... رأي / الجمعة 01 نوفمبر 2024 12:29:03 / لا توجد تعليقات:
مغربنا 1 المغرب
يمكن القول أن تورط "إسلاميي" العدالة و التنمية في المغرب، في "التطبيع" مع الكيان الصهيوني مادة صالحة، بل و جيدة، لتشريح حالة هؤلاء "الإسلاميين" و تناول مدى تأثير "التربية الإيمانية" التي أسرفوا في الحديث عنها، و تأطير الاتباع بها، وكذا، مدى تشبثهم بالمبادئ و الاصول، التي كانوا يمارسون أدوارهم السياسية بها و من خلالها، و لا شك أن هذه القضايا، و غيرها، تمت إثارتها عبر عدد من التساؤلات، التي ما فتئ المنتسبون إلى ذات المرجعية يطارحونها، و يساجلون حولها، ومن خلال الكتابات المنددة و المستنكرة لهذا التورط، و المتسائلة عما إذا كان هؤلاء" الإسلاميون" لا زالوا يحسبون انفسهم "إسلاميين" بعد هذا "المنكر". فلماذا تورط هؤلاء في "جريمة التطبيع" و قد كانوا من قبل يؤكدون على موقفهم المناهض، و الرافض له، شأنهم في ذلك شان باقي الفصائل "الإسلامية؟ و لماذا تفاجأ غيرهم بذلك التورط، و اعتبروا أن الإسلامي، من حيث الاصل، لا يمكن أن يكون "مطبعا" أو مع "التطبيع" ؟ و لماذا ينددون بهم و يسفهونهم؟ ما هي الرسالة التي يبعث بها أولئك المستنكرون؟ أعتقد أن الإجابة عن هذه الأسئلة، يمكن أن تسهم في تشريح الظاهرة و شرحها، و بيان حقيقتها. يمكن القول أن "الحركة الإسلامية" حركة معارضة أصيلة و متجذرة، ولا يمكنها إلا ان تكون كذلك، فقد تأسست ردا على الانحدار الذي آلت إليه المجتمعات العربية و الإسلامية على كافة المستويات و الصعد، و أسست خطابها و رؤيتها على "أصالة" الأمة و هويتها. و إذا كانت الحركات تلك التي عرفها العالم العربي، إما جذرية و إما تلامس الجذرية، فإن نظيرتها في المغرب و أخص "إسلاميي العدالة و التمية" الذين ليسوا إلا "إسلاميي حركة التوحيد و الإصلاح" ليسوا على ما عليه غيرهم من الصلابة و المتانة، و ليسوا على ما عليه غيرهم من الشدة في الموقف من القضايا "المصيرية"، إذ يحكي بعض المطلعين أن جماعة "الإخوان" المصرية مثلا، لا تزال وفية لخط شهدائها الأُول، و لا تزال متأثرة "بالمعلم" سيد قطب على الرغم مما يبدو من تصريحات مخالفة لبعضهم، و إذا كانت جماعة "الإخوان" قد تكونت على النقيض من الدولة في أرض الكنانة و كبديل عنها، فإن حركة هؤلاء في المغرب، قد تأسست تحت عين النظام، و بالقرب منه، و بقدر من رضاه عليهم، و بخلاف باقي التنظيمات في المغرب، فإنهم يبالغون في موافقة المخزن و عدم مخالفته، إلى درجة أنهم عرفوا ب"الإسلاميين الملكيين" و صار يقال لهم "ملكيون أكثر من الملك" و لم يكن الباحثون، الذين تولوا دراستهم، يفترون عليهم، أو يبالغون في وصفهم، فقد كانوا كما قيل عنهم، و كانت قياداتهم لا تنكر ذلك. فإذا كان هذا الحزب كذلك، فإنه من الطبيعي جدا أن يسير اعضاؤه في موكب النظام و ركبه، و إذا كان البعض يتساءل مستغربا التناقض، الذي بدا في مواقفهم قبل تولي حزبهم رئاسة الحكومة و بعد ، فإن هذا التساؤل و هذا الاستغراب يبرزان تجاهل هؤلاء لمنطق التاريخ و منطق السياسة . إن هؤلاء المستغربين يدركون تماما أن منطق المعارضة غير و منطق الدولة غير، و يدركون تماما أيضا أن المعارضة السافرة و المطلقة للدولة، لا يراد منها إلا رفع السقف عليها لتحسين شروط التفاوض معها، للففت انتباهها إليها، آية ذلك، أن جميع من تعاقب على معارضة الدولة و التنديد بها، و بمواقفها، ودون استثناء، بمجرد ما تسمح له أن يقتسم معها بعض المهام، و يشاركها فيها، تتغير مواقفه جذريا و يمسي أكثر إجادة لتفسير أعمالها و أكثر تبريرا لها، حتى إذا قلنا، مع القائلين، أن التفكير يتغير تبعا لتغير الطبقة التي ينتمي إليها الإنسان، و أن خطاب الجوع خطاب، و خطاب الشبع خطاب آخر، و أن للغضب من السلطة خطابا و للرضا بها، و عنها، خطابا. أقول لو قلنا ذلك،لكنا صادقين و لم نبالغ. و ربما كان وجه استغراب بعض الناقمين، أنهم يزعمون أن "الإسلامي" لا يكون إلا رافضا "للتطبيع" و مقاطعا لأهله، وهم على حق، و لكنهم يكونون على حق، فقط، إذا تعلق الأمر بالإسلاميين دون معقوفتين، و الحال ان "الإسلاميين" اليوم لا يمكن النظر إليهم و إلى مشاريعهم، دون معقوفتين، أي بدون الشك و الريبة، وهذا ما يفسر لنا الحذر الذي كان يطبع موقف عدد من المثقفين العرب، الذين كانوا يصرون على اعتبارهم "إسلامويين"، أي إسلاميين غير صادقين، و اعتبار الإسلام الذي يبشرون به" إسلاما سياسيا" أي توجهه السياسة وتحدد مسلكه، و يبدو أن الزمن كان كفيلا ببيان نوع من صدق هذه الدعوى، التي كان يتمسك بها أولئك المثقفون الخصوم للإسلاميين، و الذين كانوا يصرون على أن صراعهم معهم صراع سياسي، و سياسي فحسب، حتى و إن اجتهد "الإسلاميون" في التأكيد على كونه دينيا. و مما يزكي هذا الموقف أن تلك الجلسات "التربوية" التي ربي عليها أبناء التيار "الإسلامي" لم تثمر في بناء الشخصية الإسلامية، التي تتصلب في تبني مواقف الإسلام و الدفاع عنها، يظهر ذلك و يتأكد في فشل هذه القيادات في ان تكون قدوة لغيرها من الأتباع و الأنصار في التشبث بالشعارات و المبادئ. لقد كان الخطاب الإسلامي، كما دشنته عقول منظري الحركة "الإسلامية" على امتداد العالم الإسلامي، يعتبر أن النجاح في بناء الإنسان المسلم، مفتاح هام لإحداث التغيير المنشود، و أن جل التحديات التي يشكو منها العالم الإسلامي يمكن حلها بهذا الإنجاز، لقد كان المراد من تلك الجلسات "التربوية" هو ربط الإنسان "المسلم" بالله، و تحصينه بتقواه، و اعتبار الإيمان بالله، و الخوف منه، وازعا حقيقيا يمنع المسلم، الذي نشأ في تلك الحلقات و الجلسات، من الانتهاء إلى ما انتهت إليه قياداته، ولكن إلى اي حد نجحت تلك الحركات في ذلك؟ الذي يبدو أن قواعد تلك الحركات، هي التي ظلت وفية لتلك الشعارات، و هي التي بقيت متمسكة بها، في حين أن الذين صنعوها، أو ورثوها و أسهموا في مزيد صياغتها و بنائها، قد صاروا إلى التخلي عنها، و هم يملكون القدرة على جعل تلك التحولات مقبولة و مبررة بقواعد الشرع و أصول فقهه، فتلك القيادات اكتسبت من الثقافة الشرعية ما يؤهلها للقيام بهذا النوع من المناورات، و بحوزتهم من الفتاوى الشرعية ما يناسب كل مرحلة.
إذا كان هذا واضحا بالنسبة لأولئك "الإسلاميين" فإن الذين ينتقدونهم و يسرفون في انتقادهم، يمارسون نفس الدور، و يقومون بنفس اللعبة،و يتبنون خطاب من يقع خارجها، أي اللعبة، و يرفعون شعارات من لا يتحملون أية مسؤولية، و لا يستفيدون من الريع كما استفاد اولئك، و إنهم إن تحملوا ما تحمل أولئك من المسؤوليات، فأغلب الظن، أن امتحانهم سيكون عسيرا عسرة امتحان أولئك، و أغلب الظن، أيضا، أنهم سيرسبون فيه كما رسب أولئك، إذ للدولة منطقها الذي يختلف عن منطق المعارضة و الثورة.
بقي أن نشير أخيرا إلى الخسارة التي من الممكن أن يمنى بها هذا الحزب، فهل سيخسر هذا الحزب و ينتهي؟ لا شك ان "إسلاميي هذا الحزب" سيخسرون قيمتهم في أعين المسلمين، و سيخسرون علاقاتهم مع التيارات و التنظيمات "الإسلامية" خارج حدود دولتهم، و لكن مكانتهم مع السلطة ستتعزز، و تقوى، و فرصهم في البقاء في مواقعهم ، في الغالب، لن تتأثر.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك