سعيد جابويريك يكتب:تأملات في زمن جائحة كورونا

سعيد جابويريك يكتب:تأملات في زمن جائحة كورونا
... رأي / الجمعة 01 نوفمبر 2024 12:29:03 / لا توجد تعليقات:

أنتلجنسيا المغرب

تقديم :

في ظل ما عاشه ويعيشه العالم اليوم ، و أمام انتشار وباء كورونا ، و توسع رقعة المناطق الموبوءة، و في سياق التسابق الدولي نحو علاج محقق لمواجهة هذا الداء، و مكافحته و محاربة كل أسبابه و آثاره، أصبح التتبع لكل المعطيات المتعلقة بفيروس كورونا شأنا اعتياديا يوميا للمواطن العادي أو للمتخصص في مجالات علمية ومعرفية متنوعة،  كالأطر العلمية أو السياسيين و أصحاب القرار، وذوي المعلومات الطبية منها أو الاقتصادية أو الاجتماعية . فإبان أيام الحجر الصحي الذي دعت له السلطات العامة بالمغرب ، ومن خلال ما تقدمه وسائل الإعلام من تقارير و ما تتداوله مواقع التواصل الاجتماعي من معلومات و أخبار عن فيروس كورونا مع انعكاساته وآثاره، سواء من خلال تصريحات السياسيين او تحليلات الاختصاصيين كل ضمن مجاله المحدد.

     وسنحاول في هاته الورقة أن نرصد تجليات كرونا و أبعادها ليس داخل الدولة القطرية فقط عبر نظرة شاملة . كما سنقف على كورونا و آفاق المجتمعات وانعكاساته عليها.

فالكل يرى كورونا بوصفه ذاك الكائن الصغير / الدقيق. وإنه ليتجاوز هاته الصورة إلى واقع الأستاذ الكبير الذي يعطي اليوم درسا للعالم بمختلف دوله و حكوماته و مجتمعاته ، بل دروسا متباينة في مجالات عدة.  لقد أتى لينذر العالم بأسره ويحذره من مساره الحالي وواقعه الراهن، واقع الحروب و الاستغلال البشع للثروات و تدمير البيئة ، و الصراع ضد الطبيعة التي اختارت اليوم أن تدافع عن توازناتها بواسطة هذا الفيروس الضعيف  المتحدي و المرعب جدا.

وإنه يريد منا أن  نسائل أنفسنا: هل لنا أن نستمر على ما كنا عليه قبل قدومه ؟ أم لابد من وقفة مع الذات أو الذوات كأفراد و كمجتمعات أو دول ؟ و هل بوسعنا أن نتحدى كورونا و أخواتها ؟ أم لابد من إعادة النظر في كل أنظمتنا، الغذائية و التجارية و المالية والصناعية و الاقتصادية و الاجتماعية و غيرها ؟ كل هذه التساؤلات تجيب عنها الورقة  المدرجة كمحاولة للرصد والاستجلاء.

التجليات:

لن نخوض في دراسة  تتبعية للأبحاث المخبرية . لا، ولن نسبر أغوار النتائج  الطبية أو البيولوجية،أ ونغوص جريا وراء الجواب عن أسئلة متداخلة تكون على غرار: من أين أتى هذا الفيروس ؟ هل هو طبيعي أم مخبري ؟ أهي الصين التي  تسببت في حدوثه ؟ أم هي فرنسا ؟ أم هما معا ؟ أم الولايات المتحدة ؟؟ وما دواعي استحداثه من قبل هاته الجهة أو تلك ؟ هل بخلفية سياسية لريادة العالم ؟ ام لغاية اقتصادية ؟ أو مسعى ديموغرافي ؟

لا جدوى من الركض وراء هاته الفرضيات أو تلك في  محاولة لإيجاد إجابات شافية مادام الفيروس قد أصبح واقعا أمامنا ، و الأجدر بنا التركيز على حالته الراهنة ، و محاولة إيجاد حلول ناجعة للأزمة التي يلقي بظلالها علينا. لذا سنكتفي بما قدمه لنا علماء الفيروسات Virologues   . حتى نعلم عما نتكلم وماذا نعني حقيقة بهذا الفيروس ليكون مادة وموضوع ورقتنا المتناولة . فالحديث عن كورونا فيروس COVID-19 Coronavirus disease of 2019 ، يحيلنا على تجارب و معارك سابقة خاضتها البشرية في أوقات سالفة.

 SRAS CoV (syndrome respiratoire aigu sévère dû à un MERS-COV) (Coronavirus du Syndrome Respiratoire du Moyen-Orient) .   أو(coronavirus) وهذا الكوفيد 19 هو واحد من عائلة التاجيات Corona virus .

 ففي سنة 2013 ادلى بإفادات دقيقة وزير الصحة السابق البروفسور الحسين الوردي ، بخصوص هذا الوباء كورونا فيروس الذي عم دول الخليج سنة 2012 ، مؤكدا اتخاذ الحكومة آنذاك ، نفس التدابير التي أعلنت عنها السلطة العامة اليوم. فالأوبئة في مجملها ليست ظاهرة مستحدثة أو غريبة ، بل تفاعل معها الإنسان بصفة شمولية  و الدولة المغربية على وجه التحديد ، وذلك على مر فترات من تاريخها الحديث والقديم ، و خرج من معاركه معها منتصرا تارة وأخرى منهزما بخسائر مختلفة باختلاف الوباء و حسب ظروف الزمان و المكان. إلا أن السؤال الذي ظل يطرح نفسه هو: لماذا هذا الهلع والرعب من كورونا فيروس ؟؟ و هل من سر وراء ذلك ؟ ثم  ما السبيل لتخطي هاته الأزمة ؟ و هل لنا من متغيرات بعد مغادرة كورونا لعالمنا ؟؟

لكل هذه الأسباب وغيرها، كان  لابد من تسليط الضوء أكثر على متغيرات  هي كالتالي .

  1. التجلي الأول : الانتشار و سيادة الدولة

يجمع الكل على أن وباء كورونا في موجته الراهنة ، و بصيغته و حالته التي  هو عليها اليوم ،قد أخذ انطلاقته من الصين لينتشر بعدها في كل ربوع العالم ، دون أن يلتفت لحدود بين الدول و لا لجمارك المعابر أو لشرطة حدود . متحديا بذلك مفهوم سيادة الدولة على إقليمها. و ليجعل بعض الدول تتخلى عن مفهوم المواطنة . حتى أن بعض مواطني دول عديدة ظلوا عالقين خارج أوطانهم ولم يجدوا سبيلا للعودة إلى أرضهم الأم. ففي الوقت الذي تم نقل الطلبة المغاربة العالقين بأوهان بناء على تعليمات ملكية صادرة عن صاحب الجلالة الملك محمد السادس بقي طلبة من تونس وليبيا عالقين. وحسب بلاغ صادر عن الرئاسة الجزائرية، فإن رئيس الجمهورية أمر بترحيل الرعايا الليبيين و التونسيين على نفس الرحلة الجزائرية الخاصة، التي أقلت 36 جزائريا.

وأمام سرعة الانتشار و امتداد الفيروس  بالبلدان التي غزا أوطانها ، عمدت هاته الدول إلى إعلان حالة الطوارئ،  ما سمي في أحيان كثيرة ) طوارئ صحية(. حيث أصبحت الآليات العسكرية و المدرعات تجوب شوارع المدن بل وتتجلى الدبابات هنا وهناك.من حين لآخر. وهكذا انتقلت كل هاته الدول من حالة السلم إلى حالة  حرب دون إعلان سابق لها و من غير وجود عدو غاشم سوى فيروس خفي منتشر عبر الأصقاع.

  1. التجلي الثاني : العجز العام العالمي

تبقى حالة الاستخفاف التي تعاملت بها الدول العظمى مع فيروس كورونا معبرة عن نفس الحالة التي ووجهت بها ولا زالت  تواجه قرارت السلطات العامة من طرف جزء لا يستهان به من الشعوب . وهو ما دفع كل الدول لاعتماد إجراءات زجرية وردعية قصد اجبار المواطنين على الالتزام بإجراءات الحجر الصحي.

ذالك ما تأكد معه عجز دول العالم أمام هذا الوباء، إذ تباينت اختياراتها بالنظر إلى  مفاضلتها بين الاقتصاد والشعب..وتأرجح الأمر بين عدم التفات بعض الدول لشعوبها لتهتم فقط باقتصادها  وبين مراهنة أخرى من أجل شعبها على حساب اقتصادها ،فيما ظلت بعض الدول بين هذا وذاك. و من مظاهر العجز العالمي البين أمام فيروس كورونا نجد الوضعية الصحية بدول العالم و كذا مدى التزام و احترام هاته الدول لمبادئ حقوق الإنسان.

 
  • الصحة:

اتسمت منهجية الصين عند بداية مواجهتها للفيروس بالانتظارية ، فلم تبادر السلطات إلى  اتخاذ أي إجراء واضح، مكتفية بإخضاع كل مواطن اشتكى من أعراض الوباء إلى الاستشفاء فقط ، ثم انتقلت بعد ذلك لتعقب المصابين من المخالطين ، بعدما أصبح عددهم في ارتفاع ملموس . وحينما لم تعد لمعدات الصين من تكنولوجيا دقيقة و معلوماتية من سبيل لمواجهة الوباء ، وجدت نفسها مجبرة على إعلان الحجر الصحي وهي تواجه تسونامي ضحايا الفيروس. مما جعل الكثيرين يعتبرون هذا الإجراء خطوة جد متأخرة أمام العدد الهائل للضحايا الذين ألم بهم هذا الفيروس المفترس ، حيث بلغ عدد المصابين 81589 . بينما عدد الموتى وصل إلى 3318 .

بنفس الأسلوب الاستهتاري، واجهت إيطاليا وفرنسا و إسبانيا  آثار الفيروس و مخلفاته ، حتى حصد بإسبانيا 110238  مصابا و 10003 من المتوفين و بإيطاليا 110574 مصابا و 13155 حالة وفاة. و لم تعلن لجوءها للحجر الصحي ، إلا حينما عجزت  مستشفيات هاته الدول عن استيعاب العدد الهائل من المصابين، و أصبحت المدن أشبه ما تكون بمدن أشباح تتهددها أوبئة أخرى ، بعد أن ارتفع عدد موتاها إلى الآلاف ولم تعد المشارح ولا المدافن قادرة على احتواء عدد الجثث.

الأمر الذي يفرض طرح  السؤال نفسه بإلحاح : هل المنظومات الصحية المعتمدة اليوم في في دول العالم ، فاشلة لدرجة أنها لم تقو على مواجهة هذا الوباء ، سواء في دول الغرب في ظل مجتمعات تنبني على الفردانية و الليبرالية الجديدة،  أو في دول العالم الثالث التي كثيرا ما تم انتقاد سياساتها العامة المرتبطة بقطاع الصحة ؟ وهل يكفي توافر الدولة على مؤسسات صناعة الأدوية و مختبرات التجارب و مراكز البحث البيولوجي و المخبري و المستشفيات المتخصصة ؟ أم أن الأمر يتعلق بنظام عام تتداخل فيه كل العوامل ذات العلاقات الاجتماعية ، بمنظومة قيم تكفل للمجتمعات مواجهة الآفات، وربما  بظل النظام الشيوعي كنظام اقتصادي و اجتماعي تقوم عليه الدولة بالصين ؟

 إن الملاحظ أن هاته الدول جميعها لم تحقق التفوق في مواجهتها لفيروس كورونا ، إلا باعتمادها على المقومات الإنسانية لمجتمعاتها ، فالصين في مسار حربها لم تعتمد المقومات المادية المجردة و إنما عمدت إلى التنظيم الحزبي كمقوم أساسي للعلاقات الاجتماعية داخل المجتمع الصيني لتتغلب على الوباء. فلم تجد سبيلا إلى النجاة إلا بالاستعانة بمقدرات  chacun pour soi  . أما الغرب فتنبني فلسفته على مبدأ الصين أولا و التعاون فيما بينه ثانيا مع الالتفات للعلاقات الاجتماعية لمجتمعاتها. وكنموذج لذلك الغناء من على الشرفات بايطاليا و إسبانيا و ممارسة الرياضة بفرنسا... لتتكرس قاعدة:  الحياة تعني ان نعيش جميعا.

  • حقوق الإنسان:

ومما ترتب عن محاربة كرونا فيروس ، الانتقادات الموجهة للكثير من الدول ، سواء منها المتقدمة او تلك المعتبرة  دولا متخلفة . فلقد تم انتقاد الصين رغم كل التعتيم الذي تعيشه البلاد كأول بؤرة للوباء شهدها العالم. والذي حدث من خلال منع الولوج لخدمات الانترنيت و مواقع التواصل إلا ما في حدود ما تسمح  به السلطات الصينية وكيفية تعامل القوات العمومية والجيش مع المواطنين ، سواء بمنعهم من الخروج بصفة قطعية من منازلهم أو بإغلاق أبواب المنازل نهائيا ، وطريقة إخضاع المواطنين للمراقبة الصحية ضدا عن رغبتهم ، وذلك استغلالا للظرفية الوبائية ورغبة في  التصفية السياسية ، وكذا منع المواطنين بكل أشكال القوة و العنف من التنقل سواء عبر القطارات أو الحافلات

وهو نفس الانتقاد الموجه لدول أوروبا التي ظلت تناقض نفسها ، بين القول بالحرية و تقييدها ، فكان ارتباكها واضحا في التعاطي مع إجراءات الحجر الصحي . حيث ان بعض الدول الأوروبية لازالت تتدبدب بين منع التنقل والخروج  من المنازل وبين السماح به ) نموذج ألمانيا ). ففي الوقت الذي توجه المستشارة أنجلا مركل المواطنين لعدم السفر لم تمنع ذلك صراحة و جعلت الأمر موكولا للجهات حسب كل حالة.

ولم يعد مطلوبا من الدول تبرير اتخاذها للقرارات الاستثنائية في مواجهة هذا الوباء فحسب و انما أصبحت مجموعة من الحقوق و الحريات منعدمة من قبل هاته الدول كحق التجول و حرية التجمعات. كما أنه تم التضييق على مواطنيها في ممارسة حقوقهم الاعتيادية من مثل الحق في العمل أو الحق في الحياة عموما حيث أبدت المفوضية السامية لحقوق الإنسان قلقها ازاء وضعية السجناء و كذا المهاجرين في ظل انتشار وباء كورونا فيروس. مما جعلها  تدعو من خلال دعوة مفوّضة الأمم المتّحدة السامية لحقوق الإنسان ميشيل باشيليت، الحكومات إلى اتّخاذ إجراءات عاجلة، ضمن إطار الجهود الشاملة المبذولة لاحتواء تفشي فيروس كورونا المستجدّ، هادفة إلى حماية صحة وسلامة الأشخاص المحتجزين في السجون وفي المرافق المغلقة الأخرى، ومؤكدة  على اكتظاظ  مرافق الاحتجاز في العديد من البلدان، وبشكل خطير أحياناً. وغالباً ما يتم احتجاز الأشخاص في ظروف غير صحية، حيث الخدمات في هذا المجال غير كافية أو منعدمة حتّى. وبالتالي  يبقى التباعد الجسدي والعزل الذاتي في ظلّ هذه الظروف مستحيلَين عملياً بعد أن بدأ فيروس كورونا يجتاح السجون .. ومراكز احتجاز المهاجرين، ودور الرعاية السكنية ومستشفيات الطب النفسي، ويهدد بالانتشار بين سكان هذه المؤسّسات الأكثر عرضة للخطر. كما شددت المفوضية السامية على المبادرة إلى العمل بسرعة لتخفف من عدد المحتجزين..

ولعل قرار العفو الملكي الصادر اليوم بخصوص 5654 معتقلا يسير في هذا الاتجاه ، رغم  الاعتقالات الحاصلة التي أشار إليها بيان رئاسة النيابة العامة ، والذي اعلن عن متابعة أزيد من ثمانية ألاف شخص  فقط في إطار مرسوم 25/03/2020. فكيف بعدد المعتقلين و نحن لازلنا لم نصل بعد  إلى رأس المنحى و الخاص بالمصابين..؟  وكيف به مع عدد المعتقلين الآخرين..؟

 وفي سياق مواجهة جائحة كورونا عمدت العديد من الدول ومنها فرنسا إلى اتخاذ مراسيم 16 و 19 و 23 مارس 2020 والتي هي في نهاية المطاف مراسيم لتقييد الحقوق والحريات قصد مواجهة الوباء من خلال الإجراءات الإحترازية، و إطار قانوني مستحدث لا يجد له أساسا في الدستور الفرنسي لسنة 1958 ، وهو ما يعيد نفس النقاش الذي سبق أن تم طرحه سنة 2015 بمناسبة اتخاذ الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند لإجراءات الطوارئ بعد تعرض باريس للاعتداءات الإرهابية ، و لم يقدم أي طرف انتقاده لنظام الطوارئ رغم ما يشكله من مساس بالحقوق و تضييق للحريات، وذلك اعتبارا للخطر الذي يتهدد المجتمع ككل .و هذا هو نفس ما ذهب إليه الأمين العام للأمم المتحدة حيث أعلن:" يشكّل فيروس كورونا المستجد اختباراً لكلّ من المجتمعات والحكومات والأفراد. لقد حان الوقت كي نتضامن ونتعاون لنتصدّى معاً للفيروس، ونخفّف من الآثار غير المقصودة في أغلب الأحيان للتدابير المصممة لوقف انتشاره".

  1. التجلي الثالث : المقاربة / المنهجية المغربية

إن المغرب في سياق الجهود التي بذلها ويبذلها لأجل مواجهة وباء كورونا فيروس، عمد إلى التفرد بإستراتيجية واضحة ودقيقة تمتاز بما يلي:

  • الترقب المحلي و الدولي

ظل المغرب مراقبا و متتبعا لما يجري في دول العالم  و لانتشار الوباء بها . فمنذ أن تم الإعلان عن أول حالة بالصين و إلى غاية  انتقال الوباء إلى دول الجوار و الترقب يطبع الموقف الدولي المغربي ، إلى ان تم إجلاء الطلبة المغاربة الذين ظلوا محاصرين بوهان الصينية ، و تم إخضاعهم للحجر الصحي بكل من مدينتي بنسليمان و مكناس . واستمر هذا الترقب و تتبع الوضعية الصحية لعامة المغاربة. كما كذبت السلطات المغربية إشاعات كاذبة ، مفادها وجود إصابات بالكلية المتعددة التخصصات بمدينة الناظور، و هي التي تم تداولها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ليظل المغرب مترقبا إلى أن تم الإعلان عن أول مصاب بفيروس كورونا وافد من أوروبا ، فيقرر إغلاق كل حدوده الدولية البرية والجوية يوم 14/03/2020 .

 
  • الاستباق

اتسمت المنهجية المعتمدة من قبل السلطات العمومية بالمغرب لمواجهة وباء كورونا فيروس بالاستباقية. فالمغرب

اتخذ منذ اللحظات الأولى إجراءات احترازية وصفت بالجريئة ، و بادر قبل أن تسقط أرواح شتى كما وقع بالعديد من الدول التي  بلغ عدد المصابين فيها الآلاف و عدد القتلى المئات إن لم نقل الآلاف أيضا. و لم ينتظر كما فعلت الكثير من التي سعت إلى حماية اقتصاداتها . والحال أن العنصر البشري هو مكون أساسي في العملية الإنتاجية ، مما يجعل الرهان على العنصر البشري مقدما في الاستراتيجية المغربية، على المقومات الاقتصادية.

  • السرعة و التدر ج

اِعتمدت السلطات المغربية السرعة و التدرج  عند تنزيلها للإجراءات الاحترازية أمام مواكبتها لسبل محاربة انتشار وباء كورونا . فبعد اتخاذ قرار إغلاق المساجد و ما خلفه في نفوس المواطنين من حزن، جاء قرار إغلاق المقاهي . وهو ما جعل الاطمئنان  يسود مجددا ، فعم نوع من التجاوب بين المواطنين و السلطات العمومية التي واصلت إجراءاتها بهذا الأسلوب معلنة إغلاق المدارس واعتماد التدريس عن بعد، ثم إعلان توقيف العمل إلا بالنسبة لمن كان بقاؤهم ضروريا.

  • التواصل و التشارك

وبمنهجية تشاركية تم إسهام المجتمع المدني و كل المؤسسات العامة و السلطات العمومية في التواصل مع المواطنين وتحسيسهم بمخاطر الوباء ، بعيدا عن كل منطق صدامي بين المجتمع السلطات العامة ، حيث كان رجال السلطة يجوبون دوائر نفوذهم للشرح والتفاعل مع الساكنة.

  • الإجماع الوطني و المبادرات الشعبية

إن ما ميز المنهجية المغربية في التعاطي مع وباء كورونا هو الإجماع الذي تحقق حول وجوب مواجهته ، عبر الالتزام بالإجراءات الاحترازية التي دعت لها السلطات العمومية .و قد نتج عن هذا الإجماع مبادرات شعبية من قبيل تقديم مساعدات مالية وغذائية و إعفاءات من واجبات الكراء و تقديم أجرة مجموعة من  المستخدمين رغم توقف الشغل إلى جانب مبادرات أخرى عديدة .

  • القرارات التضامنية

إلى جانب المبادرات الشعبية اتخذت السلطات العمومية و بتوجيهات ملكية مجموعة من القرارات ، ذات البعد التضامني ، من قبيل إنشاء صندوق لمواجهة وباء كورونا و تقديم الدعم المالي للمقاولات المتضررة  من التوقف جراء الحجر الصحي، و تمكين المواطنين من مساعدات مالية لتخطي الأزمة المترتبة عن هذا الوباء ، سواء المستخدمون منهم أو الصناع أو التجار أو الحرفيون او غيرهم ممن يزاولون نشاطا من الأنشطة غير المهيكلة .

  • الخدمات عن بعد

بعد ان تعذر الحصول على العديد من الخدمات الإدارية العمومية بل وحتى الخدمات التي تقدمها بعض المقاولات الخاصة ، في ظل الحجر الصحي . أصبح اللجوء إلى الخدمات عبر الوسائط الرقمية ضرورة ملحة . ولعل لجوء السلطات العامة إلى الدعامات الرقمية كبديل  للدعامات الورقية و الحضور الشخصي لمقرات المؤسسات الإدارية، جاء بعدما شكلت ورقة الخروج الاستثنائي كسرا فعليا للحجر الصحي . و تم اللجوء إلى التعليم عن بعد رغم عدم الجاهزية لهاته الطريقة من التعليم و ما يعرفه من عراقيل اجتماعية، من قبيل تدخل الآباء في حصص الدرس الإلكتروني و انعدام الوسائل اللوجيستيكية سواء لدى التلاميذ أو من جهة المدرسين،  و غيرها كثير إلى حد تدخل الوزارة الوصية على الرقمنة و إصدارها لتوجيهات بوجوب اعتماد الوسائط الإلكترونية من قبل الإدارات العامة والخاصة لأجل تقديم خدماتها.

  • الهشاشة والمجال

إن الهشاشة الفظيعة و الكبيرة في أوساط المدن شكلت حاجزا قويا ضد إجراءات الحجر الصحي ، كما ان المجالات المختلفة بالمدن المغربية و التي هي نتاج فشل سياسات تعميرية وسياسات المدينة لم تحقق يوما المرجو منها. فالتباين بين أجزاء المدن من جهة وعدم احترام معايير السكن اللائق، و التهييئ القبلي للمجالات  إنما هو اعتماد فقط على إعادة هيكلة مجالات اقل ما يقال عنها انها عشوائية ، و هو الوصف الذي يتضمن ارتقاء مهما بواقعها .

فضلا عن وجود قطاعات اقتصادية كثيرة غير مهيكلة . فهي خارج لوحة القيادة المتوافرة لدى السلطات العامة، و ليس هناك  قاعدة بيانات لدى هذه السلطات إلا ما تخزنه ذاكرات أعوانها بين أحياء المدن التي هي مجال يخضع للحجر الصحي بدرجة أعلى من البوادي. لكن بطاقات التغطية الصحية يجوزها البدوي كما سكان المدن . بل إن عدد حامليها يصل أكثر من 12 مليون مستفيد. فهل تبقى لهاته البطاقة  مصداقية ما علما أنها أنجزت للتغطية الصحية وليس لمعرفة الوضعية الاجتماعية، وأنها ترتكز على نوع من المزاجية و ليس الضوابط و المعايير الموضوعية الواضحة.

  • تحولات عديدة

الجدير بالذكر هنا أن أنماطا عديدة من السلوك فرضت نفسها على الأفراد و المجتمع ، زمن الحجر الصحي ، وألزمت الجميع بترك عادات سابقة و تغييرها ، ويكفي أن نسوق مثلا عن ذلك ، التزام المواطنين بأخذ كل واحد منهم دوره ضمن صف ، لاستفادة كل واحد من المرتفقين من خدمة معينة. كما أن أنماط التغذية و الإدخار تغيرت بشكل واضح، و هذا مرتبط بالأساس بالمحلات التجارية التي تقدم خدماته ، و التي ظلت مستمرة.

ملاحظة :  سيليه الجزء الثاني المتعلق بالآفاق و الانعكاسات

أنتلجنسيا المغرب

لا توجد تعليقات:

للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.

أضف تعليقك