نبش في الذاكرة..."قصة الترمضينة" هل فعلا كان أجدادنا عنيفين خلال شهر الصيام؟

نبش في الذاكرة..."قصة الترمضينة" هل فعلا كان أجدادنا عنيفين خلال شهر الصيام؟
تقارير / الجمعة 01 نوفمبر 2024 12:29:03 / لا توجد تعليقات:

مغربنا. 1-1 k/A  Maghribona طيلة قرنين من الزمن، كان رمضان يشغل بال الأجانب الذين جاؤوا إلى المغرب، أو كانوا يحلمون بالمجيء إليه. قبل الحماية الفرنسية وأثناءها، كان رمضان طقسا يؤرق الفرنسيين على وجه الخصوص.

شهر عاش خلاله المغاربة أحداثا مفصلية. بعض الكتابات الأجنبية حاولت تصوير المغاربة الصائمين، كما لو أنهم جحافل غاضبة، بسبب الامتناع عن الأكل والشرب، من هناك بدأت ظاهرة «الترمضينة». إلى أي حد إذن كانت مسألة العنف في رمضان مرتبطة بالصيام؟ أم أن الأحداث العصيبة، خصوصا خلال فترة عام البون، التي عاشها المغاربة وأثرت على حياتهم اليومية، كانت وراء الأحداث التي جرى بعضها خلال شهر الصيام، واستغلتها سلطات الحماية لكي تصور المغاربة على أنهم شعب لا يتحكم في تصرفاته، خلال الشهر الفضيل».

حاول الاستعماريون في كتاباتهم وأرشيفهم تقديم المغاربة على أنهم شعب غير متسامح، عندما يتعلق الأمر بصوم رمضان.

بل إن بعض الكتابات قدمت رمضان على أنه شهر خطير من الناحية الأمنية، كما لو أن المغاربة كانوا يفقدون السيطرة على أعصابهم، خلال شهر الصيام.

المقيم العام الفرنسي ليوطي، الذي كان أول فرنسي يشغل منصب المقيم العام في المغرب، أيام المولى يوسف، ثم اشتغل أيضا مع السلطان محمد بن يوسف، سبق له أن كتب مرة متحدثا عن تجربته في المغرب، حيث قال إنه استطاع فهم المغرب والمغاربة، بفضل محاولاته لفهم الإسلام.

وربما كان هذا سبب سعيه وراء تطبيق قانون ينظم العلاقة، بين الفرنسيين والمغاربة المسلمين، خلال شهر الصيام، لكنه بالغ في الأمر بسن القانون الشهير بتجريم الإفطار في الشارع العام. ناسيا أن المغاربة كانوا متعايشين مع اليهود لمئات السنين، ولم يكن أي قانون لتنظيم العلاقة بين الطرفين، مطروحا للنقاش.

هذا القانون ولد الكثير من الحساسيات، بين المغاربة والفرنسيين، ونسي المقيم العام أن مشكلة الوطنيين المغاربة مع الفرنسيين لم تكن تتعلق برمضان، وإنما أساسا بالوجود الفرنسي في المغرب.

نعود هنا إلى شهادة نادرة تتعلق بـ«الترمضينة» المغربية، قبل الحماية الفرنسية.

وتتعلق بمضامين مذكرات الصحافي البريطالي «لاورنس هاريس»، الذي كان أول أجنبي يلتقي بالسلطان المولى عبد الحفيظ بعد وصوله إلى السلطة، حيث أصدر سنة 1909 مذكرات تناول فيها رحلته إلى المغرب ومشاهداته، ومنها بعض ذكرياته مع شهر رمضان، والذي صادف دخوله مع وصوله إلى مدينة العرائش قادما إليها من طنجة، في اتجاه فاس، حيث كان مقررا أن يلتقي السلطان مولاي عبد الحفيظ سنة 1908، والتي تزامن شهر رمضان فيها مع نهاية شهر غشت، حيث عرفت مدينة فاس حرارة غير مسبوقة.

يقول هذا الصحافي مستحضرا أجواء علمه لأول مرة بطقوس شهر رمضان في المغرب: «استسلمت لنوم عميق، ولم أستيقظ إلا على ضجيج وأصوات انفجارات.

انطلقت إلى خارج الخيمة مع «هاردويك» في فزع، لنفاجأ بأن الخدم والحراس كلهم نائمون، ولم يفلح دوي الانفجارات المتلاحقة في إيقاظهم. طلقات مدفعية مدوية تنبعث من مدافع نحاسية، تعود إلى حقبة البرتغاليين. استيقظ الحاج بعد أن أيقظته بضربات متلاحقة، وسألته عن سر هذه الانفجارات وضجيجها. «هل هي حرب؟ هل قتلوا الحاكم، أم قتلوا اليهود والنصارى؟ ما هذا بالضبط؟».

بعد أن تثاءب في كسل واضح قال: «إنها بداية رمضان»، لم يزد حرفا على ما قال، وانقلب على الجانب الآخر ليعود إلى النوم مجددا. عدت إلى مكاني أنا و«هاردويك» أشرح له كيف أن رمضان شهر يصوم فيه المسلمون، عملا بما كان يقوم به النبي محمد. وكيف أنهم يمتنعون عن الأكل والشرب من طلوع الشمس إلى غروبها، طيلة شهر كامل. وما الانفجارات التي سمعناها إلا طريقة متعارف عليها للترحيب بقدوم هذا الشهر.

أخبرته أيضا عن «النفار» الذي يصعد إلى صومعة المسجد، في الثانية صباحا معلنا عن بداية السحور، و«الدقايقي» الذي يتجول في الشوارع بطبل صغير، ليوقظ الناس للأكل قبل بداية الصوم، وآخر يقوم بطرق أبواب المنازل، ليتأكد من استيقاظ الناس.

ومضيت أشرح له طقوس الشهر ككل، لأكتشف في الأخير أنني أضعت وقتي في الشرح، لأنه كان قد استسلم للنوم. تعتبر فترة الصيام في رمضان من أخطر الفترات بالمغرب، لأنه يؤدي إلى تأجيج التعصب والفوضى».

ربما ما كان أحد ليعرف قصة مخرج الأفلام الوثائقية، الأمريكي كينيدي، لولا أن الصحافية الأمريكية «مارفين هاو» أشارت إليه في مذكراتها التي صدرت سنة 1954، والتي تناولت فيها تجربة عملها الصحافي بالمغرب في «Radio Maroc»، ما بين سنتي 1950 و1954، أي السنة نفسها لعودتها إلى الولايات المتحدة من الرباط، حيث انكبت فور وصولها إلى أمريكا على كتابة مذكراتها عن المغرب، لتنشرها في السنة ذاتها.

تحكي هذه الصحافية الأمريكية قائلة إن السيد كينيدي جاء إلى المغرب، بناء على ما سمعه من حكايات زوجته، وهي أيضا صحافية اشتغلت في الراديو الفرنسي بالعاصمة الرباط، حيث كانت مكلفة بالبث باللغة الإنجليزية، عن احتفالات المغاربة بالمناسبات الدينية، وأراد تصوير أجواء ما كان يعرف وقتها بـ«الهدية» التي كانت تقام لأربعة أيام متتالية، احتفالا برمضان. وكان ذلك آخر رمضان قضاه الملك الراحل محمد الخامس مع أسرته بالمغرب، قبل المنفى.

وبينما كان السيد كينيدي يستعد لدراسة مكان الاحتفال، وتحديد الأماكن التي سوف يقف بالكاميرا فيها لالتقاط مقاطع فيديو لطقوس «الهدية»، بالتنسيق مع موظفين في القصر الملكي، لكي يكون قريبا جدا من منصة الملك الراحل محمد الخامس، فإذا بـ«مارفين» تنقل إليه خبر اعتزام الصدر الأعظم تلاوة خطاب قصير، يخبر فيه المغاربة أن الملك الراحل لن يُحيي تلك الاحتفالات في الرباط، لأسباب صحية، وهكذا ألغي الاحتفال.

كان السيد كينيدي قد أخبر من طرف الجميع بأنه يتعين عليه أن يكون صبورا، لأن احتفالات أخرى قادمة في الطريق، وأنه سوف يصور أجواء «الهدية» على الطقوس المخزنية في مناسبات أخرى بدون شك، سيما وأن إقامته في المغرب كانت مطولة، لأن زوجته كانت تعمل مع «مارفين» في «راديو ماروك».

لكن الخيبة التي أحس بها كانت كبيرة، وهو يطالع خبر نفي الأسرة الملكية، لأنه أضاع فرصة تصوير تلك الطقوس الرمضانية، ولم يكن لديه استشراف مستقبلي عن المدة، التي سوف تقضيها الأسرة الملكية في المنفى.

كان السيد كينيدي ينوي تصوير أفلام وثائقية بالألوان لعدد من الاحتفالات الدينية، لكن خيبته كانت كبيرة بعد دخول المغرب في أجواء المنفى، لأن المغاربة كما هو معروف امتنعوا عن ذبح الأضاحي بوجود ابن عرفة في القصر الملكي، احتجاجا على نفي السلطان محمد بن يوسف.

تنقل الصحافية الأمريكية «مارفين هاو» في مذكراتها، قصة صحافي مغربي عمل لاحقا موظفا في الإقامة العامة الفرنسية، تقول إن اسمه الحاج محمد التمسماني.

تحكي «مارفين هاو» عنه قائلة إنه كان من المغاربة القلائل، خلال فترة الخمسينيات، الذين كانوا يتحدثون اللغة الإنجليزية بطلاقة. بالإضافة إلى أنها سجلت معه حلقات في رمضان لـ«راديو ماروك»، كان يعرف فيها الناطقين بالإنجليزية، بمن فيهم الجالية الأمريكية في المغرب على وجه الخصوص، بتعاليم الدين الإسلامي، وكانت تستضيفه فيها «مارفين هاو»، لكي تعرفه بالمستمعين، وتنقل إليه أسئلة حول الإسلام وعادات المغاربة.

المثير في قصة هذا الرجل، كما تقول «مارفين»، أنه خلال اشتغاله في الإعلام، أصبح ناطقا رسميا باسم الإقامة العامة الفرنسية، بل ومثلها في اجتماع بالأمم المتحدة، وترافع عن فرنسا ودافع عنها وأحقيتها في الوجود بالمغرب.

هذه الشهادة كانت كافية لتكون دليلا تاريخيا على أن رمضان في المغرب لم يكن أبدا بالسوء، الذي حاول الفرنسيون تصويره في كتاباتهم الاستعمارية، وأن الأجانب باختلاف جنسياتهم، عاشوا أجواء رمضان بين المغاربة، حتى في الظروف السياسية الحالكة، ولم يفقدوا حياتهم. 

لا توجد تعليقات:

للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.

أضف تعليقك