"جابويريك" يكتب:تأملات في زمن كورونا)الجزء الثاني والأخير(

"جابويريك" يكتب:تأملات في زمن كورونا)الجزء الثاني والأخير(
... رأي / الجمعة 01 نوفمبر 2024 12:29:03 / لا توجد تعليقات:

أنتلجنسيا المغرب

سجل  فيروس كورونا آثار متنوعة و متعددة ، و على أكثر من صعيد ،  و في مختلف الدول، فلم تفلت دولة من دول العالم من هاته الآثار و إن اختلفت من حيث درجتها وحدتها ، و لم تكن الأثار فقط سلبية بل ترتب عن فيروس كورونا نتئج إجابية و لا بد من حصرها في ما يلي:

كورونا  و واقع التحولات الدولية و الوطنية :

إن الصراعات التي قامت بين الصين و الولايات المتحدة الأمريكية فيما عرف بقضية هواوي Huawei. و التقاطب الأورو- امريكي، بعد إنهيار المعسكر الشرقي ، و كذا محاولات تركيا و تحركاتها لأجل خلق حلف جديد ، بين تركيا و ماليزيا و قطر و باكستان .

 ولا يغيب عن المتتبع للشأن الإقتصادي الدولي ما تشكله السوق العربية و الإفريقية من إستقطاب للإستثمارات الدولية، و لعل النهج الإستباقي الذي يشتغل عليه المغرب على اكثر من صعيد هو ما جعله يلتفت إلى  إفريقيا التي تربطه بها علاقات متنوعة ومتعددة مدشنا عودته غلى حضن افريقيا بعودته إلى الإتحاد الإفريقي و تقوية إستثماراته بها.

 ومن هنا يطرح السؤال نفسه هل سيدفع كورونا إلى  تقوية إتجاه دون آخر ودعم توجه على آخر ؟ و في مختلف المجالات، إقتصاد و سياسة و إجتماع؟

  • الإقتصاد: ان العالم اليوم يرتقب أزمة إقتصادية ربما ستكون اقوى من تلك التي عرفها العالم سنة 1929، ولعل المؤشرات الحالية الان على ذلك ، القرارات التي تتخذها الحكومات عبر العالم ، من خفض سعر الفائدة وو جعله بنسبة 0 من مائة و تقديم الدعم المباشر للشركات و المقاولات لأجل ضمان إستمرارها و إبقاءها موجودة فاعلة ، بل إن منطق التعاون الذي كانت ترفعه دول ارويا و امريكا شعارا لها سرعان ما تبخر و أصبح واقع الحال يجعل كل دولة تنغلق على ذاتها لحماية شعبها ومصالحها . ولعل عدم تقديم الدعم لإيطاليا و إسبانيا من قبل دول الإتحاد جعل الشرخ يتسع ، في وقت قدمت فيه الصين الدعم الطبي لهاتين الدولتين ، جعل كثير من المراقبين و المحللين يتوقعون إنهيار الإتحاد الأروبي. أمام ما حققه التنين الصيني من مكاسب إقتصادية بتوفيره للكمامات و أجهزة التنفس الإصطناعي لأكثر من دولة بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية القوة الإقتصادية الأولى و دول أوروبية كإيطاليا و إسبانيا ، فقد سبق لحاكم ولاية نيويورك ان أكد سعيه للحصول على أجهزة تنفس إصطناعي من الصين ، كم اكد  مدير سلسلة التصدير في شركة فيندنغ كوم، الصينينة أن جميع مصانع أجهزة التنفس في الصين وصلت إلى طاقتها الإنتاجية القصوى لتلبية الطلبات الأجنبية بعدما صدرت لها أوامر من الحكومة الصينية بأن تعمل بكامل طاقتها حتى شهر مايو2020. وان شركته تتلقى أكثر من 60 إلى 70 طلبًا ، جديدًا. بمئات أو آلاف من هذه الأجهزة كل يوم.

و لعل هذا الكسب الصيني ليس الوحيد أو الأوحد فتركيا الرجل المريض سابقا بعدما اخذ يتعافى أصبح اليوم يتقدم بخطوات إلى الأمام بمده دول اروبا بمساعدات إفتقدتها دول اوروبا من دول الإتحاد وهو ما جعل الشعب الإيطالي يعمد إلى إحراق عالم الإتحاد كما عمد مسؤولون بعمادات مدن عديدة إلى إزالة هذا العالم.

و المغرب في خضم مواجهته لهاته الأزمة تفاعل بكل إيجابية مع هاته المتغيرات، كانت محطة إشادة من قبل العديد من الجهات منها منضمة الصحة العالمية ، فأمام الخصاص الدولي  ونقص هاته المعدات الطبية أعطى صاحب الجلالة تعليماته لدعم المقاولات المنشغلة بمواجهة كورونا و و التي حولت عملها إلى إنتاج ما يمكن الدولة من مواجهة هاته الأزمة . و للحفاظ على الشغل بالنسبة لشرائح من العمال ، و إن كان أن قطاعات مهمة تضررت بفعل الأزمة التي خلفها الفيروس، و شكلت حصة الأسد من هاته اليد العاملة تلك المشتغلة بالقطاع غير المهيكل. فإنطلقت إبداعات و إختراعات مغربية ، و تصنيع العديد من التجهيزات أهمها الكمامات و الأجهزة الإصطناعية للتنفس و المعقمات. و هو ما أثار موجة غضب قوية لدى الفرنسين ضد رئيس الجمهورية و الحكومة الفرنسية. كما خلفت إرتياحا لدى المواطن المغربي و سرورا و إعتزازا بما حققه المغرب في هذا السياق.

 الأمر الذي جعل بعض المتتبعين يرى ان المغرب سيخرج من هاته الأزمة بمكاسب جديدة و هي إنفتاحه على  أسواق عالمية ،بعدما لم إستطاع أن يتحرر من الإرتهان الخارجي بسبب حاجياته الطبية.

  •  السياسة:

أمام عدم المعرفة الدقيقة بالفيروس و ما يرتبه من اثار على صحة المواطن ، وغموض الافق الذي يخلفه هذا الفيروس، و الإنتقال به من وصف مرض إلى وباء ثم إلى جائحة ، جعل إختيارات الحكومات تعدد سواء عبر الزمن ، او عبد الدول. وذلك ناجم عن الوضعية المفاجئة التي وقفت أمامها العديد من الدول أزاء هذا الفيروس،  وعدم الإستعداد القبلي لهاته الجائحة ، كما أسمتها منضمة الصحة العالمية .

 و لعل اقوى أرتباك هو ما ظهر في العلاقة بين أمريكا و أوروبا ، سواء كتكتلين إقليميين (EU /ALENA ).أو فيما بين دول كل تكتل . فلأول مرة في تاريخ العلاقات الأمريكية الكندية يتم نشر الجيوش الأمريكية على الحدود الكندية .فيما بين المحيطين الهادي و الاطلسي و على طول أزيد من 8900 كلم ،  وقد بررت الإدارة الأمريكية هذا القرار بعملها لحماية بلدها من إنتقال الوباء. بينما اثار هذا الفعل قلق كندا التي عليها مواجهة الأزمة الوبائية التي يسببها كوفيد إلى جانب ازمة ديبوماسية و إقتصادية يتسبب فيها دونالد ترامب و إدارته.

في الوقت الذي يمنح  و في سرية تامة ، العملاق الصيني هواوي، الذي تم إعتقال مديرته المالية مينك وانزهو سنة 2018 بناء على طلب أمريكي ، وهي الأن قيد الحرية المشروطة بفانكوفر بكندا ، معدات طبية منها مليون واقي للوجه masques   و 30.000 نظارة و 50.000 قفاز .

و في سياق إستمرارية الصراع الجيوسياسي بين الصين و الولايات المتحدة الامريكية و الذي ، يأخذ مظهر  صراع الإقتصادي بينهما ، في ظل الازمة التي تخيم على العالم مع وباء كورونا التي ترتب عنها ، منظمة الازيد من 2.7 مليار شخص  أي بنسبة 81% من مجموع اليد العاملة بالعالم ، تعرض لشكل من إشكال البطالة ، إما عن طريق الطرد أو تقليص ساعات العمل أو التوقف العرضي عن العمل .

و تؤكدكل التقارير الدولية أن ما خلفه و سيخلفه غيروس كورونا لم يشهد له العالم مثيل مند الحرب العالمية الثانية . فإلى جانب كون هاته الأزمة ستطال كل القطاعات فهناك تفاوت بين نسبها ، أكد تقرير المنظمة  العالمية للشغل أن قطاع السياحة و الفندق و الصناعات

 كما انه لأول مرة تفعل المكسيك إغلاق الحدود في وجه الأمريكان لمنعهم من الدخول إلى أراضيها رغم الإتفاقية التي تجيز تنقل الأشخاص و الأموال بين أقاليم الدول الثلاثة ، منذ أن اقر ترمب إزاء الميكسيك ، بناء جدار فاصل بين الدولتين .

 و على الضفة الأخرى للمحيط الأطلسي نفس الغليان تعيشه اوروبا بين أعضاء الإتحاد أوروبي بعد أن تخلى بعضهم عن بعض ، ليأتي الدعم و المساعدة من الصين لإيطاليا و إسبانيا. مما خلف خنقا و إستياء لدى المواطن الأوروبي.

 وليس كل ما خلفه كوفيد أسودا بل إن بارقة الأمل تشرق في بقاع أخرى من المعمور منها المغرب. فالمنهجية التي تفاعلت بها السلطات العمومية بما فيها من شفافية بتقديم كل المعطيات و المعلومات المتعلقة بالوضع الصحية ، وما يتم إتخاذه من قرارات على أكثر من صعيد ( إفتصادي ، إجتماعي ، صحي) و تشاركية تجلت في مساهمة المجتمع المدني في تدبير المرحلة سواء بالنزول إلى جانب السلطات المحلية كفاعلين جمعويين . أو بالمشاركة في القرارات التي تخص المواد المصنعة محليا لمواجهة الازمة و مراقبة الاسعار والمواد الإستهلاكية  كجمعيات جماية المستهلك . هذه الصورة خلفت إستحسانا و تفاعلا إجابيا من قبل المواطن المغربي إلا القلة القليلة ، التي عبرت عن موقفها من خلال ردود فعلاها عن بعض الممارسات التي شكلت إستثناء . بدعوى العنف و أنتهاك حقوق الإنسان. وهو الموقف الذي لم يسجل ازاء الإعتداءات العديد من رجال السلطة و القوات العمومية.

  •  الإجتماع

المؤكد أن مخاوف سكان العالم من بمختلف الدول ، متباينة و متنوعة. فيبن من يتخوف من الخضوع لحجر صحي صارم ، قد يؤدي للمس بالحريات و يقيدها. هناك من يتخوف من فقدان الشغل و التحول إلى البطالة ، ونقص في موارده المالية ، سواء بطرده من العمل او تقليص ساعات العمل او وبين متخوف من نقص الحاجيات الغذائية آو التموينية عموما. و بين متوجس من تطورات الوضع الصحي و آثار الفيروس و فشل المنظومات الصحية. كل هذا و غياب النظرة الواضحة و الدقيقة لمستقبل الوباء و تطوراته، وتسارع الجميع نحو إيجاد دواء لهذا الوباء. جعل الدول و الحكومات تتخذ قرارت تسعى من خلالها لزرع روع الأمل و الإطمئنان لدى شعوبها ، حسب المتوافر من معلومات ومعطيات لديها. فقرار ت دعم الشركات و المقاولات و مساعدة الأسرالمتضررة و العمال المتوقفون عن العمل ، كلها إجراءات تسعى من خلالها الحكومات تخفيف حدة عبئ الأزمة على المستوى الإجتماعي .

و على نفس النهج سار المغرب ، من خلال مجموعة من القرارت التي تهم العمال المسجلين لدى الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي ، بتمكينهم من مبلغ 2000 درهم شهريا عن المدة من 15 مارس إلى متم يونيو  . و إن كان هذا المبلغ يقل عن الحد الأدنى للأجر ، فإن السؤال يطرح بالنسبة للأطر و المستخدمين الذين تضرروا من جراء هاته الأزمة ،و الذين تفوق رواتبهم هذا المبلغ بكثير و لهم من الإلتزامات ما يثقل كاهلهم. حتى و أن تقرر إل جانب ذلك تأخير أداء مستحقات الأبناك من ديون ناتجة عن قروض السكنى و الإستهلاك. إلى جانب إستفادة غير المسجلين بالصندوق الوطني للضمان الإجتماعي من المستفيدين و غير المستفيدين من خدمات التغطية الصحية راميد.

 و في ظل ما يخلفه فيروس كورونا من أثار إجتماعية و أزمة بالنسبة لفئات أخرى( الطلبة الجامعيين مثال على ذلك) لم يتم أخذها بعين الاعتبار ، أمام تقليص مداخيل الأسر  وعدم تمكنهم من تقديم المساعدات لأبنائهم في ظل الحجر الصحي.

و من الجانب الآخر فإن طبيعة المجتمع و روح التضامن التي تعمه ، جعلت الكثير من أبناء  هذا المجتمع ينطلقون في مبادرات للتكفل سواء بالأفراد أو الأسر قصد إعالتها و مساعدتها لتخطي الأزمة. كما يسجل أيضا انه في ظل ما سنه المرسوم بمثابة قانون المتعلق بالحجر الصحي عرفت نسب الجريمة عموما إنخفاضا مهما ، و تقلص عدد حوادث السير بالنسبة لما كان عليه الحال .

كورونا  و أفاق المستقبل دوليا و وطنيا :

ليس من باب التكهن ، و لا علم الغيب رصد ما يمكن إستشرافه وطنيا و دوليا ، على ضوء المعطيات الراهنة . و على الجميع يتفق أن الأزمة الراهنة ستنجلي ، ولن يطول ليلها ، لتنكشف على المجتمعات غيمتها.

 و السؤال ذي يطرح بهذا الشأن هو أي تدبير لمرحلة ما بعد كورونا. و أي أفاق مستقبلية للعالم و للمغرب بعد أزمة كورونا؟ و ما الذي يجب التفكير فيه لمرحلة ما بعد كورونا و عمله؟؟

للإشارة فإن فيروس كورونا رغم ما خلفه من ضحايا ووفايات فقد صحح العديد من اخطاء التدبير السياسي و الإقتصادي و الإجتماعي و التعليمي و الصحي والتربوي لدول العالم. فقد لاحظ الجميع غجتلال منظومات الدول على مستوى القطاعات المذكورة ـ وتبين ان ما تنهجه الدول لا يولي إهتماما لما يجب الإهتمام به.

  • الرأسمال اللامادي

جاء في خطاب صاحب الجلالة محمد السادس  بمناسبة الذكرى 15 لغعتلاءه العرش ما يلي:

(إننا نعتقد أن النموذج التنموي المغربي، قد بلغ درجة من النضج، تؤهلنا لاعتماد معايير متقدمة وأكثر دقة، لتحديد جدوى السياسات العمومية، والوقوف على درجة تأثيرها الملموس على حياة المواطنين.

...

ويعتبر الرأسمال البشري غير المادي من أحدث المعايير المعتمدة دوليا، لقياس القيمة الإجمالية للدول.

وكما هو معروف، فقد شهدت المعايير التي يعتمدها المختصون في المجالين الاقتصادي والمالي لقياس الثروة، عدة تطورات.

فقد كانت القيمة الإجمالية للدول تقاس سابقا، حسب مواردها الطبيعية، ثم على أساس المعطيات المتعلقة بالناتج الداخلي الخام، الذي يعكس بدوره مستوى عيش المواطن.

وبعد ذلك، تم اعتماد مؤشرات التنمية البشرية، لمعرفة مستوى الرخاء لدى الشعوب، ومدى استفادتها من ثروات بلدانها. وخلال تسعينات القرن الماضي، بدأ العمل باحتساب الرأسمال غير المادي كمكون أساسي....

ويرتكز هذا المعيار على احتساب المؤهلات، التي لا يتم أخذها بعين الاعتبار من طرف المقاربات المالية التقليدية.

ويتعلق الأمر هنا بقياس الرصيد التاريخي والثقافي لأي بلد، إضافة إلى ما يتميز به من رأسمال بشري واجتماعي، والثقة والاستقرار، وجودة المؤسسات، والابتكار والبحث العلمي، والإبداع الثقافي والفني، وجودة الحياة والبيئة وغيرها.

فالأمن والاستقرار مثلا، هما أساس الإنتاج والثروة. والثقة والمصداقية هما عماد تحفيز الاستثمار. إلا أن هذه المؤهلات لا يظهر لها أثر في القيمة الإجمالية للدول..)

من خلال هذا المقتطف يتضح ان ما سبق الحديث عنه في هذا الخطاب قد طفى إلى السطح و أصبح وجوب العمل على تنزيله . وذلك بإعطاء الأولوية للعنصر البشري من خلال الإهتمام بمؤهلاته و كفاءاته وما تقدم من إبداعات و إبتكارات. ثم انه ليس من قبل الإهتمام بالعلم و المعرفة محاكاة دول الإستعمار التي عملت على إستنزاف خيرات مستعماتها ، حتى ان بعضهم لازال ينظر لإفريقيا انها حقل تجارب يمكن ان إستخدام مواطنين لتاكيدنجاعة و نجاح اللقاح الدي يضنون انه فعال لمواجهة كوفيد 19. و الحال انه وحسب ما اكده البروفيسور Didier Raoult, فإن أكثر من 50% من الباحثين و العلماء بالمختبرات الفرنسية هم من أصول عربية أو أفريقيا . وهي الحقيقة التي فاجأت الرئيس الفرنسي عند زيارته للمختبر الذي يرأسه البروفيسور DiDier Raoult. و الذي أثار جدلا قويا بمناسبة إعلانه إمكانية علاج الكورونا فيروس ، بواسطة الكلوروكين.

كما أن الإبتكارات و الإبداعات و الإختراعات التي أنجزها شباب مغربي ، لأجل مواجهة فيروس كورونا تؤكد ان العناية يجب ان تعطى للرأسمال غير المادي . مع إعتبار الخصوصيات الوطنية للمغرب ، و إرتباكاته الثقافية و الجغرافية، لأنها تشكل أرضية صلبة للإنطلاق التنموي نحو المستقبل . كما أنها خلفية تمد المغرب بمؤهلات ومدخرات قد يفتقدها إذا ما قطع معها.

  • المؤهلات الوطنية :

كشفت أزمة كورونا على مؤهلات المغرب و قدراته للإنطلاق كقوة إقتصادية ، و لعل ما أعلنه صاحب الجلالة في خطابه بمناسبة الذكرى 44 لإنطلاق المسيرة الخضراء ، اكبر دليل على ان مستقبل المغرب ينطلق مع إفريقيا ، حيث قال جلالته "لقد جعلنا قارتنا، منذ اعتلائنا العرش، في صلب سياستنا الخارجية. فقمنا بالعديد من الزيارات لمختلف دولها، وتم التوقيع على حوالي ألف اتفاقية تشمل كل مجالات التعاون. وقد كان لذلك أثر ملموس على مستوى مكانة المغرب الاقتصادية والسياسية والثقافية والدينية داخل القارة." مضيفا  " وإننا عازمون على جعل المغرب فاعلا أساسيا في بناء إفريقيا المستقبل."

 ومما تأكد اليوم في ظل أزمة كورونا انه لابد من إعادة النظر في المنظومة التعليمية ، فقد ظل المغرب ردحا من لزمن يقوم بإصلاح التعليم و إصلاح الإصلاح حتى لم يتحقق من تلك الإصلاحات أي شيء و تبث عدم جدوى هاته الإصلاحات لكونها لم تأخذ بعين الإعتبار الطبيعة المنظوماتية للتعليم ، وإنما كانت جل الإصلاحات تنحصر في مجزوءات متقطعة من هاته المنظومة ، فحين يتم أصلاح التعليم العالي لا يأخذ بعين الإعتبار التكوين المهني و حين يتم إصلاح البحث العلمي لا يتم الأخذ بعيد الإعتبار المحيط الإقتصادي و الإجتماعي رغم إقراره كشعار .  ويكفي دليلا على ذلك انه حين تم إتخاذ القرار بالإهتمام بالإبداع و الإبتكار بدعوة صاحب الجلالة المقاولات و الشباب للانكباب على كل ما يمكن انجازه لمواجهة وباء كورونا. انطلقت اوراش الجامعات و المعاهد و الشركات رغم الحجر الصحي ، لتنجز ما لم يكن ينتظره العالم.

وليس فحسب بل إن قطاع الصحة اليوم بما قدمه رجاله لأجل مواجهة الوباء أعطى الدليل على وجوب إعادة النظر في هاته المنظومة كذلك.

 من هنا السؤال  عن السبيل لنجاح هذين القطاعين   وغيرهما من القطاعات و جعلها أكثر فاعلية و إنتاجية؟

أن اول ما يجب الإلتفات إليه هو الإبتعاد عن النزعة التصارعية بين القطاعين العام و الخاص ، فلابد من نظرة  بل ستراتيجيا تكاملية بينهما ، ففي الوقت الذي يلبي القطاع العام حاجيات الفئات الإجتماعية المتوسطة دون المتوسطة ، فإنه يتعين على القطاع الخاص الإشتغال دون أن يسيطر على عمله هاجس  الربح المحض والإثراء فقط. مع تحقيق نفس الغايات بالنسبة لفئات أخرى، و إنما تحقيق توازن بين خدمات القطاعين. بإعتبار اساسيات الخدمات وكمالياتهما.

 ومن الأسس التي يجب التفكير في تفعيلها لاجل ضمان فعلالية القطاع العام و الخاص في المجالين التعليمي و الصحي ما يلي:

  1. إيجاد هيئة مشتركة تضم القطاعين العام والخاص و المرتفق / المستهلك.

  2. تفعليل مسالك تدعم مرونة الإنتقال بين القطاعين للعاملين فيها و المستفيدين من خدماتها.

  3. فرض آليات تضمن التوازنات المالية و الإقتصادية للقطاعين.

  • المرتكزات المستقبلية لبناء المجتمع أستنادا على منظومة القيم المغربية .

لا يعقل أن يخرج قطاع التعليم الخصوصي عن رقابة الدولة إلا في ما يتعلق بالتراخيص و جزء يسير من التتبع ، و الحال أن العملية التربوية و السبل البيداغوجية ليست بالأمر الهين و اليسير. فهي إلى جانب كونها علم فهي فن. وليس من الميسر تحققها لدى الجميع.

فكثيرا ما نجد بعض أصحاب المدارس الخصوصية ، الذين يحكمهم تصور المقولة فقط . يعتمدون أشخاص دون مؤهلات علمية أو معرفية ، مستندين على العلاقات الإجتماعية فقط ( القرابة / الصداقات/  الأقدمية في العمل...) متناسين ان التعليم وظيفته ليس فقط التلقين ، و انما اساسا بناء المجتمع ، من خلال تكوين وتاطير اجيال المستقبل. و نظرة هاته الفئة للتعليم الخصوصي / المقاولة ، المبني على هاجس الربح ، هو ما ينعكس على مستوى التعليم لدى المتعلمين. ولإرضاء رغبة الأباء في تفوق أبنائهم، وتحت ضغط تحقيق المداخيل المالية الضرورية و الحفاظ على المتعلمين كزبائن،  تصبح النقط ممنوحة دون إعتبار للإستحقاق. في الوقت الذي يتم إستنزاف أباء و أولياء التلاميذ بأشكال شتى ( الإكراميات التي تمنح للعاملين في القطاع - سائق/ حارس / مرافقة/ معلمة/....أو اجر مقابل دروس الدعم) . والدافع إلى كل هذا هو تخلي الآباء عن مسؤولياتهم في مراقبة وتتبع أبنائهم في مسارهم الدراسي إلى درجة انك قد تجد من الأباء من لا يعرف حتى ما يتلقاه أبنائهم من مواد.

 ولعل هاته الحقيقة الكبرى التي كشف عنها فيروس كوفيد 19 ، حيث أصبحنا نلاحظها حين نسمع وسائل الإعلام تؤكد على وجوب إنتباه الأباء لأبنائهم  وتتبع دراستهم ، فهم ليسوا في عطلة و انما هي فترة دراسة عن بعد. و غياب دروس الدعم التي تأخذ من الأباء جزء غير يسير من رواتبهم مما يعني انه يجب التفكير في تنزيل برامج دعم على غرار ما تم إعتماده اليوم لمواجهة كورونا.

 ولا نعتقد ان مسار الرفع من المردودية لدا التلاميذ ، لن يقابله الإهتمام بوضعية رجال التعليم، و قد تأكد من خلال المنهجية التي تمت بها معالجة ازمة كورونا ان اهم سبيل للتفوق و تجاوز وضعية الازمة هو إشراك المواطن.

 والنموذج المغربي غني بهاته الصور. و التي جاء المستعمر لكسرها و تحطيمها و إقامة نماذج أخرى ثبت فشلها الصارخ اليوم.

فالنظام التعليمي المغربي على صورته التقليدية، في إرتباط المسيد بالجماعة ، حيث كان الإلتزام بين الجماعة و الفقيه الذي يتولى تدريس أبناء القبيلة او الدوار، كان يؤسس لعقد متبادل بين مجتمع القبيلة  و المدرس ، تطابق و تقابل عمل جاد ومنتج مع أجر إتفاقي وإمتيازات مادية (سكن / هدايا الأعياد و المناسبات...).و هذا ما تأخذ به التجربة الكندية في صورة حديثة عن طريق للجان المدرسية commission scolaire. و التي تشغل فيدراليتها على مستوى مقاطعة كبيك فقط 120000 مستخدم و تتكفل بتعليم 1.200.000 تلميذ.

 في حين أن جمعيات أباء و أولياء التلاميذ بالمغرب و رغم توافر هذا الإطار القانوني مع محدوديته فإن الآباء لا يولون أهمية لهاته المؤسسة ، و يختارون الطريق السهل ، أداء المال مقابل التخلص من مسؤوليات الأبناء.

ألم يكن من السهل جدا التعاقد بين جمعيات الأباء و المؤسسات الوصية لأجل تطوير هذا القطاع و تحسين مردوديته؟ لأن أكبر عائق أما الدولة اليوم هو إرتفاع نسبة الأمية التي لا محال ستعيق كل سياسات الدولة .

و نفس الامر بالنسبة لقطاع الصحة ، فإن القطاع الصحي الخاص و رغم ما يمكن أن يسجل من حضور له اليوم في مواجهة هذا الوباء . فالمطلوب ليس فقط إهتمام بالصحة العمومية موسميا ولا اثناء الأزمات فالعديد من المرضى و المصابين لا يجدون للقطاع الخاص سبيلا . إلا في أعداد قليلة من المتطوعين / المحسنين. و هو ما يجعل القطاع الطبي مفتقرا لروح التضامن كقيمة إنسانية اولا و قيمة اخلاقية مغربية ثانيا.

كما ان المنظومة الصحية المغربية بما أسست له وراكمته منذ 1959 و حتى قبلها ،  من بنيات أساسية ، ومع حلول فيروس كورونا جعلت الفاعلين المهتمين بالشأن الصحي يثيرون وضعية مجموعة من المستشفيات ( بنصميم نموذجا / مستشفى طب العيون بالقنيطرة / المستشفى المتعدد التخصصات بجرف الملحة  ..) و هي على حالتها عرضة للإهمال و الضياع لا ينقصها إلا الصيانة .. لتصبح مفتوحة في وجه المرتفقين.

كما انه لابد من التفكير في نشر ثقافة القرب لدى المواطن حيث انه ورغم وجود الكثير من المستوصفات إلا أن الكثير من المواطنين يختارون اللجؤ و لابسط الحالات العلاجية للمستشفيات ، وبقلب المستشفيات يعلو سوء التدبير التمريضي ليضاف غلى سوء الخدمات ، فليس دائما الإكتضاض سببا في تعطل الخدمات بقدر ما هو التهاون.

 نذكر في سياق تناول أزمة كورونا الحلول التي عملت الدولة على تنزيلها في مجال الصحة بعد ان  أثارة كل من الطبيب مستشفى المستشفى الجامعي محمد السادس و كذا المصاب الخاضع لعلاج به والمواطنة التي وجهت رسالة لوزير الصحة بخصوص مستشفة مولاي عبد الله بسلا ..الأمر الذي ترتب عنه إصدار توجيهات ملكية لنزول عناصر الطب العسكري للمستشفيات و العمل إلى جانب عناصر الطب المدني ، كما أن تطوع بعض المواطنين من مثل بدر هاري و زعيتر من أجل شراء المعدات الطبية وتجهيز المستشفيات و بعض رجال الأعمال الذين قاموا بدعم المستشفيات بتوفيرهم الوجبات الغدائية للأطقم الطبية . مما يستوجب التفكير في آليات دعم القطاع الصحي ليس فقط في فترات الأزمات و أنما بشكل دائم و مستمر. على غرار ما يقوم به بعض المحسنين بشأن المساجد وبنائها. و بنفس الفلسفة و المنطق الذي سبق للمرحوم الملك الراحل الحسن الثاني أن قرره بخصوص بناء المساجد حين أعطى توجيهاته إلى وجوب بناء مرافق إلى جانب المسجد تمكن من تغطية مصاريفه. من هذا المنطلق وجب التفكير في إسترتيجية متكاملة لتكوير منظومة الصحة ، لتقوم بأداء الخدمات المنوطة بها على أكمل وجه ، ودون أن تظل مرتبطة بشكل مطلق ميزانية الدولة في ظل محدودية موارد الدولة و تضخم نفقاتها ، خاصة منها الطاقية .

الرقمنة و الخدمات عن بعد:

أصبح لدى الجميع قناعة تامة بان الوسائط الإلكترونية وسيلة ناجعة لتخطي العديد من العقبات منها الإكتضاض و التأخر في الإنجاز و المزاجية و الزبونية و تضمن حدا من الشفافية و الحكامة و السرعة في أداء الخدمات. و لن يتسنى هذا إلا بالرقمنة و توفير الخدمات عن بعد. وهو ما سيمكن الإدارة من ضبط معطياتها ، و قد كشف فيروس كورونا أنه لابد لنا من  ضبط معطيات إجتماعية حول السكان. و أصبحت الحاجة ملحة ليس فقط لسجل إجتماعي موحد ـ وإنما وجب توفر الإدارة على سجل موحد للمواطنين بل السكان. فلم تعد خدمات المقدم / عون السلطة تستجيب لمتطلبات المجتمع ، في ظل إتساع المدن وكثرة ساكنيها. فليس بمقدور عون السلطة تدبير كل شؤون قاطني قطاعيه بالسرقة المطلوبة. و على سبيل المثال لا الحصر فلو كانت الإدارة متوفرة على معطيات محددة و دقيقة و محينة أكثر ، لما وقع ما وقع بشأن ورقة الخروج الإستثنائي و لكان طلبها يتم على شاكلة المعمول به في فرنسا مثلا أو حتى بشأن الضريبة على السيارات .

كما أن المساعدات التي تقدم اليوم تم إعتماد بطاقة الراميد و هي خدمة سبق للدولة أن أحدثتها لفائدة شرائح كثيرة إعتمادا على معايير غير التي تقرر إعتمادها بمناسبة كورونا فيروس.

و إذا كان  الإنخراط في الرقمنة أصبح ضرورة ملحة فغن ذلك يدعون لعدم الغرتهان التكنولوجي لمالك المعلومة و الدخول في حماية عمالقة التكنولوجية المعلوماتية. و ووجب العمل على تطوير قدرات الطاقات و الكفاءات الوطنية، و تأهيل الشباب للإبداع في هذا المجال و المجالات المرتبطة .

خلاصة

ان المغرب ، بعد الخروج من أزمة كورونا ، سيكون على موعد مع إقلاع  تنموي و إقتصادي شامل ، بعد ان أثبت بالملموس انه دولة مؤسسات راسخة ، وأمة قادرة و قوية . و عليه الإستمرار في الاوراش التي فتحت بمناسبة كورونا ، و العمل على ترسيخ كل القيم التي ظهرت للوجود مع كوفيد 19. فليس امرا صعبا أن نحافظ على عادات كثيرة فرضها الإحتياط ضد كورونا . ومنها أنماط الإستهلاك  و الإدخار . و التي لا تراعى فيها شرط الصحة و السلامة الصحية. و كذا ثقافة إنتظار الدور ، فمع كورونا أصبحنا نرى الناس في طوابير أمام الصيدليات و الأبناك و غيرها ، فهل سنحافظ على هذا النمظ من السلوك . أنها كما يقال ( أزمة و بتعدي )، و منها نطبق المثل ( وعادة حليمة لعادتها القديمة) أن خروجنا من أزمة كورونا يستوجب خروجنا من منطق ( الحملة ) فالجدية التي عرفتها هاته المرحلة يجب ان تستمر و ان لا يتم التراخي في المسؤوليات، وذلك لنكون فعلا امام تطبيق حقيقي لمبدأ ربط المسؤوليات بالمحاسبة ، فالمسؤوليات ليست فقط المسؤوليات الرئاسية و الإنتدابية . وأنما تأخذ أصلها من الحديث الشريف (كلكم راع و كلكم مسؤول عن رعيته)...أما أن يحكمنا منطق ساعات العمل او المردودية العددية  بدل من الجودة و الإتقان. فلا محال أننا سنكون قد أهدرنا الجهد و المال و الوقت في محاربة كوفيد بما لا يفيد...

أنتلجنسيا المغرب

لا توجد تعليقات:

للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.

أضف تعليقك