قرار مثير للجدل يهز الشارع التونسي:إلغاء شرائع الإسلام من الدستور في عهد قيس سعيد بين الجدل السياسي والتداعيات الاجتماعية

قرار مثير للجدل يهز الشارع التونسي:إلغاء شرائع الإسلام من الدستور  في عهد قيس سعيد بين الجدل السياسي والتداعيات الاجتماعية
تقارير / الاثنين 17 مارس 2025 - 14:30 / لا توجد تعليقات:

أنتلجنسيا المغرب:أبو آلاء

أثار قرار الرئيس التونسي قيس سعيد إلغاء شرائع الإسلام من الدستور التونسي موجة من الجدل الواسع داخل تونس وخارجها، حيث اعتبره البعض خطوة نحو تكريس العلمانية الكاملة للدولة، فيما رأى آخرون أنه مساس بالهوية الدينية للمجتمع التونسي الذي ظل، على مدى عقود، يستمد جزءًا كبيرًا من تشريعاته من القيم الإسلامية.

وجاء هذا القرار ضمن حزمة من التعديلات الدستورية التي قادها سعيد، في إطار مشروعه السياسي الذي أطلقه بعد إعلانه الإجراءات الاستثنائية التي أنهت العمل بدستور 2014.

قيس سعيد وميوله الفكرية..هل تؤثر على توجهات الدستور؟

منذ توليه السلطة، أبدى الرئيس قيس سعيد توجهات فكرية غير تقليدية، حيث يعرف بقراءته الخاصة للنصوص الدستورية والقانونية، والتي تميل إلى تفسير القانون وفق تصور شخصي يختلف عن السائد. كما تشير عدة تحليلات إلى تأثر سعيد بعدة مرجعيات فكرية، من بينها بعض التوجهات الشيعية، وهو ما جعل بعض خصومه السياسيين يربطون بين هذا القرار وميوله الفكرية، خاصة أن إلغاء شرائع الإسلام من الدستور يتماشى مع الطرح الشيعي الذي لا يشترط أن تكون الشريعة مصدرًا أساسياً للتشريع.

تونس من الإسلام إلى العلمانية المطلقة؟

رغم أن تونس كانت دائمًا تُعرف بأنها دولة مدنية، فإن دستور 1959 ودستور 2014 كانا ينصان على أن الإسلام هو دين الدولة، وأن التشريع يستلهم في جزء منه من أحكام الشريعة الإسلامية، دون أن تكون هذه الأخيرة المصدر الوحيد للتشريع كما هو الحال في بعض الدول العربية الأخرى. غير أن التعديل الذي قاده قيس سعيد أسقط هذا البند بشكل نهائي، ما يعني أن الدولة لم تعد ترتبط دينيًا بالإسلام، وأن قوانينها لن تكون ملزمة بأحكامه مستقبلاً.

الإيجابيات..تعزيز مدنية الدولة وتوسيع الحريات؟

يرى المؤيدون لهذا القرار أنه يعزز مدنية الدولة بشكل كامل، وينهي الجدل حول العلاقة بين الدين والسياسة في تونس. كما يعتبرونه خطوة ضرورية لضمان عدم استخدام الدين في الأغراض السياسية، خاصة بعد تجربة حكم "حركة النهضة" التي أثارت مخاوف لدى شريحة من التونسيين من إمكانية إعادة إنتاج نموذج الحكم الإسلامي المحافظ. بالإضافة إلى ذلك، يعتقد أنصار هذا التوجه أن القرار قد يساهم في تعزيز حقوق المرأة والحريات الفردية، عبر إقرار قوانين لا تستند إلى تفسيرات دينية قد تكون محل خلاف.

السلبيات..المساس بالهوية الدينية وفتح الباب لمزيد من الانقسامات؟

في المقابل، يرى المعارضون أن إلغاء شرائع الإسلام من الدستور يمثل ضربة لهوية تونس التي كانت على مدى قرون دولة ذات مرجعية إسلامية، حتى مع تبنيها نظامًا سياسيًا حداثيًا. كما يخشى البعض من أن يؤدي هذا القرار إلى مزيد من الانقسام داخل المجتمع التونسي، بين مؤيدين للطرح العلماني المطلق، ومعارضين له يرون فيه انحرافًا عن القيم المجتمعية. إضافة إلى ذلك، هناك تخوف من أن يؤدي هذا التغيير إلى رفض مجتمعي واسع، قد تستغله تيارات دينية متشددة لتعبئة الشارع ضد النظام الحاكم.

التداعيات المحتملة داخليًا وخارجيًا

داخليًا، قد يزيد هذا القرار من حدة الصراع السياسي بين قيس سعيد ومعارضيه، خاصة التيارات الإسلامية والمحافظة التي ستعتبره تعديًا على الهوية الدينية للشعب التونسي. كما قد يؤدي إلى مزيد من الاستقطاب الاجتماعي، حيث سيجد التونسيون أنفسهم بين تيارين متناقضين، أحدهما يدعو إلى تبني القيم العلمانية بالكامل، والآخر يتمسك بالمرجعية الدينية في التشريع.

أما خارجيًا، فقد يكون لهذا القرار تأثير على علاقات تونس ببعض الدول الإسلامية، خاصة في ظل وجود أنظمة تعتبر الشريعة الإسلامية جزءًا أساسيًا من نظامها القانوني. كما قد يثير القرار اهتمام القوى الغربية التي لطالما دعمت التوجهات العلمانية في العالم العربي، وقد ترى فيه خطوة إيجابية تعزز المسار الديمقراطي في تونس، رغم الجدل الداخلي الذي يرافقه.

هل تنجح تونس في تجاوز الجدل؟

يبقى السؤال الأهم: هل سيتمكن قيس سعيد من تمرير هذا التعديل دون مواجهة مقاومة داخلية قوية؟ وهل سيكون هذا القرار نقطة تحول نحو تكريس العلمانية بشكل نهائي في تونس، أم أنه مجرد خطوة في معركة طويلة بين التيارات السياسية المختلفة؟ الأكيد أن تونس دخلت مرحلة جديدة من الجدل حول علاقتها بالدين، وهو نقاش قد يستمر لسنوات قادمة، في ظل تباين المواقف والمصالح السياسية المختلفة.

لا توجد تعليقات:

للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.

أضف تعليقك