... رأي / الجمعة 01 نوفمبر 2024 12:29:03 / لا توجد تعليقات:
أنتلجنسيا المغرب
يعرف العالم بأسره انتشار لوباء كوفيد19 كورونا المستجد،واصابه الآلاف بهذا الداء في ظل توقعات باصابه الملايين ،وكان لذلك اثر في حدوث متغيرات على عده منظومات تشتغل في الحقل العام كالمنظومات الأقتصاديه و الاجتماعيه والسياسيه والثقافية وغيرها والتي من شأنها أن تؤثر على العلائق الانسانيه والفرد المفرد وبالتالي الى استحداث تغيرات في العنف والانحراف والجريمه.
ومن تم حري بنا التساؤل ...
هل ستتغير الجريمه في زمن الكرونا؟
هل سترفع نسبه الجرائم ام ستنخفض؟
كثيره هي الاسئله والمقارنات حول ماهيه الجريمه في زمن الكورونا وطبائعها ووظائفها.
اولا::: ماهيه الجريمه
لا يمكن حصر تعريف واحد وموحد للجريمه،إذ تختلف التعاريف من منطلق الزوايا المعالجة لها ،لكن حصرا على التعريف الذي يتناوله علم الإجرام فقد عرف هو كذلك تجاذبات،إذ نحا البعض من رواده إلى اعتبارها واقعه اجتماعيه كما هو منهج المدرسه الوضعيه والجريمه عندهم سلوك منحرف مخالف للبناء الاجتماعي ناجم عن نقص في قيم التضامن الاجتماعي لدى المجرم الذي افتقد المناعه الكافيه التي تغديها منظومه القيم والأخلاق السائدة في المجتمع،وبالتالي الجريمه هي خروج الفرد عن منطق الجماعه وتجسيد الأفعال والسلوكيات المخالفه لقيم المجتمع..
تيار ثان اعتبر الجريمه هي كل سلوك مخالف للقاعده القانونيه الضابط للمجتمع ومن تم ترسيخ القاعده لا جريمه ولا عقوبه الابنص.
تيار ثالت جمع المقاربتين القانونيه و الاجتماعيه في صياغه تعريف للجريمه واعتبروها واقعه انسانيه يتعين تناولها قانونيا واجتماعيا وهي تبعا لذاك كل تصرف عدواني يتم بالاستهتار بقواعد الضبط الاجتماعي والقانوني.
وانطلاقا من هذه المقاربة تم بناء عناصرالجريمه والمشكله من الفعل والفاعل الجاني والمسؤوليه والعقاب وهذا البناء هو ما يرسم خصائص الجريمه وطبائعها من حيث التنظيم والاحترافيه والابتكار والوضوح والاهداف والضحايا...
وتم في المقابل تاثيت المشهد القانوني بقوانين إجرائية وأخرى عقابيه تتصدى للجرائم بكل انواعها وتسعى التشريعات الى تحيينها بالنظر الى توسع دائره النوع الجرمي وتوسع دائره روادها .
ثانيا:::خصائص الجريمه في زمن الكورونا..
عطفا على المقاربة المفاهيميه للجريمه،فلا غرو أن كل مجتمع من المجتمعات يعرف سيلا من الجرائم المميزه لكل مجتمع و المتشابهه عالميا في ظل منظومه العولمه،من نماذجها الجرائم الأقتصاديه والثقافية والسياسيه والجنسيه والإلكترونيه...
ولكل نوع من هذه الجرائم ماهيه وخصائص ووضائف يميزها عن غيرها سواء من حيث المقاربة القانونيه الإجرائية او العقابيه والمقاربه الاجتماعيه والنفسيه...
فهل من شان حصول متغير جذري في البيئه الانسانيه العالميه ان يغيرمن طبيعه الجريمه وخصائصها ووضائفها...؟
هل الجريمه في زمن الكورونا نفس الخصائص المفاهيميه كما في الوضع الطبيعي؟
طبعا بعد انتشار داء كوفيد19في بقاع العالم وعلى المستوى الوطني أثر في العلائق الاجتماعيه الى تتحكم في الفرد وفي الجماعه وأثر في الوعي الجمعي وفي سيكولوجية الجماهير وخلق تغيرات على أنماط الحياه وعلى أنماط الجريمه.
فمن شأن هذا المتغير الجذري التأثير في الصحه النفسيه والعقليه للفرد،فإن كان علم النفس الجنائي ورواده وخاصه -دي توليدو- و-هانس توخ-قد اعتبار أن الجريمه هي كل فعل انساني يسأل الفرد عنه ويتحمل عواقبه اذا توافرت الاراده والاختيار،فهل التغير الذي أحدثه الوباء سلب الاراده والاختيار من الافراد ومن تم هل كان ذلك حافزا وداعيا إلى الجنوح وارتكاب العنف والجريمه
واقع الحال ان كثير من مسالك العنف ارتكبها الأفراد بدايه الانتشار سواء العنف النفسي بالانغلاق الذاتي والخروج من الجماعه ونظامها او افتقاد الثقه في المنظومه الضبطيه ورفص الخضوع لها وهو ماتمثل في كسر الحجر الصحي او في زياده مظاهر الوسواس القهري وارتفاع منسوب التخوف والجنوح نحو العنف للدفاع عن الوجود.
علم النفس الجنائي نحا الى اعتبار والبيئة مؤثره في الجنوح ومن شأن تغير البيئه تغير الجنوح كذلك ،ومفهوم البيئه شامل وعام يتناوا البيئه الأقتصاديه والثقافية السياسيه و الاجتماعيه والتقاليد والأعراف وحت المناخ
وعطفا عليه..فقد تبدو بعض هذه التمظهرات
-الجرائم الأقتصاديه
فمن شان كوفيد19ان يغير في البيئه الاقتصاديه وفي الفاعلين في الحقل الاجتماعي المرتبط بالمجال الاقتصادي ،ونتذكر كيف ساهمت ازمه 1929في ارتفاع منسوب الجربمه وفي تنوعها وتنوع أنماط التفاعلات الاجتماعيه، فإن الوباء أثر سلبا على الاقتصاد المحلي والعالمي عبر تجميد الأنشطة الأقتصاديه ونحا الخبراء الى تقدير العجز العام في حدود 10%من الاذخار العالمي مما يعني ارتفاع للبطاله وارتفاع لبؤر الفقر وبالتالي استحداث تمظهرات من الهشاشه الاجتماعيه وهي عوامل محفزه لارتكاب الجريمه والجنوح مع استحضار معامل -موارد/سكان-الي تشير الى تأثير زياده السكان ونقص الموارد الى الأسراع في صناعه الجنوح حسب رؤيه-روبير كاستل-
من شان ذلك التأثير على النوع الاجتماعي بارتفاع معدلات الجربمه الجنسيه ومن تم تغير التمثلات الشعبيه نحو المراه والتي سعا المجتمع في بدايه القرن الى تعديلها بشكل إيجابي ومن تم اعاده مفاهيم الإقصاء
الفقر والهشاشه الناتجة عن تغير البيئه الاقتصاديه سيؤثر لا محاله على الروابط الاجتماعيه وعلى انساق التضامنات بين أفراد الاسره الواحده وداخل الجماعه فمن سقط في هامش الهشاشه والفقر لن يكون له قيمه في نطاق الجماعه حسب المفكر- جورج سيمن- ،والخروج عن قيم الجماعه داع الى الانحراف مع استحضار ضعف عتبه التسامح الاجتماعي .
-الجرائم الثقافيه
كوفيد19،اظهر تمثالا لجرائم ثقافيه إذ بات الفرد متفاعلا مع التغيرات الجذريه او رافضا لها،الشاهد في ذلك ازمه 11|9 حيث نحت الدول الى تشديد الإجراءات الأمنية في أماكن المراقبة وتقبل الناس تلك الشروط واعتبروها تخدم الصالح العام حتى لو مست جزء من حرياتهم ،هذا المتغير الثقافي يستحضر الآن في ظل خضوع الملايين لشروط الحجر الصحي والتنازل عن قيم حقوقيه تتعلق بالحريات العامة اعتقادا أن ذلك للمنفعه العامه،وبالمقابل انبرى كثيرون إلى رفض الوضع ومن تم اللجوء إلى المواجهة مع السلطات وهو ما اذى الى ارتفاع منسوب الجربمه الثقافيه..
جانب آخر من الجرائم الثقافيه عرفته بعض دول المهجر التي تعرف استقرارا للشعوب الشرق اسيويه،إذ باتوا عرضه للعنصرية والإقصاء بدايه انتشار الوباء وتسميته بالوباء الصيني وهو ما حدا الى صور من العنف والجنوح.
-الجرائم الدينيه
كوفبد19اظهر نوعا من الجرائم او العنف الديني ممثلا في كسر الحجر الصحي والخروج في مظاهرات شعبيه في بعض الدوائر الحضريه بتحفيز من دعاه الدين باستهلاك لغه دينيه دعويه مخالفه للتصور الجمعي المتجه نحو الاخد بالأسباب الوقائيه وهو عنف او جنوح اقتضى التصدي له وتم اعتقال المئات لهذا السبب وهو ماسمي بمعتقلي كورونا
-الجرائم الالكترونيه
كوفيد19استحضر كذلك ارتفاع المنسوب الجرائم الالكترونيه،إذ سعت اداره الدفاع الوطني الى الإعلان في بيان لها الى ظهور تطبيقات خبيثة لقرصنه المواقع الشخصيه بداعي الابتزاز،وقد اسمت الاداره تلك البرامج مستغله الاهتمام بالانتشار الوباء
-جرائم الدوله
تستحضر هنا كتابات ميشال فوكو حول السلطه وجدل سعي الدول الى تعزيز سلطه الرقابة وتعميق انظمه التأديب والاخضاع ضد الشعوب عبر ممارسات سياديه مثل العسكره والامن والإعلام والتعليم مما يساهم في اعاده صياغه الوعي الفردي والجمعي والتأثير في سيكولوجية الجماهير بحيث يذهب الفرد والجماعة إلى الخضوع والانقياذ بكامل الاراده والرغبة،ويعتبر من يخرج عن هذا الوعي الجمعي منحرفا وخارجا عن سياق الجماعه وهدفا للجزاءات والعقوبات وأن كان الانحراف في هذه الحاله سلوكا طبيعيا بالنظر إلى ميل الفرد الى الدفاع عن مكتسباته ،وقد بدت بعض التمضهرات من السلطه المعنفه اتجاه أفراد وجماعات خارج سياق القانون وسعى الاعلام الى التأثير في الوعي وقبول العنف والتطرف والصرامه باعتبارهم يخدمون الصالح العام.
ماذا ما بعد كورونا...
هل ستعود الجريمه الى تمثلاتها السابقه ام ستتاثر!
الجواب رهين بمدى استمرار الوباء،ومدى استمرار الالتزام بالحجر الصحي ومدى استقرار التفاعلات التضامنية...
وهو ماسنتطرق اليه في جزء ثان.
إعداد الأستاذ جلال هتاة
المحامي بهياه القنيطره والباحث في علم الجريمه
أنتلجنسيا المغرب
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك