تقارير / الجمعة 01 نوفمبر 2024 12:29:03 / لا توجد تعليقات:
مغربنا 1 المغرب
استرعت ظاهرة اعتناق المواطنين الغربيين للإسلام اهتمام دوائر البحث في البلدان الغربية طيلة النصف الثاني من القرن العشرين، لكن القضية ظلت، إلى حدود القرن الماضي، واحدة من المفردات التي يتم الاشتغال عليها في إطار الدراسات التي تتعرض لتوسع دائرة الإسلام في العالم على حساب الأديان الأخرى، وخاصة المسيحية، وضمن حلقة التفكير في عملية التزحزح الديمغرافي لصالح العالم الإسلامي. في إطار هذه الرؤية، كان الموضوع على رأس اهتمامات الفاتيكان الذي لم يكن يتردد، كلما كان هناك مسيس حاجة، في دق ناقوس الإنذار من تراجع عدد معتنقي الديانة المسيحية في العالم. وكان هناك جيش، غير مسلح، يحاول الرد على هذا الخطر والقيام بهذه المهمة، وهم المنصرون. أما الكلمات المفاتيح التي كان يتم التذكير بها ب
استمرار فهي نفسها التي كانت المؤلفات الاستشراقية ترددها: الفتوحات الإسلامية، الحروب الصليبية، القرآن والسيف، والجهاد الديني.
وما كاد القرن العشرون يترك مكانه للقرن الحالي، حتى بدأت قواعد اللعب في التبدل شيئا فشيئا، في ظل مناخ عالمي مكتنز بشتى الاحتمالات. واحتل الإسلام مجددا واجهة المسرح، منذ أن تغيب عنها طيلة قرن كامل تقريبا، منذ سقوط الآستانة، فظهر الحديث عن الخطر الإسلامي، أو الخطر الأخضر، بديلا عن الخطر الشيوعي الأحمر الذي جمع أسلحته المهترئة وانكفأ على نفسه بعد انهيار جدار برلين، بعد أن لم يعد يخيف أحدا. ولكن الخطر الإسلامي، في هذه المرة أيضا كما في التاريخ، كان له عنوان محدد يمكن معرفته بالتوجه شرقا، فهو موقع جغرافي معروف، ولذا كان من السهل إيجاد حل يجنب الإسلام والمسيحية الصدام فيما بينهما، وطالما أن الأمر يتعلق بجغرافيتين، سيكون الحل هو تحصين القلعة الأوروبية في وجه العالم الإسلامي، وكانت تلك القلعة هي خلاصة أطروحة صامويل هانتنغتون، الباحث الأمريكي صاحب نظرية صدام الحضارات الشهيرة.
وفي الوقت الذي كان العالم يستعد للتعايش مع ما كان يسمى بالنظام الدولي الجديد، ويدفع أولى خطواته داخل فندق مفتوح للعموم، أطلق عليه اسم العولمة، جاءت تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر 2001 لكي تقلب الحفل على أهل العرس والمدعويين معا. وبين عشية وضحاها، بدا وكأن المرحلة الفاصلة ما بين انهيار الاتحاد السوفياتي في بداية التسعينات من القرن العشرين، وبين التفجيرات، كانت مجرد "فترة سماح" أو استراحة، لكي يدخل العالم كله نظاما عالميا جديدا، يمكن توصيفه بنظام اللانظام.
أصبح للغرب والعالم الإسلامي، في هذه المرحلة، عدو واحد مشترك هو تنظيم القاعدة للسعودي أسامة بن لادن، تماما مثلما كان لهم عدو واحد مشترك بالأمس هو المعسكر الشيوعي. خسر هانتنغتون رهانه وسقطت النظرية في الوحل، ولحقت بها نظرية نهاية التاريخ لفرانسيس فوكوياما الذي اعتقد، لجهل واضح بالتاريخ وكثير من الغرور، أن الحضارات عربة في قطار له خط سير مستقيم ينطلق من محطة وهو يدرك إلى أين يتجه.
لكن حدثين حصلا في أعقاب تلك التفجيرات غيرا الموقف من الإسلام "الجغرافي" جذريا ونقلا المعركة"الحضارية" إلى الداخل في الغرب نفسه. الحدث الأول هو العثور على جثة الفرنسي "هيرفي جمال لوازو" في أفغانستان، الذي مات من البرد في جبال تورا بورا، في 23 ديسمبر من نفس العام، والذي أطلقت عليه الصحافة الفرنسية لقب"طالبان الفرنسي"، لأن الشاب ـ الذي لم يكن يتجاوز 28 عاما من العمر ـ قاتل إلى جانب حركة طالبان، واستطاع الإفلات من القصف الأمريكي دون أن ينجو من مخالب البرد، أما الحدث الثاني، الذي خلف صدى واسعا في الصحافة الدولية، فهو اعتقال البريطاني ريتشارد ريد ، المعروف بـ"مفجر الحذاء"، الذي كان يحمل في حذائه قنبلة على متن الطائرة في الرحلة الجوية بين باريس وميامي في 22 ديسمبر 2001، وأعلن أثناء محاكمته أنه من أتباع بن لادن، وأقر بالتهم المنسوبة إليه وقال: "أقر بأفعالي، لا أعتذر عنها وأنا لا أزال في حرب مع بلدكم".
هنا بدأ التفكير مجددا في مسألة اعتناق الإسلام من قبل الغربيين، وهنا أيضا، ولأول مرة، سوف ينتقل الملف، أو سوف يتوزع، ما بين الفاتيكان والدوائر الأمنية والاستخبارية في العالم الغربي. أصبح للمسألة بعد أمني هام جدا، ولم يعد المنصرون، ذلك الجيش غير المسلح، كافيا. وبعدما كانت القضية بالأمس تتعلق بالجغرافيا وحدها، انتقلت إلى الداخل، فلم تعد هناك خطوط تماس واضحة، واستفاقت الدوائر الأمنية والفكرية في الغرب على حقيقة جديدة هي الإمكانية المفتوحة، باستمرار، لتحول الغربيين الذين اعتنقوا الإسلام إلى قنابل موقوتة قابلة للانفجار، وأدرك الجميع، في النهاية، أن هناك شيئا متعفنا في الدانمارك، كما قال شكسبير، في "هاملت".
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك