أنتلجنسيا المغرب:الهدهد المغربي
في خطوة تُعد تحولاً استراتيجياً في قدرات الدفاع الجوي المغربي، كشفت قناة CGTN الصينية الحكومية، بشكل رسمي، عن تسلم المملكة المغربية لمنظومة الدفاع الجوي بعيدة المدى المتطورة HQ-9B، وذلك ضمن صفقة تسليح نوعية تعزز من موقع المغرب في منظومة الردع والدفاع الإقليمي.
وبهذا الإعلان، يكون المغرب قد دخل فعلياً نادي الدول المالكة لأنظمة دفاع جوي بعيدة المدى متعددة المهام، في ظل محيط إقليمي مضطرب وصراعات جيوسياسية تتفاقم في شمال إفريقيا ومنطقة الساحل.
HQ-9B:عينٌ في السماء ودرع منيع ضد التهديدات الجوية
المنظومة الصينية HQ-9B تُعد واحدة من أكثر أنظمة الدفاع الجوي تطوراً في ترسانة بكين. تم تصميمها لمجابهة الطائرات القتالية، والصواريخ الباليستية، وصواريخ الكروز والطائرات بدون طيار، بمدى يتجاوز 250 كيلومتراً، وبدقة عالية في الاستهداف، ما يجعلها منافساً مباشراً لنظيراتها الغربية من طراز باتريوت الأمريكي أو إس-400 الروسي.
ويعتمد هذا النظام على رادارات متطورة ثلاثية الأبعاد، قادرة على رصد وتتبع أهداف متعددة في وقت واحد، مع قدرة عالية على التشويش الإلكتروني والتعامل مع التهديدات المعقدة.
امتلاك المغرب لهذه المنظومة يمكّنه من تغطية واسعة لمجاله الجوي، والتصدي لأي اختراقات معادية محتملة من الجو، خاصة في ظل التوترات المتقطعة التي يعرفها الإقليم، والحاجة المُلِحّة لتأمين المنشآت الحساسة والبنية التحتية الوطنية.
أبعاد استراتيجية للتعاون المغربي–الصيني في المجال العسكري
اختيار المغرب لمنظومة HQ-9B يؤكد توجهاً استراتيجياً نحو تنويع مصادر التسليح والانفتاح على شركاء جدد في المجال العسكري.
فالصين، التي تُعتبر من القوى العالمية الصاعدة في تكنولوجيا التسليح، توفر أنظمة بأسعار تنافسية، مع ضمانات لنقل التكنولوجيا وشروط أقل تعقيداً من الدول الغربية.
هذا التعاون بين الرباط وبكين في المجال العسكري لا يُقرأ فقط في إطار صفقة شراء عادية، بل يأتي ضمن رؤية أوسع لتعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين، وفتح آفاق جديدة في مجالات الأمن السيبراني، التكوين العسكري، وحتى الصناعات الدفاعية، مما يشير إلى احتمال تأسيس شراكات إنتاجية مستقبلية في هذا القطاع الحساس.
موقع المغرب الجيوسياسي يفرض رفع سقف الردع
من المعروف أن المغرب يتوسط منطقة جغرافية حساسة، تُعد معبراً بين أوروبا وإفريقيا، ومطلة على واجهتين بحريتين أساسيتين هما المحيط الأطلسي والبحر الأبيض المتوسط.
وفي ظل تزايد التحديات الأمنية العابرة للحدود، وتطور التهديدات التقليدية وغير التقليدية، أصبحت الحاجة إلى نظام دفاع جوي متطور ضرورة ملحة وليس مجرد خيار استراتيجي.
وتأتي هذه الخطوة كذلك في سياق سعي المملكة لمواكبة التحديث العسكري الشامل الذي أطلقته منذ سنوات، والذي شمل تحديث القوات البرية والجوية والبحرية، وتوقيع صفقات نوعية مع شركاء من الولايات المتحدة، فرنسا، إسرائيل، والصين.
ويُتوقّع أن يُحدث تسلم HQ-9B توازناً جديداً في معادلة القوة الإقليمية، خاصة في ظل التوترات السياسية والعسكرية التي تعرفها العلاقات المغربية الجزائرية.
غياب تأكيد رسمي مغربي… لكن المؤشرات واضحة
رغم أن المغرب لم يُصدر لحد الآن بلاغاً رسمياً يؤكد أو ينفي تسلمه للمنظومة، فإن تصريح قناة CGTN يُعتبر بمثابة تأكيد شبه رسمي من الجهة المصنعة، خصوصاً أن الصين تلتزم بسرية كبيرة في تعاقداتها الدفاعية، ولا تصدر مثل هذه التصريحات إلا بموافقة ضمنية من الأطراف المعنية.
وقد سبق للمغرب أن تبنّى هذا النهج في عدد من صفقات التسلح، حيث يُترك المجال للتسريبات والتقارير الدولية لتأكيدها دون إصدار بيانات رسمية.
المغرب يقترب من منظومة دفاعية متكاملة
من خلال هذا الإنجاز الجديد، يكون المغرب قد خطا خطوة كبيرة نحو استكمال بناء منظومة دفاع جوي متعددة الطبقات، تضم أنظمة قصيرة، متوسطة، وبعيدة المدى، وهو ما يتماشى مع رؤية المؤسسة العسكرية لبناء جيش عصري، مرن، وقادر على مجابهة التهديدات المتطورة.
منظومة HQ-9B ليست فقط نظاماً صاروخياً، بل هي رسالة ردع، وتأكيد على أن المملكة قادرة على الدفاع عن سمائها، وحدودها، ومصالحها، بأحدث ما توفره التكنولوجيا العسكرية في العالم. وفي عالم يُعاد فيه رسم الخرائط بالنار والبارود، فإن من يملك السماء، يملك زمام المبادرة.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك