أنتلجنسيا المغرب:رئاسة التحرير
يشهد المغرب ارتفاعًا قياسيًا في أسعار المحروقات، ما ينعكس بشكل مباشر على تكلفة المعيشة، في ظل غياب أي إجراءات فعالة من طرف الحكومة.
فمنذ قرار تحرير سوق المحروقات سنة 2015، والذي منح الشركات حرية تحديد الأسعار دون أي تدخل حكومي، أصبحت أثمان الوقود في المغرب رهينة تقلبات السوق الدولية، ولكن أيضًا رهينة مصالح لوبيات النفط، التي حققت أرباحًا خيالية على حساب القدرة الشرائية للمواطنين.
ففي الوقت الذي كان يُنتظر من حكومة عزيز أخنوش، الذي جاء بوعود كبرى لتحسين الأوضاع المعيشية، أن تتخذ إجراءات لكبح هذا الارتفاع، اختارت نهج الصمت والتبرير، في حين تستفيد الشركات من هوامش ربح ضخمة، وصلت في بعض الأحيان إلى 3 دراهم في اللتر الواحد من البنزين والغازوال.
هذا الوضع جعل المواطن المغربي، أمام معادلة مستحيلة، أسعار متصاعدة للمحروقات، في مقابل أجور ضعيفة لم تشهد أي زيادات تذكر تواكب هذا التضخم الحاد.
تحرير الأسعار بين الوعود الحكومية والواقع المر
عند اتخاذ قرار تحرير سوق المحروقات، قيل للمغاربة إن المنافسة بين الشركات ستؤدي إلى انخفاض الأسعار وتحسين جودة الخدمات. لكن بعد سنوات من التطبيق، يبدو أن الواقع مختلف تمامًا، إذ لم تسهم هذه الخطوة إلا في تقوية نفوذ الشركات الكبرى وزيادة أرباحها على حساب المواطن البسيط.
وفقًا لتقارير مجلس المنافسة، فإن سوق المحروقات في المغرب يهيمن عليه عدد قليل من الشركات، بينها شركات مرتبطة برئيس الحكومة نفسه، والتي تتحكم بشكل شبه مطلق في تحديد الأسعار، مما يثير تساؤلات حول مدى وجود تضارب مصالح يؤثر على اتخاذ القرارات الحكومية. فبدل أن ينعكس التحرير إيجابًا على الأسعار، أصبح المواطن يدفع ثمن غياب أي رقابة حقيقية على هوامش الأرباح، التي تفوق بكثير المعدلات المعمول بها في الدول المجاورة.
أرباح ضخمة للشركات وخسائر للمواطن
الأرقام تكشف عن واقع صادم: خلال سنة 2023، حققت شركات المحروقات في المغرب أرباحًا غير مسبوقة، في ظل استمرار ارتفاع الأسعار، بينما لم تستفد الطبقات المتوسطة والفقيرة من أي دعم حكومي لتخفيف وطأة هذه الأزمة. التقرير الأخير لمجلس المنافسة أشار إلى أن بعض الشركات تحقق أرباحًا تفوق 38% من تكلفة البيع، وهو رقم يثير تساؤلات حول مدى وجود تواطؤ بين هذه الشركات والحكومة لتمرير هذه الزيادات دون أي تدخل يحد من جشع اللوبيات المسيطرة على القطاع.
في المقابل، يعاني المواطنون من موجة ارتفاع أسعار غير مسبوقة للمواد الأساسية، نظرًا لارتباط كلفة النقل بأسعار الوقود. هذا ما جعل أسعار الخضر والفواكه ترتفع بنسبة تجاوزت 30% في بعض المدن، فيما شهدت أسعار المواد الغذائية الأساسية زيادات مستمرة، مما زاد من الضغط على الأسر المغربية، التي بالكاد تستطيع تلبية احتياجاتها اليومية.
الضرائب والاقتطاعات تزيد الوضع تعقيدًا
في الوقت الذي كانت فيه الحكومة مطالبة باتخاذ إجراءات لتخفيف العبء على المواطنين، فضّلت الاتجاه نحو زيادات ضريبية ورفع الاقتطاعات، مما زاد من صعوبة الوضع الاقتصادي. الضرائب المفروضة على المحروقات تصل إلى حوالي 40% من السعر النهائي، وهو ما يجعل الأسعار مرتفعة مقارنة بالدول المجاورة التي تعتمد سياسات دعم أو تخفيضات ضريبية لمواجهة تقلبات السوق الدولية.
الحكومة الحالية لم تتخذ أي خطوة جدية لإعادة النظر في السياسة الضريبية على المحروقات، رغم المطالب المتكررة للنقابات والهيئات الاقتصادية بإيجاد حلول عملية لتخفيف الضغط على المواطنين. وبدلًا من ذلك، ظلت تتحدث عن إصلاحات غامضة لم يتحقق منها شيء، بينما تستمر الشركات في جني الأرباح على حساب المستهلك.
هل هناك حلول في الأفق؟
الخيارات المتاحة أمام الحكومة كثيرة، لكن الإرادة السياسية تبدو غائبة. يمكن للحكومة أن تعيد النظر في تحرير سوق المحروقات عبر وضع سقف لهوامش الأرباح، كما يمكنها فرض رقابة صارمة على الأسعار لمنع أي تلاعب بها. كذلك، يمكن تخصيص جزء من الضرائب المحصلة من هذا القطاع لدعم الفئات الهشة أو إعادة دعم المحروقات جزئيًا كما هو معمول به في دول أخرى.
لكن إلى حد الآن، لم تبادر حكومة أخنوش بأي إجراء ملموس لحماية القدرة الشرائية للمغاربة، ما يطرح تساؤلات حول مدى استعدادها لمواجهة هذه الأزمة بجدية. في ظل غياب أي تدخل حكومي حقيقي، يبدو أن المواطن المغربي سيظل هو الخاسر الأكبر في معادلة تحرير الأسعار، بينما تواصل الشركات الكبرى تحقيق أرباحها دون أي حسيب أو رقيب.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك