أنتلجنسيا المغرب:رئاسة التحرير
في خطوة أثارت جدلًا واسعًا في الأوساط المهنية والنقابية، قرر وزير الصحة إلغاء صفقات الحراسة والمناولة بالمستشفيات العمومية وإطلاق صفقات جديدة وفق شروط أكثر صرامة، بهدف تحسين ظروف عمل حراس الأمن الخاص وتعزيز جودة الخدمات داخل هذه المؤسسات. وتأتي هذه الخطوة بعد انتقادات متكررة لحالة الهشاشة التي يعاني منها العاملون في هذا القطاع، حيث يعمل العديد منهم لساعات طويلة بأجور زهيدة، في ظل غياب شبه كامل للحقوق الأساسية والضمانات الاجتماعية الكافية.
وفقًا للمعايير الجديدة، يُشترط على الشركات المتنافسة على هذه الصفقات الالتزام بدفتر تحملات يفرض احترام الحد الأدنى للأجور المحدد في 3266 درهمًا، وهو ما يُنظر إليه كخطوة إيجابية نحو تحسين الوضعية المالية للعاملين في هذا المجال. لكن في المقابل، يفرض القرار أيضًا مستوى تعليميًا معينًا لحراس الأمن الخاص، وهو الشرط الذي أثار الكثير من التساؤلات حول مدى نجاعته، ومدى تأثيره على العاملين الذين اكتسبوا خبرات ميدانية طويلة دون أن يكون لديهم المستوى الدراسي المطلوب.
في الواقع، يُنظر إلى هذا الشرط على أنه سلاح ذو حدين، فمن جهة يمكن أن يرفع من جودة الخدمات الأمنية داخل المستشفيات عبر الاعتماد على عناصر مؤهلة أكاديميًا، لكن من جهة أخرى، قد يؤدي إلى إقصاء عدد كبير من حراس الأمن الذين أفنوا سنوات طويلة في هذه الوظيفة واكتسبوا مهارات مهنية تفوق أحيانًا ما يمكن أن توفره الشهادات الدراسية. كما أن فرض هذا الشرط دون توفير بدائل مناسبة أو برامج تأهيلية قد يعمق أزمة البطالة في صفوف هذه الفئة، التي تعاني أصلًا من هشاشة اجتماعية واقتصادية.
إلى جانب ذلك، فإن المشاكل التي يعاني منها حراس الأمن الخاص لا تقتصر فقط على الأجور أو المستوى الدراسي، بل تشمل ظروف عمل قاسية تشمل ساعات عمل طويلة تمتد أحيانًا إلى أكثر من 12 ساعة يوميًا، وغياب الحماية الاجتماعية، فضلًا عن تعرض العديد منهم لمخاطر مهنية، كالعنف اللفظي والجسدي داخل المستشفيات. وكان من الأجدر أن تركز الوزارة على إدراج تدابير شاملة، مثل تحسين ظروف العمل الميدانية، وتوفير بيئة مهنية آمنة، وضمان تطبيق فعلي لمدونة الشغل، بدل الاكتفاء بمعايير شكلية قد لا تحقق الأثر المرجو منها.
الرهان الحقيقي اليوم هو مدى قدرة وزارة الصحة على ضمان التزام الشركات المتعاقدة بهذه الشروط، وما إذا كانت هذه المعايير الجديدة ستترجم فعلًا إلى تحسين حقيقي في أوضاع حراس الأمن، أم أنها ستبقى مجرد إصلاحات نظرية تصطدم بواقع مغاير عند التطبيق. كما يبقى التساؤل مطروحًا حول مستقبل العاملين الحاليين الذين قد يجدون أنفسهم خارج المنظومة بسبب معايير جديدة لم تُتح لهم فرصة التكيف معها. في النهاية، يبقى مطلب تحسين أوضاع حراس الأمن الخاص مشروعًا وضروريًا، لكن نجاح أي إصلاح يظل مرهونًا بمدى شموليته وقدرته على خلق توازن بين تحسين الخدمات وضمان حقوق العاملين في هذا القطاع الحيوي.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك