أنتلجنسيا المغرب:أبو جاسر
تُعد ليلة 27 من رمضان من أبرز الليالي التي تحظى بمكانة خاصة في قلوب المغاربة، حيث يُعتقد على نطاق واسع أنها ليلة القدر، الليلة المباركة التي أنزل فيها القرآن والتي تعادل ألف شهر في فضلها وثوابها.
ولهذا السبب، تكتسي هذه الليلة طابعاً استثنائياً في مختلف مدن وقرى المملكة، حيث تمتلئ المساجد بالمصلين، وترتفع أصوات التهجد والذكر، وتنتشر أجواء التقوى والخشوع في كل مكان.
المساجد تغص بالمصلين في ليلة العمر
تحظى المساجد في المغرب ليلة 27 من رمضان بإقبال كثيف، حيث يتوافد المصلون من مختلف الأعمار والمستويات الاجتماعية لإحياء هذه الليلة المباركة. وتمتلئ ساحات المساجد وأروقتها بالمصلين، خاصة في المساجد الكبرى مثل مسجد الحسن الثاني في الدار البيضاء، ومسجد الكتبية في مراكش، ومسجد القرويين في فاس. ويحرص المغاربة على أداء صلاة التراويح كاملة، ليكملوها بصلاة القيام والدعاء والتضرع إلى الله، آملين أن يكونوا ممن تشملهم بركات هذه الليلة.
الأسرة المغربية..اجتماع حول مائدة السحور
إلى جانب الأجواء الروحانية، تحمل ليلة 27 رمضان أيضاً طابعاً اجتماعياً مميزاً، حيث تحرص العائلات المغربية على التجمع حول مائدة السحور بعد أداء الصلاة في جو من الألفة والسكينة. ويتميز السحور في هذه الليلة بأطباق تقليدية مغربية، مثل "الحريرة"، "المسمن"، "البغرير"، و"التمر" مع الحليب، حيث يُعتقد أن تناول السحور يمنح الطاقة للاستمرار في العبادة حتى طلوع الفجر. كما أن هذه الليلة تكون فرصة للتواصل العائلي، حيث يجتمع الأهل ويتبادلون الأحاديث والذكريات الرمضانية.
لباس تقليدي وأناقة خاصة في الليلة المباركة
تحرص الأسر المغربية على ارتداء أجمل الملابس التقليدية في هذه الليلة، حيث يرتدي الرجال والنساء الجلابيب البيضاء، فيما تختار النساء أيضاً "التكشيطة" أو "القفطان" المغربي المطرّز بعناية. هذا الجانب من الاحتفال يعكس الاحترام والتقدير لهذه الليلة المباركة، كما أنه يعطي طابعاً مميزاً للأجواء العامة في البيوت والمساجد.
إحياء ليلة القدر عند الأطفال..أول خطوة في طريق التدين
يولي المغاربة اهتماماً خاصاً للأطفال خلال ليلة 27 رمضان، إذ يتم الاحتفال بأول صلاة تراويح أو ختم للقرآن للأطفال الصغار الذين بدأوا الصيام أو حفظوا أجزاء من القرآن الكريم خلال هذا الشهر. في بعض الأسر، يُهدى للأطفال الذين تمكنوا من صيام يومهم الأول "هدية الصيام"، مثل الملابس الجديدة أو الحلوى أو ألعاب رمزية. هذه العادة تشجع الأطفال على حب العبادات والتمسك بالتقاليد الدينية منذ الصغر.
توزيع الصدقات ومساعدة المحتاجين
لا تقتصر ليلة القدر على الصلاة والعبادة فقط، بل تمتد لتشمل أوجه البر والإحسان، حيث يحرص العديد من المغاربة على تقديم الصدقات للفقراء والمحتاجين في هذه الليلة المباركة، إيماناً منهم بأن الأجر مضاعف فيها. ويتم توزيع وجبات الإفطار والسحور على المحتاجين، إضافة إلى تقديم الملابس والهدايا للأيتام وأصحاب الدخل المحدود، في تجسيد واضح لمعاني التكافل والتضامن الاجتماعي.
ختم القرآن..لحظة مؤثرة في المساجد
تُعتبر ليلة 27 رمضان أيضاً مناسبة لاختتام قراءة القرآن في العديد من المساجد، حيث يختم الأئمة والمصلون تلاوة المصحف كاملاً خلال صلاة التراويح أو التهجد. ولحظة ختم القرآن تكون مؤثرة للغاية، حيث يرتفع صوت الإمام بالدعاء، وتنهمر الدموع من عيون المصلين، راجين المغفرة والرحمة من الله عز وجل. هذا المشهد المهيب يعكس مدى ارتباط المغاربة بكتاب الله وحرصهم على تلاوته وختمه في هذا الشهر الفضيل.
تأثير ليلة 27 رمضان على الحياة اليومية
رغم أن ليلة القدر تمثل ذروة الشهر الكريم من حيث العبادة والاحتفال الروحاني، إلا أن أثرها يمتد إلى الأيام الأخيرة من رمضان، حيث يبدأ المغاربة في الاستعداد لعيد الفطر، فتكثر الأسواق بالمتسوقين، وتزداد الحركة في محلات الملابس والحلويات، استعداداً لاستقبال العيد بروح جديدة وقلوب صافية.
ليلة القدر في المغرب..ليلة استثنائية محفورة في الذاكرة
تبقى ليلة 27 من رمضان واحدة من الليالي التي لا تُنسى في الذاكرة الجماعية للمغاربة، فهي لحظة تلتقي فيها الروحانية بالعادات والتقاليد، وتجتمع فيها الأسرة حول قيم الإيمان والتكافل والتراحم. وبغض النظر عن مدى صحة الاعتقاد بأنها ليلة القدر الحقيقية، فإن ما لا يختلف عليه أحد هو أنها ليلة ذات نكهة خاصة، تشع بأنوار الإيمان والتقوى، وترسخ في النفوس أجمل معاني الصفاء الروحي والإنساني.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك