أنتلجنسيا المغرب:أبو فراس
في تصريح دبلوماسي لافت، قالت وزارة الخارجية الفرنسية إن "مغربية الصحراء لم تعد محل نقاش"، في موقف اعتُبر تحوّلاً عميقًا في السياسة الخارجية لفرنسا تجاه قضية طالما شكلت نقطة توتر وصراع في المنطقة المغاربية.
هذا التصريح، الذي يأتي في سياق تغيرات متسارعة تعرفها الدبلوماسية الدولية، يُكرّس واقعًا جديدًا تُصبح فيه السيادة المغربية على أقاليمه الصحراوية أمراً محسوماً في عيون شركاء الرباط.
من المساندة الرمزية إلى الاعتراف الواقعي:قراءة في التحول الفرنسي
طوال عقود، تبنت باريس موقفًا "معتدلاً" يُفهم غالبًا على أنه دعم غير مباشر للمغرب، لكن دون الوصول إلى الاعتراف الصريح بمغربية الصحراء.
فرنسا كانت دائمًا من أبرز حلفاء المغرب في مجلس الأمن، تدعمه في القرارات المتعلقة بملف الصحراء، وتؤيد مقترح الحكم الذاتي كحل جاد وذي مصداقية.
لكن هذا التصريح الجديد يخرج فرنسا من منطقة "الرمادية الدبلوماسية" إلى وضوح غير مسبوق: الصحراء مغربية، ونقطة إلى السطر.
ما قالته الخارجية الفرنسية بالضبط؟
في رد رسمي على سؤال متعلق بموقف باريس من ملف الصحراء، قال مصدر في الخارجية الفرنسية:
"مغربية الصحراء لم تعد محل نقاش بالنسبة لنا، نحن نرى أن مبادرة الحكم الذاتي التي تقدم بها المغرب هي الأساس الجدي الوحيد لحل سياسي دائم وعادل."
بهذا التصريح، تحسم فرنسا موقفها بشكل عملي وتاريخي، خاصة بعد تردد دام سنوات، ووسط ضغوط وتوازنات بين علاقتها بالرباط من جهة، والجزائر من جهة أخرى.
السياق الإقليمي والدولي: متغيرات تفرض مواقف جديدة
هذا الموقف الفرنسي لا يمكن فصله عن السياق العام:
الاعتراف الأمريكي سنة 2020 بمغربية الصحراء في عهد الرئيس ترامب.
دعم إسبانيا الرسمي لمقترح الحكم الذاتي المغربي سنة 2022، وما تلاه من إعادة ترتيب شامل في العلاقات المغربية الإسبانية.
موجة تأييد أفريقي وعربي متزايدة لمغربية الصحراء، تمثلت في فتح أكثر من 28 قنصلية بمدينة العيون والداخلة.
تراجع نفوذ جبهة البوليساريو دبلوماسيًا، مع انسحاب عدد من الدول من الاعتراف بها.
أمام هذه التطورات، صار من الصعب على فرنسا أن تظل في موقف الحياد المتذبذب، وهي التي تسعى لتعزيز شراكتها الاستراتيجية مع الرباط في ظل صعود قوى أخرى كالصين وروسيا وتركيا في شمال إفريقيا.
فرنسا – المغرب: علاقة أكثر من مجرد شراكة
التقارب المغربي الفرنسي يمتد لعقود، يشمل:
علاقات اقتصادية قوية (فرنسا من كبار المستثمرين بالمغرب).
شراكة أمنية واستخباراتية فعالة.
جالية مغربية ضخمة تقيم بفرنسا.
تعاون ثقافي وتربوي دائم.
لكن العلاقة عرفت في السنوات الأخيرة نوعاً من البرود، خصوصاً بسبب المواقف الرمادية تجاه ملف الصحراء، وقضايا التأشيرات، والتعامل مع الجالية المغربية. وبالتالي فإن التصريح الأخير يُفهم أيضًا كـ محاولة لإعادة ترميم الثقة وكسب ود المغرب مجددًا.
ما الذي يعنيه هذا الموقف في الواقع السياسي؟
● دعم أقوى داخل مجلس الأمن:
فرنسا بصفتها عضوًا دائمًا في مجلس الأمن، يمكن أن تدفع نحو صياغة قرارات أكثر وضوحًا تدعم الحكم الذاتي وتغلق الباب أمام مشاريع الانفصال.
● ضربة قوية للبوليساريو:
موقف باريس سيؤثر على باقي دول الاتحاد الأوروبي، ويُضعف جبهة البوليساريو سياسيًا ودبلوماسيًا.
● تسريع مسار التسوية:
كلما تعززت المواقف الدولية الداعمة لمغربية الصحراء، كلما اقتربنا من تسوية نهائية تُنهي عقودًا من النزاع المفتعل.
ردود الفعل:ارتياح في المغرب وارتباك في الجزائر
المغرب استقبل التصريح الفرنسي بارتياح واضح، واعتبره خطوة في الاتجاه الصحيح، تعكس الاعتراف المتنامي بعدالة قضيته.
في المقابل، أبدت الجزائر انزعاجًا كبيرًا من الموقف الفرنسي، وعبّرت بعض وسائل إعلامها الرسمية عن "خيبة أمل" و"استغراب"، معتبرة أن باريس تخلّت عن التوازن.
مغربية الصحراء لم تعد مسألة للنقاش
تصريح الخارجية الفرنسية لم يكن مجرد كلام دبلوماسي عابر، بل هو ترسيخ لموقف جديد، يعكس تحولًا عالميًا في النظر إلى قضية الصحراء.
اليوم، الحق المغربي يعلو ويترسخ، ويُحسم أكثر فأكثر لصالح الوحدة الترابية، بينما تتراجع الأطروحات الانفصالية إلى الهامش، وتتقلص مساحات المناورة لدى خصوم المغرب.
فالرسالة واضحة من باريس: مغربية الصحراء أمر محسوم.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك