليفارق الحياة أمام مقر القيادة..” وتبقى وفاة هؤلاء الضعفاء إجتماعيا وصمة عار على جبين السلطات المغربية محليا و مركزيا، و على جبين كل مواطن شارك في الظلم و لو بالصمت ، كما أن النظام السياسي المغربي يتحمل كامل المسؤولية السياسية و الأخلاقية على ما حدث، بل إن السياسات العمومية المنحازة للقلة الغنية أنتجت دولة “الداروينية الاجتماعية” دولة شعارها “البقاء للأقوى” ، فلا يعقل أن نحمي الناس من “كورونا”، و نقتلهم بالجوع و الحرمان و إهانة كرامتهم و هضم حقوقهم.. و من الخطأ أن نحمل مسؤولية هذه الانتهاكات المتكررة لفرد أو مجموعة أفراد أو لجائحة “كورونا”، لأن الخلل في الحالة المغربية بنيوي و ليس و ليد الظروف الراهنة، ف”كورونا” كشفت المستور، و كذبت زيف فرادة النموذج التنموي المغربي و فرادة التجربة المغربية، ذلك أن النموذج التنموي المعتمد في المغرب منذ الاستقلال، نموذج فاشل و لم و لن يخدم التنمية الفعلية، ولن يحرر النمو الإقتصادي من الحلقة المفرغة التي يدور فيها ، و من ثباته المرضي في عتبة ما دون 3٪، و ارتباطه بالتغيرات المناخية، رغم كل الخطابات و المبادرات و المشاريع الضخمة التي لا نرى لها أثرا على الواقع الإقتصادي و الإجتماعي لغالبية المغاربة… و بصفتنا أحد الأكاديميين و الإقتصاديين الذين توجه إهتمامهم البحثي و المعرفي لدارسة التجارب التنموية لبلدان شرق آسيا و في مقدمتها الصين، فإننا نوجه بوصلة صناع القرار المغربي إلى رؤية تنموية من خارج الصندوق و بعيدة نسبيا عن التوجه الأرثودوكسي المغربي، و الذي ماهو إلا تطبيق حرفي، و تنفيذ غير عقلاني لأجندة وتوصيات المؤسسات المالية و النقدية الدولية والتي تخدم أطروحة تنموية نيوليبرالية متوحشة، تفقر الفقير و تغني الغني و تنتج مجتمع القلة المترفة… والقول بفشل النموذج التنموي المغربي فيه مبالغة و مجانبة للصواب، فليس هناك أصلا نموذج مغربي، و كل ما يتم تنفيذه من سياسات و إصلاحات هو نتاج لبرنامج التقويم الهيكلي والتي خضع لها المغرب رسميا منذ منتصف ثمانينات القرن الماضي، و لازال البرنامج مستمرا بوثيرة مختلفة نسبيا، لكن على العموم فإن الإبداع المغربي شبه غائب، فهذا التوجه العام خضعت له العديد من بلدان العالم الثالث، و البلاد التي استطاعت تحقيق إقلاع إقتصادي هي من تجنبت أجندة البنك و صندوق النقد الدوليين و إجماع واشنطن.. أما الاستمرار في توجيهاتهم القائمة على فلسفة المشاريع الكبرى الموجهة لخدمة الدين الخارجي، و التقليص في الإنفاق العمومي على الخدمات و السلع العمومية كالصحة والتعليم، على أنها قطاعات غير منتجة، فإنها تقود إلى كل ما نراه من إختلالات إقتصادية وإجتماعية و تشوهات تنموية، وهذا التوجه فيه مخالفة صريحة للمسلمات التنموية وللشواهد و الأدلة الثابتة، و التي مصدرها التجارب التنموية الدولية المقارنة، ومن ضمن هذه المسلمات نذكر أن تحقيق التنمية يقتضي الاستجابة لشروط و ضوابط أساسية أهمها:
- القضاء على الأمية والجهل
- القضاء على الفقر وتقليص الفجوة بين من يملكون الثروات الطائلة و من لا يحصلون على لقمة العيش اليومية…
- بناء ديمقراطية حقيقية و ليس ديموقراطية شكلية فارغة من مضمونها، فالديموقراطية غايتها رفع مستوى مشاركة السكان في وضع و إختيار السياسات التنموية التي تخدم تطلعاتهم الٱنية والمستقبلية، وفي ظل غياب الديموقراطية الفعلية تصبح السياسات تصاغ و تنفد من قبل بيروقراطية غير منتخبة تستمد شرعيتها و درايتها من تنفيذها لتوصيات و تعليمات المؤسسات الدولية …
- توسيع نطاق الحريات و الحقوق الفردية و الجماعية
- الإهتمام باللغة الوطنية و الإستفادة من القيم الثقافية والحضارية لدعم التنمية، مع الإنفتاح الإيجابي على التجارب الدولية الرائدة..
- الإستثمار في العلم و تشجيع البحث و التطوير عبر دعم الكفاءات و تشجيعها و إحتضانها…
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك