عدد الصحابة ... عند الشيخ عبد الحي الكتاني

عدد الصحابة ... عند الشيخ عبد الحي الكتاني
... رأي / الجمعة 01 نوفمبر 2024 12:29:03 / لا توجد تعليقات:

مغربنا 1 المغرب 
يعد مبحث الصحابة من المباحث المعقربة في علم الحديث، والتي لم تفرد بدراسات دقيقة ونقدية نتغيى من خلالها حصرر عددهم وأسمائهم، وقد اهتم المتقدمون والمتأخرون بجمع أسماء الصحابة بمناهج مختلفة، ونذكر أعمال ابن عبد البر في الاستيعاب، وابن حجر في الإصابة، وغيرهما، وللحُفاظ في الموضوع توسعات، خصوصا مع ابن حجر رحمه الله.
وزاد البعض في التوسع، فضم إلى صنف الصحابة من ليس لهم في تلك الدائرة قَدم، كما فعل بعض المتأخرين المغاربة مع الرجراجيين السبعة، الذين زعموا أنهم رحلوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ومنهم من ادعى أنه استقبلهم في مكة قبل الهجرة، وتكلم معهم بلسانهم الأمازيغي، ومنهم من ادعى أنهم وفدوا عليه صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة في المدينة، وتكلم معهم بلغتهم، وسمعته أمنا عائشة عليها الرضى والرضوان، وقالت له تعليقا على تلك اللغة: ما هذه الرجرجة، فسُمّوا: الرجراجيون.
هذه الأحاجي لا وجود لها في كتب السيرة أو السنة أو المعجزات والخصائص على كثرتها، إلا ما ذكره المغاربة، في محاولة منهم لإيجاد منقبة متوهمة، كما افتروا مناقب أخرى، مثل حديثهم الموضوع في فضل سبتة، أو حديثهم الموضوع في فضل مدينة فاس،
هذه الأساطير، انطلت بسهولة على المسنِد الفاسي عبد الحي الكتاني، وروجها وروج لها، وكتب مقالا بخصوصها في (مجلة المغرب)، سنة 1936 – 1355، بعنوان "أشرف بقعة وأقدس بناحية مراكش"، زعم فيها أن بعض الصحابة مدفونون في المغرب قرب وادي نفيس ناحية مراكش، منهم يَعْلى الرجراجي أحد السبعة المذكورين، كما ذكر اعتمادا على المتأخرين الذين لا يعتمدون على إسناد، كابن خلدون وابن أبي زرع وابن القاضي، أن جيش عقبة بن نافع كان فيه عدد من الصحابة،
هذه المقدمة الصغرى، سيبني عليها مبرهنة خطيرة، وهي: إذا ثبت أن في جيشه عدد من الصحابة، فإنه من غير المعقول ألا يموت منهم أحد، بناء على هذا التعليل والتدليل، يخلص الكتاني إلى ضرورة وجود قبور الصحابة في المغرب، ومما قاله: "فهل كان هناك رصد لئلا يموت أحد من الصحابة بوادي نفيس وبلاد المصامدة؟ إن هذا عجب عجاب". كما قال في مقاله أيضا: "وأرى انه لا يستبعد ورود هؤلاء المصامدة على النبي صلى الله عليه وسلم من المغرب".
ولو كان محققا، لقال أيضا: من المحتمل ألا يموت منهم أحد، لكنه والتحقيق على طرفي نقيض.
والمقرر عند المحدثين، أن إثبات الصحبة لا يتم بعبارة [إن هذا عجب عجاب]، كما لا ينبني على عبارة [لا يستبعد] وليس في هذا الباب مجال للترجي والتمني..
ومن توسعات عبد الحي الكتاني في الصحابة، أنه ذكر في كتابه البحر المتلاطم الأمواج ثلاثة أحاديث في القبض، هي:
أولها: حديث وائل بن حجر (ص: 461)، وقد روي بأسانيد وطرق، منها عن عاصم بن كليب عن أبيه كليب عن وائل بن حجر.
ثانيها: ذكر الكتاني في ص: 492 حديثا آخر، ونصه: "الثالث والعشرون: حديث سيدنا الفيل". وهكذا روى حديثا عن صحابي اسمه الفيل. فتنبه
ثالثها: حديث وائل الفيل (ص: 496)، وهذا صحابي ثالث، وهذا الصحابي ذكره أبو موسى في كتابه في الصحابة، وقال: هو وائل بن حجر، وذكر الحافظ ابن حجر في الإصابة سنده [عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل بن حجر]، لكن الكتاني اعترض، وتشبث بكون وائل الفيل شخص، ووائل بن حجر شخص آخر، حتى يتسنى له الإكثار من الأحاديث الواردة في القبض، ليواجه المفتي الوزاني المؤيد للسدل.
الخلاصة: عندنا حديث عن صحابي اسمه وائل بن حجر. وحديث عن صحابي آخر اسمه الفيل، وحديث آخر عن صحابي اسمه وائل الفيل.
فهل عندنا هؤلاء الصحابة؟
الحقيقة أن عبد الحي الكتاني كان جمّاعة، لكنه كان بعيدا عن التحقيق، لذا تجده يجمع ويقمش، وبعد بحث بسيط، تبين لنا أن الحديث واحد، وأن الصحابة الثلاثة صحابي واحد، هو وائل بن حجر.
وسبب وهم عبد الحي، أن وائل بن حجر كان من أبناء أقيال اليمن، والأقيال هم ملوك حمير، ومفرده [القَيْل]، ولقب الأقيال كلقب الفراعنة عند ملوك مصر، مفرده [فرعون].
ولما كان وائل من أبنائهم، كان يُطلق عليه (القَيل)، أو (وائل القيل)، فتصحف على عبد الحي، وظنه الفيل صاحب الخرطوم، فزاد في الصحابة صحابيا اسمه سيدنا الفيل، وصحابيا آخر اسمه وائل الفيل.
وهذا لقب معهود عند المحدثين، لا يخفى على المشتغلين بالحديث، بله الحفاظ الذين يُدرج ضمنهم عبد الحي قسرا، لذا نجد حديث القبض المشار إليه في معجم الطبراني الأوسط مرويا عن [وائل بن حجر القيل] هكذا، وفي معجمه الكبير عن [وائل القيل] بهذا الضبط، وفي باب الواو من المعجم الكبير، باب خاص بأحاديث [وائل بن حجر الحضرمي القيل] هكذا، وضمن هذا الباب 25 حديثا، من الحديث 78 إلى 102، كلها مروية بسند [عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل بن حجر]، وعبد الحي استند إلى الحديث 91 منها، وهو الحديث الذي قال فيه الطبراني [عن وائل القيل].
ومن يعرف شرط ومنهج الطبراني، يعلم أن وائلا هذا لا بد ان يكون وائل بن حجر، لأنه لا يمكن أن يدرج بين أحاديثه حديثَ غيره.
وعبد الحي الكتاني لا عذر له في هذا الوهم إلا قلة التحقيق، أما صاحبنا خالد السباعي محقق الكتاب، وهو كبير محققي دار الحديث الكتانية، فلم يتنبه إلى هذا التصحيف أولا، ولم يتنبه إلى اختلاق صحابيين وهميين ثانيا، ولم يتنبه إلى لقب القيل والأقيال ثالثا، وجهده منحصر في توثيق المعلومات السهلة، وفي اتهام الغير بالباطل.
وإذا كان هذا حال كبير محققي الدار، فكيف بصغارهم؟؟
أما منهج عبد الحي الكتاني، فهو التوسع في الصحابة، واستساغة إدراج من شاء ضمنهم، فتتوسع دائرة [عدالة] غير العدول، ويُدرج معهم الشخصيات الحقيقية، والشخصيات المختلقة الوهمية، ولا حرج عنده في الموضوع. رغم خطورته وحساسيته وعواقبه.
ومن عواقب التوسع والتساهل في الصحابة، تصحيح ما ليس صحيحا، ومنه حديثنا هذا في القبض الذي رواه عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل بن حجر، لكنه روي عن عاصم بن كليب عن أبيه عن جده، وجده هو شهاب بن المجنون الجرمي، اختلف في اسمه، وادعي فيه التصحيف أولا. وأكثر مترجميه ذكروه ضمن الصحابة بصيغة التمريض، ولم يجزموا بذلك، وقال ابن السكن: "رواه جماعة عن عاصم عن أبيه عن وائل بن حجر"، وفي هذا إشارة إلى تضعيف الرواية الأخرى عن الجد.
والرواية عن الجد قال عنها أبو داود: "عاصم عن أبيه عن جده ليس بشيء".
ومع كل هذا، فإن عبد الحي الكتاني يصحح الحديث، بناء على الجزم بأن شهابا هذا صحابي، فقال معلقا ومصححا: "عاصم وثقه فلان وفلان وفلان.... ووالده كليب وثقه فلان وفلان وفلان .... وشهاب صحابي". ص: 495.
وهكذا يبني على الجزم بصحبته تصحيح الحديث أولا، والإكثار على المفتي الوزاني عدد أحاديث القبض، وهي عند التحقيق حديث واحد، وهو حديث وائل، لكنها عند عبد الحي أربعة أحاديث:
حديث وائل بن حجر.
حديث وائل الفيل.
حديث الفيل.
حديث شهاب بن المجنون.
وبهذه الطرق كان يسيطر على عقول فقهاء عصره، الذين استفرغوا كل وسعهم لقراءة ابن عاشر وشروحه، والمختصر وشروحه وحواشيه، وعلوم الآلة، ولأنهم لا يعرفون الحديث على الإطلاق، ولم يتصفحوا التقريب وتهذيب التهذيب وكتب التخريج، فإنهم سلموا له، وظنوه حافظا حقيقيا. ثم استمرت الدعاية على هذا الوجه. وانطلت على من لا يبحث ولا يراجع.

لا توجد تعليقات:

للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.

أضف تعليقك