أنتلجنسيا المغرب:لبنى مطرفي
في خضم التوترات الإقليمية المتصاعدة، والسباق العسكري المحموم في منطقة شمال إفريقيا، تبرز تساؤلات ملحة حول مدى صحة التقارير التي تفيد باقتناء البحرية الملكية المغربية للطائرة الإسرائيلية بدون طيار "Hermes 900"، واحدة من أكثر الطائرات تطوراً في مجال الاستطلاع والهجمات الجوية.
هذه الأنباء، التي أثارت موجة واسعة من الجدل والتكهنات، تُلقي الضوء على التحولات الجيوسياسية الكبرى التي يعيشها المغرب، والعلاقات المتشابكة بين المملكة وإسرائيل، لا سيما بعد تطبيع العلاقات بين البلدين في أواخر عام 2020.
تُعرف الطائرة بدون طيار "Hermes 900" بتكنولوجيا متقدمة تجعلها قادرة على تنفيذ عمليات مراقبة واستطلاع دقيقة على مدى طويل، بالإضافة إلى قدرتها على حمل أنظمة هجومية. هذه الميزات تجعلها من بين الطائرات الأكثر طلباً في السوق العسكرية العالمية، ما يفسر الاهتمام المتزايد بهذه الصفقة المفترضة. تقارير إعلامية عدة، دولية وإسرائيلية، ألمحت إلى أن المغرب قد دخل في مفاوضات سرية للحصول على هذا النوع من الطائرات، بهدف تعزيز قدراته الدفاعية والهجومية على حد سواء، خصوصاً في ظل التحديات الأمنية المتزايدة على طول حدوده البحرية والبرية.
بالرغم من غياب تأكيد رسمي من السلطات المغربية، إلا أن هذه الأنباء تتزامن مع خطوات مغربية لافتة لتعزيز ترسانتها العسكرية، بما في ذلك صفقات كبرى مع الولايات المتحدة وفرنسا وإسرائيل، مما يفتح الباب أمام إمكانية أن تكون هذه الطائرات جزءاً من استراتيجية شاملة لتحديث الجيش المغربي. وتعد البحرية الملكية أحد الأفرع الأساسية في الجيش المغربي التي تسعى باستمرار إلى تعزيز قدراتها، خاصة مع ازدياد الأهمية الجيوسياسية للمغرب كمحور بحري رئيسي يربط بين أوروبا وإفريقيا.
يرى مراقبون أن اقتناء المغرب لطائرات "Hermes 900" إن تأكد، يعكس طموحاً واضحاً في تعزيز قدراته على حماية مناطقه الاقتصادية الخالصة ومجاله البحري الواسع الممتد عبر البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي. هذا المجال يشهد نشاطاً متزايداً، سواء في مجال استكشاف الطاقة أو مراقبة الهجرة غير النظامية أو حماية الملاحة الدولية.
لكن صفقة من هذا النوع لا تخلو من تعقيدات سياسية ودبلوماسية. العلاقات بين المغرب وإسرائيل، رغم التطبيع الرسمي، لا تزال تثير حساسية داخلية وإقليمية. إعلان اقتناء معدات عسكرية إسرائيلية قد يضع الحكومة المغربية في مواجهة انتقادات واسعة من أطراف سياسية ومدنية ترى في ذلك خطوة تستدعي مزيداً من الشفافية والنقاش الوطني.
من جهة أخرى، يُعتبر التعاون العسكري مع إسرائيل جزءاً من تحالف استراتيجي أوسع يمكن أن يوفر للمغرب تفوقاً نوعياً في مجالات التكنولوجيا العسكرية والاستخبارات، ما يعزز موقفه في ظل التحديات التي يواجهها إقليمياً ودولياً. لكن في الوقت نفسه، يثير هذا التعاون قلق بعض الأطراف الدولية والإقليمية التي قد ترى فيه تحركاً يغير موازين القوى في المنطقة.
ومع تضارب المعلومات حول حقيقة الصفقة، يبقى السؤال الأهم: هل المغرب بالفعل قد اقتنى هذه الطائرات؟ وإذا كان الأمر كذلك، فما هي أهدافه الاستراتيجية من وراء ذلك؟ الإجابة على هذا السؤال تتطلب وضوحاً من السلطات المغربية، خاصة أن تعزيز القوة العسكرية، رغم أهميته، يجب أن يتماشى مع استراتيجيات دبلوماسية واضحة، تحفظ مصالح المملكة وتوازن بين طموحاتها الأمنية والاعتبارات السياسية والاجتماعية.
في ظل غياب تأكيد رسمي، يبقى الحديث عن اقتناء المغرب لطائرات "Hermes 900" محصوراً في دائرة التكهنات. لكن المؤكد هو أن المغرب يسعى بشكل حثيث إلى تحديث جيشه وتعزيز موقعه كقوة إقليمية صاعدة، قادرة على مواجهة تحديات معقدة في عالم يشهد تغيرات متسارعة.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك