أنتلجنسيا المغربc عبر التاريخ كان إثبات الهوية سببا من أسباب الصراع الإنساني ومحورا مهما في تحديد مناطق النفوذ الترابي والإقتصادي والإجتماعي والوجودي ، غير انه مع تشكل هويات اخري مثل الدولة والمنظمات الدولية والإقليمية والمتخصصة أصبحت الهوية هي أيضا مجالا للإستخدام والإستقطاب والتوجيه من قبل الأنظمة السياسية والمنظمات الدولية والإقليمية ، و للهوية عدة تعاريف فهي عند علم النفس “الوعي بالذات واعتراف بالأخرين بما نحن عليه من الأنا وتمكن الفرد من تقدير ما لديه متفردا“ أي فردانيته…وهناك الهوية الشخصية التي هي منتوج العملية الاجتماعية التي تسمح من تكوين ” ذات الأنا ” . وهكذا بالنسبة لعلماء الاجتماع فان الهويات الشخصية تولد من التفاعل الاجتماعي ، وأما الهوية الشخصية تعكس الصورة التي نضعها لذواتنا . أما الهوية الثقافية والتي من خلالها تعرف مجموعة بشرية ما وبقيمها وافكارها ولغاتها وتقاليدها ومعتقداتها ونمط عيشها الجماعي ومخزونها التاريخي والموروث الثقافي والشعبي .وعليه فلا يمكن الفصل بين الهوية الاجتماعية عن الهوية الشخصية التي هي نتاج العيش في المجتمع والتجارب المكتسبة من الأشخاص طيلة حياتهم ومن خلالها يتمكن الفرد من بناء ذاته والوعي بالإختلاف بين كل الأفراد .
أما بالنسبة للشعور الوطني ذلك الشعور الذي يحس به الفرد عند انتمائه للوطن هذا ما يطلق عليه بالهوية الوطنية وهذه التسمية عرفت إبان حكم نابليون الأول.وصارت الوطن والوطنية مركبة لتركيز ومركزة التفكير والإنتماء للوطن وإشعاع حرارته بين صفوف الناس أي المواطنيين الذين يقطنون التراب وهوية الوطن التي ترقى مع الزمن وتنمو لتصير لها قدسية تتساوى مع الكثير من المقدسات بل هي من موجبات فداها بالمال والروح لحظة التي تستوجب ذاك في منطق الساسة الذين يبحثون عن الدعم والزخم البشري لترويج الفكر السياسي الذي يتمحور حول السلطوية ويقرنون الوطنية بالإيمان والوطن بالأم كلاهما تستوجب الفداء في اللحظة الحاسمة والمناسبة التي تتقدم سواء كانت انتخابات او تقديم الأموال لمواجهة كارثة كيفما كانت .
هذا ويمكن تعريف الهوية حسب الفيلسوف المغربي محمد سبيلا “هي الوعي بوظيفتها الأساسية وهي حماية الذات وصيانتها من تحولات التاريخ وعواصفه” . اما حسن اوريد فيرى ان خطاب الهوية مستجد وخطاب طارئ“، فـقبل ثلاثين سنة لم يكن حاضرا، بل كانت هناك مفاهيم تعبّر عن حاجات جماعات معيَّنة“، وكان استعمالُ مصطلح “الشخصية” (الوطنية أو العربية الإسلامية) معهودا عند طه حسين وعلال الفاسي وهشام جعيط. وأضاف ” ليس هناك ما يقدح في أيّ جماعة تريد الاعتراف بخصوصيتها، لكن المشكل أنّ كلّ خطاب للهوية لا يقوم إلا على شيطنة الآخر، واستعدائِه، وهنا تكمن الخطورة . في حين يؤكد الباحث العراقي كاظم الموسوي ان الهوية والمواطنة في ظل غياب المساواة بين المواطنين لن تكون هناك مواطنة .
إن السياسة بصفة عامة والأنظمة السياسية بالخصوص لها علاقة بالهويات علاقة مترابطة ومتماسكة الأولى تقترب روتضم الثانية إن هي كانت قوية ولها مرجعيتعا واستقلاليتها الترابية والإقتصادية ، والهويات بدورها تتفاعل مع النظام ضمن نطاق المعترف لها من حقوق مع العمل على الضغط للإستزادة والتوسيع من تلك الحقوق والإعترافات وقد ترفع حدة او تخفظها حسب ما لديها من نسبة الضغط والقدرات على الإستقلال كما وقع في اسبانيا حين تم استفتاء الشعب الباسكي حول الإستقلال وتم الغاؤه من قبل السلطة الإسبانية المركزية ولجوء بعض الزعماء لفرنسا تفاديا للمحاكمة . بالرغم من لشعب الباسكي يتمتع بسلطة محلية قوية باستثناء المالية والجيش غير انه صوت بنسبة عالية 60في المئة لصالح الإنفصال.وتلك كانت ضربة قوية للسلطة المركزية التي ذهبت بعيدا في إعطاء الجهات 17 أستقلالا في التسيير التخطيط في المجال الترابي والإداري والإقتصادي والأمني باستثناء الجيش الذي ظل في المركز والنقد الذي بقي تحت إمرة البنك المركزي الإسباني .
لذا نجد النظام السياسي أينما وجد يمارس سلطته في الحياة السياسية اليومية على الجماعات والأفراد والهويات من خلال تصنيفهم وتعيينهم بشخصياتهم ويربطهم بهوياتهم ويفرض عليهم قواعد قانونية التي يجب الإعتراف بها وبالتالي كما يقول فوكو الفيلسوف الفرنسي ” إن الهوية تصبح إذن سياسية كنتيجة لعلاقة سلطة مميزة ، إلا ان السياسة الفعلية هي تلك تكون الصراعات ضد الخضوع يستوجب بالأساس صراعا ضد الهوية . وهكذا نجد ” جاك رونسيار ” الفيسوف الفرنسي يتحدث عن سياسات الهوية ولكن يشرح بان أي هوية لن تكون في مستوى السياسي” .
اكيد ان أي نظام سياسي لن تكون له بنية سياسية سليمة دون هويات ولكن البناء وعلى أساس الهوية وحده ووحيد لا يطول قيامه فلابد أن ينقض على أصحابه ، لأن الخلافات التي تمثله الهوية من حمولاتها الثقافية والفكرية والإجتماعية والمعتقداتية والعرقية كلها سببا من أسباب تقويض ذاك البناء الذي أقيم على أساس الهوية والهوية وحدها إذن لابد من إيجاد هوية حاضنة لكل الهويات وتعاملهم على أساس المساواة دون وضع أي حواجز إزاء أي واحدة منها كيف ما كانت سياسة إجتماعية إقتصادية إدارية الخ… تلك الحاضنة التي تجمع الكل في نظام واحد هي الدولة الديموقراطية التي في ظلها تجد كل هوية طريقها الى ابراز وممارسة كل ما يعكس اختلافاتها الفكرية والثقافية والإجتماعية والعقائدية ممارسة لا تعارض من أي جهة إلا من خلال قناة القواعد القانونية المتمثلة في الدستور وعبر السلطة القضائية في حالة النزاع.
والأكيد أيضا ان الهويات منبع للتطور واثراء لما تحويها من اختلافات في الذهنيات وسبل التفكير ومراكماتها لتجارب غنية وممارسات، لأن كل واحدة من الهويات تتعامل مع نفس الحدث او الموضوع من زاوية مختلفة وتفككه وفق رؤى لا تتكرر لأن الهوية تاريخ وتجارب وتراكمات إنسانية يتم توارثها لدرجة تدخل في كنه الفرد او الجماعة التي تنتمي لهوية ما.
لذا فالنظام السياسي عادة وفي كل مكان لا يقف موقف العداء نحو هوية ما خاصة لما تلك الهوية لها من الغنى الفكري والإقتصادي وتحتوي في صفوفها نخبا فكرية وتضم ثقافة قائمة الذات مما يعطيها زخما يجعلها تحظى بالإحترام والتقديمر والدولة التي تكون ضمنها تلك الهوية ترفع درجة الاهتمام بها لأنها أصلا تكون هي المكون الأساس لبنية الدولة الفكرية والسياسية . لكن الهويات التي لا تحمل مشروعا مجتمعيا او اقتصاديا او سياسيا فهي مهما حاول فرض نفسها على الدولة او المنظمة التي تتواجد فيها فهي كمن ينفخ في الفراغ مادامت لا تستجمع قواها وتدعمها بمواقف من خلالعا تشكل ضغطا على الدولة وبالتالي يمنها ان تنظر في مطالبها وإلا ستكون الدولة في مثل هذه الحالة تلهي وتؤمل افراد الهوية التي لا قوة لها .وقد تمنحها بعض النوافذ التي لن تشكل منفذا للمطالبة بالمزيد كالإعتراف بوجودها في حود ضيقة خاصة لما تكون تلك الهوية لا تمتلك قوة جمع مكونيها او المحسوبين عليها إما لغويا او دينيا او من قبيل ذلك. . فاللأنظمة السياسية المبنية على أسس الهويات لن تكون مستقرة في المدى البعيد ولا المتوسط لأنها تحتوي في داخلها مبرر عدم استقرارها وبالتالي فنظام المحاصصة التي يقوم عليها النظام السياسي كما هو حال لبنان تراه دوما في حالة اضطراب وعدم الاستقرار للإيلاء الأولوية للتنمية ورعاية المجتمع وتأسيس مشروع يقوم على العدالة التي ترعاها وفق ما توصل اليه الفكر السياسي هو الديموقراطية التي تفصل بين السلط الثلاث وتخلق نوعا من التوازن بينها دون ان تتدخل الواحدة في الأخرى .
إذن لا محيد عن الديموقراطية في الأنظمة المكونة من قبل عدة هويات باختلاف أسسها وتنوع مشاربها ومرجعياتها، فهده البنية التي تشكلها الديموقراطية هي الأساس للهويات لكي تحافظ على انسجامها وتطوير كياناتها وربط علاقات مع الهويات المتعايشة معها في ظل الإحترام المتبادل الذي تنظمه القوانين التي تضها الدولة الديموقراطية والتي تتعامل بالتساوي مع كل الهويات بشكل لا يسمح بالتمييز او الإنحراف نحو النفكك مما يسقط النظام الديموقراطي وينحرف الى نظام فوضوي.
أنتلجنسيا المغربc
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك