أدب السجون

أدب السجون
... رأي / الجمعة 01 نوفمبر 2024 - 13:29 / لا توجد تعليقات:

مغربنا 1 المغرب  أول رسالة يرسلها مسجون حكم عليه بمدة طويلة "زوجتي العزيزة "يبدو أنني في حياة جديدة طويلة داخل السجن ، ولا يبدو لي أنها ستنتهي قريبا ، لذلك اقول لك ، عليك أن تعيشي حياتك بدوني "مع اصدق الحب ، تحياتي " من اصعب الرسائل التي لا يذكرها التاريخ إلا قليلا ، ولم تحضى باهتمام الروائيين والقصصيين والشعراء والمفكرين على اختلاف مرجعياتهم والسياسيين والحقوقيين ، رسائل جمعت احاسيس جياشة مختلطة بتساؤلات وطلب ضمني باحتياج السند مع اظهار الشهامة وعزة النفس المنكسرة ، وبقالب أدبي عفوي قد تتعثر فيه الكلمات في تشققاته ، لكنه في بلاغته أبلغ في ايصال المعنى ، وقد سميت البلاغة بهذا الاسم لأنها تنهي المعنى لقلب المستمع ، ولا يمكن ايصاله بجمل سليمة جافة مهما تزينت بمفردات راقية وغريبة ، وقد يقرأ أحيانا هذا النوع من الأدب في بعض الافلام او البرامج الوثائقية ، لكنها لا تجد مجالا نقديا يُعَرِّف بها أكثر . إن هناك وراء السجون أدب حقيقي وحس مرهف رغم ارهاقه ، لكنه في محنته ينقش على الذهب مرحلته الحياتية بعمق حقيقة الانسان والواقع ، فما الذي يجعل من الأدب حكايا شعبية واجتماعية وغيرها إلا قوة احساسه الراكب فوق الجمل البسيطة ، واقرؤوا التاريخ يخبركم عن ابيات يحفظها جيل عن جيل ، وإن كان مستوى القراءة أضعف بالعالم العربي ، لكن يأبى الأدب الحقيقي إلا البقاء والخلود ما بقي وجه الحياة ، وليس من شرط هذا الوصف أن يكون هذا النوع من الأدب مشتهرا بين كل الناس .. عندما سئل محمود دوريش عن قصيدته التي يحفظها العالم العربي " أحن إلى خبز أمي " قال أنه كتبها على ظهر الألمنيوم لعلبة السجائر ولم يكن يدري أنها ستصل الى ما وصلت إليه .. هذه القصيدة بسطت أجنحتها وحلقت فوق السماء العربية، الشاعر فيها نزف ليعيش ملايين الناس بها، وجدانا وشوقا لأمهاتهم ، وها هي ذي القصيدة ما زالت حية أحنُّ إلى خبز أمي وقهوة أُمي ولمسة أُمي.. وتكبر فيَّ الطفولةُ يوماً على صدر يومِ وأعشَقُ عمرِي لأني إذا مُتُّ , أخجل من دمع أُمي ! خذيني ، إذا عدتُ يوماً وشاحاً لهُدْبِكْ وغطّي عظامي بعشب تعمَّد من طهر كعبك وشُدّي وثاقي.. بخصلة شعر.. بخيطٍ يلوَّح في ذيل ثوبك.. عساني أصيرُ إلهاً إلهاً أصيرْ. إذا ما لمستُ قرارة قلبك ! ضعيني , إذا ما رجعتُ وقوداً بتنور ناركْ... وحبل غسيل على سطح دارك لأني فقدتُ الوقوف بدون صلاة نهارك هَرِمْتُ , فردّي نجوم الطفولة حتى أُشارك صغار العصافير درب الرجوع ... لعُشِّ انتظارِك ! أكتب إليكم هذه المقالة كشاهد على حياة خاصة لأدب لا أقول مغيب ، لأنه مترفع عن القراء ، ولا يأتي إليهم ، لأنهم هم من يحتاجون إليه وإن كانوا ينظرون إلى أصحابه بنظرة بين الاشفاق والازدراء والتخفي ...

لا توجد تعليقات:

للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.

أضف تعليقك