أنتلجنسيا المغربc أن يكون للمهرولين المطبِّعين مع العدو الصهيوني إذاعات وقنوات، وجرائد ومواقع، ومرتزقة مجهولي الهوية من الكتَّاب ومن الذباب.. فهذا شيء أصبح مألوفا ومعتادا ولا غرابة فيه. فما دام القوم يتصرفون في ثروات الشعوب كما يريدون، فإنهم يستطيعون امتلاك كل هذا وغيره. ولكن الجديد والغريب هو أن يجدوا من الشيوخ المعمَّمين منيُسوِّغ أفعالهم ويزين خطاياهم، ومن يدور معهم كيفما داروا ومهما جاروا. وقد قرأنا ورأينا وسمعنا من بعض شيوخ المطبعين من يدافعون عن شرعية المسار الإماراتي في التطبيع والتحالف مع دولة الاحتلال الصهيوني، ويمتدحونه، ويصنعون له “أدلة شرعية” على مقاسه، وعلى مقاس ما هو آتٍ على منواله… ومن ذلك أن بعضهم تبنَّوْا نظرية فرعونية قديمة مفادها {قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَاد} [سورة غافر: 29]، وصاغوها بألفاظ جديدة، لتبدو بريئة من الفرعونية، من قبيل: السياسة الشرعية، وتقدير المصالح، والعلاقات والاتفاقيات الدولية، كلها اختصاصات حصرية لولي الأمر! وهذه النظرية ستكون موضوع مقال قادم إن شاء الله تعالى. وأما الآن فالأولوية عندي لاستدلال بعضهم على مشروعية التطبيع، بل على مشروعية الاغتصاب والعدوان،بالقرآن الكريم؛ لأن تحريف معاني القرآن، وبشكل صريح ومباشر، لا يحتمل السكوت ولا التأخير. استشهد أصحابنا-كما رأيت وسمعت على الهواء مباشرة – بقوله تعالى: {يَاقَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُم} [المائدة: 21]، فاعتبروا هذه الآية دليلا على أن الله تعالى قد كتب فلسطين وبيتَ المقدس لبني إسرائيل، وأمرهم أن يدخلوها ويتملكوها.. ولقطع دابر التحريف والبهتان، وسد كل ثغرة للشيطان، أقف – فيما يلي – مع هذه الآية ومُضمَّنها..
- سياق هذه الآية هو قوله تعالى:
- {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ يَاقَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ قَالُوا يَامُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونقَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ قَالُوا يَامُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} [المائدة: 20 – 26]
- الآيات تتحدث عن واقعة تاريخية محددة، وهي خروج بني إسرائيل من مصر، بعد أن أنجاهم اللهعلى يد نبيه موسى عليه الصلاة والسلام، مماكانوا فيه من الاستعباد والإذلال والعذاب..{وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ} [البقرة: 49، 50]، بعدها أمرهم الله تعالى أن يتوجهوا للإقامة في أرض مباركة، قد كتب لهم وأذن لهم بالعيش فيها بسلام وأمان. قال عدد من المفسرين: هي مدينة أريحا.
- رفض قوم موسى الدخول إلى الأرض المقدسة التي أُمروا بدخولها، بدعوى أن فيها قوما جبارين يخشون منهم.. وجزموا أمرهم بأنهم لن يدخلوا هذه الأرض حتى يتم إفراغها لهم من أهلها وسكانها.
- بعد هذا التمرد والعصيان، توجه موسى عليه السلام بالشكوى إلى ربه سبحانه{قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ}.
- بعد ذلك حكم الله تعالى بحرمان قوم موسى من تلك الأرض المقدسة التي أمرهم بدخولها فأبَوْا، بل جعلها محرمة عليهم لأربعين سنة، وأنهم يبقون هذه المدة تائهين في الأرض، بلا مأوى محدد.. ولم تصرح الآيات: هل دخل قوم موسى بعد ذلك أريحا أم لا؟
- والآية فيها أمر بدخول مدينة معينة (يقال هي أريحا) من الأرض المقدسة والعيش فيها، وليس فيها إقامة دولة، ولا تهجير للسكان الأصليين، ولا الاستيلاء على مجمل الشام أو فلسطين، أو ما بين الفرات والنيل.. أو غير ذلك من الأساطير الصهيونية التي يطبع معها المطبعون.. فكان على المخاطبين اليهود آنذاك أن يدخلوا الأرض المقدسة، التي كتب الله لهم دخولها، بصفتهم “لاجئين مضطهدين”. وفي هذه الحالة كان حتما على أهل البلاد أن يقبلوهم لأسباب إنسانية، ولأن الله تعالى قد كتب لهم هذا المخرج من محنتهم..
- وفي جميع الأحوال، ومهما تكن التفاصيل المسكوت عنها في الآيات، فنحن أمام واقعة تاريخية عابرة، وردت فيها أوامر وقتية تخصها وتخص المعنيين الخاطبين بها. فالدخول إلى الأرض المقدسة والإقامة فيها بإذنٍ وفضل من الله تعالى، هو حل وقتي لمن كان مع موسى من اليهود الفارين من فرعون وملئه.. وليس هذا تشريعا عاما دائما مؤبدا. فمن يريد حمل الآية على التشريع الدائم المؤبد، يكون كمن يريد استدامة الحكم على بني إسرائيل بمقتضى قوله تعالى {فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ} [البقرة: 54]، وقوله بعد ذلك {وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ} [البقرة: 58]وقوله بعد ذلك{وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} [البقرة: 65]!!
- أما العبرة الباقية الخالدة في الآيات فهي بيان بعض الطبائع والتصرفات الـمنحرفة لقوم موسى، تحذيرا للناس منها ومن عواقبها، وأن عصيان قوم موسى ومعاكستهم المباشرة لله ولرسوله، قد جلب عليهم حرمانهم مما أنعم الله به عليهم.. فصارت الأرض التي كتب الله لهم دخولها والعيش فيها، صارت محرمة عليهم بسبب عنادهم وعصيانهم.
- أنتلجنسيا المغربc
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك